3366N.jpg

موقف سوريا من الإبادة الجماعية الأرمنية

موقف سوريا من الإبادة الجماعية الأرمنية

الحالة: اعتراف رسمي
التاريخ: 13 فبراير 2020
الجهة: مجلس الشعب، أعلى سلطة تشريعية في البلاد.

اتسمت العلاقات السورية التركية وبشكل شبه دائم بتوتر من نوع ما كان يسود الأجواء الرسمية بين البلدين، فسوريا عانت الويلات من الحكم العثماني الذي أعاد البلاد قرونا إلى الوراء.. وإن كانت أرمينيا قد ارتكب بحق أبنائها إبادة جماعية منظمة إلا أن السوريين لم يكونوا أقل تضررا من البطش العثماني، وساحات دمشق وبيروت شاهدة على ذلك.

تعتبر سوريا بأراضيها التي تمتد على مساحة تزيد عن الـ 185 كلم٢ إحدى المسارح الرئيسية التي قام العثمانيون الأتراك فيها بارتكاب أفظع الجرائم بحق أرمن الإمبراطورية العثمانية بعد تهجيرهم إلى صحراء دير الزور بعيدا عن أعين الدبلوماسيين الغربيين المعتمدين في القسطنطينية وبالتالي كان السوريون من أوائل شهود العيان لما حل بالأرمن في حقبة الإبادة الجماعية الأرمنية.

حتى وقت قريب لم تكن سوريا لا ضمن قائمة المعترفين رسميا بالإبادة الجماعية الأرمنية ولا ضمن قائمة الناكرين رسميا لها، إلا أن هذا الوضع تغير يوم 13 فبراير/شباط 2020 بعد أن عقد مجلس الشعب السوري جلسة خاصة لمناقشة قضية الأحداث المأساوية التي تعرض لها أرمن الأناضول مطلع القرن الماضي على أيدي سلطات الدولة العثمانية.. مع نهاية الجلسة التي تخللتها خطب وكلمات أصدر المجلس بيانا اعترف بموجبه رسميا بالإبادة الجماعية الأرمنية.

اعتراف مجلس الشعب السوري بالإبادة الأرمنية في فبراير 2020 لم يكن سوى ترجمة لواقع إعتراف الشعب السوري بحقيقة هذه الإبادة إذ أن السوريون لطالما تعاطفوا (ويتعاطفون) مع الشعب الأرمني والقضية الأرمنية إلى أبعد الحدود، كما أن السوريين يعود لهم الفضل في حماية عشرات الألاف من الأرمن الذين لجأوا إلى حلب ودمشق وكسب وغيرها من مدن وبلدات سوريا خلال وبعد الحرب العالمية الأولى. ويقال أنه لولا حماية السوريين للأرمن لما كان ثمة أي أهمية للشتات الأرمني بقوته الحالية. ذلك أن هذا الشتات معظمه حط الرحال أولا على أراضي سوريا ولبنان.

الموقف من الإبادة الأرمنية قبل الأزمة

قبل اندلاع الأحداث الجارية في سوريا كان الحديث عن الإبادة الجماعية الأرمنية شبه ممنوع من قبل الساسة السوريين رغم العلاقات الطيبة التي لطالما كانت تربط دمشق بيريفان وربما المسؤول السوري الوحيد الذي ادلى بتصريحات قوية تجاه القضية الأرمنية كان رئيس مجلس الشعب في حينه عبد القادر قدورة سنة 2001 حين زار أرمينيا وسجل كلمة في سجل زوار متحف الإبادة الجماعية الأرمنية قال فيها: “ونحن نزور هذا النصب ومتحف الإبادة التي تعرض لها الأرمن سنة 1915 نقف بإعجاب وإحترام كامل أمام هؤلاء الأبطال الذين استطاعوا مواجهة الموت بشجاعة وبطولة قل نظيرهما”.

وبعد ذلك بسنوات قليلة يبدأ شهر العسل السوري-التركي، ورغم وصول العلاقات الثنائية مع أنقرة إلى درحة “التحالف” تقريبا إلا أن ساسة سوريا وعلى رأسهم الرئيس الأسد لم يقطعوا العلاقات مع أرمينيا بل عملوا على تطويرها بشكل أكبر في حكمة سياسية تسجل أيضا للرئيس السوري بشار الأسد الذي نصح كاثوليكوس الأرمن لبيت كيليكيا آرام الأول كيشيشيان سنة 2009 بضرورة أن تفتح أرمينيا هي الأخرى صفحة جديدة مع تركيا.

وأثناء زيارته الرسمية إلى أرمينيا سنة 2009 ورغم أن معظم ساسة العالم يستهلون مباحثاتهم مع المسؤولين الأرمن في يريفان بزيارة إلى نصب شهداء الإبادة الأرمنية وهو عرف دبلوماسي دأبت أرمينيا على اتباعه مع ضيوفها من قادة العالم، إلا أنه تم الموافقة على استثناء بشار الأسد عن هذه القاعدة – ربما – بسبب العلاقات الاستراتيجية التي كانت تربط دمشق وأنقرة في حينه.. إلا أن الأسد كان قد عرض على القادة الأرمن الوساطة من أجل حل هذا الخلاف التاريخي بين الشعبين الأرمني والتركي ويقال أن هذا المقترح كان إحدى أسباب زيارته لأرمينيا.

الموقف من الإبادة الأرمنية بعد الأزمة

تمر سنوات قليلة وتبدأ في سوريا أحداث مأساوية ما تزال مستمرة حتى ساعة كتابة هذه السطور، وفي مقابلة أجرته معه الوكالة الفرنسية للأنباء سنة 2014 تطرق الرئيس السوري بشار الأسد إلى عمليات الإبادة الجماعية التي تعرض لها أرمن الأناضول مطلع القرن الماضي في إشارة كانت الأولى من نوعها لرئيس سوري مسميا الأمور بأسمائها ومعلنا عن اسم الجناة بصراحة.

كلمات الرئيس السوري وقتها جاءت في معرض كلامه عن ما يحدث في بلاده من مجازر يرتكبها الإرهابيون بحق المدنيين، فقال: “إن مستوى الوحشية واللا إنسانية التي وصل إليها الإرهابيون، الذي يذكرنا بما كنا نسمعه عن العصور الوسطى التي مرت بها أوروبا منذ أكثر من خمسة قرون.. ويذكرنا في العصر الحديث بالمجازر التي قام بها العثمانيون ضد الأرمن، عندما قتلوا مليون ونصف مليون أرمني ونصف مليون من السريان الأرثوذكس في سوريا وفي الأراضي التركية”

وبعد أيام قليلة من كلام الرئيس السوري يظهر ممثل بلاده الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أمام الصحفيين في الأمم المتحدة ويدلي بتصريح مماثل قائلا: “وماذا عن الإبادة الجماعية الأرمنية التي قتل فيها 1.5 مليون شخص”.

الرئيس السوري بشار الأسد تأخر أكثر من 10 سنوات ليدرك أن التركي ما زال عثمانيا ويدلي بتصريح مماثل لما سجله عبد القادر قدورة عن مآساة الأرمن سنة 2001.. ورغم أن الأغلبية تعتبر تصريحات الأسد سببها فقط الرد على تركيا إلا أن الحقيقة تقول أن عائلة الأسد تعترف رسميا بالإبادة الجماعية الأرمنية وهو ما بدا واضحا حين قرر الأسد الأب زيارة نصب شهداء الإبادة الجماعية الأرمنية أثناء زيارة قصيرة أصر على القيام بها على هامش زيارته للاتحاد السوفيتي آنذاك، سنة 1971.

بعد كل ما حدث في سوريا خاصة خلال السنوات الأولى للأزمة تعالت الأصوات الأرمنية من داخل وخارج سوريا للمطالبة باعتراف رسمي من قبل مجلس الشعب بالإبادة الجماعية الأرمنية.. ليس استغلالا للعلاقات المتوترة بين دمشق وأنقرة وقتها، ولا تدخلا في الشأن الداخلي السوري، بل لأن سوريا التي كانت أراضيها مسرحا لإجرام العثمانيين ليس فقط بحق الأرمن بل بحق الإنسانية جمعاء .. تستحق أن تكون في طليعة الدول المدافعة عن الشعوب والأمم التي تضررت من بطش العثمانيين.

اعتراف أرمينيا بمجازر تركيا ضد الأقليات العربية المسيحية

برلمان جمهورية أرمينيا كان قد عقد جلسة خاصة في 24 مارس/آذار 2015 للمناقشة والتصويت على مشروع قرار يدين عمليات القتل الجماعية التي تعرض لها أبناء القوميتين الآشورية واليونانية مطلع القرن الماضي على أيدي السلطات العثمانية أسوا بما تعرض له الأرمن أيضا.. أرمينيا تبنت القرار بأغلبية أعضائها حيث وافق عليها جميع الأعضاء ممن حضروا جلسة يومها (117 نائب من أصل 131)..

أرمينيا رسميا وقبل شهر فقط من ذكرى مئوية الإبادة الجماعية الأرمنية قالتها علنا: “الأتراك أبادوا الآشوريين أيضا”.. ولكن من هم الآشوريون؟ أليسوا السكان الأصليين لمناطق شاسعة من سوريا والعراق؟ إذا بمعنى أدق فإن أرمينيا اعترفت رسميا بتعرض جزء من السوريين ممن هم أحفاد امبراطورية كبيرة بحجم الإمبراطورية الآشورية لإبادة جماعية على أيدي السلطات العثمانية..

نعم الأتراك ابادوا الأرمن.. ولكنهم أيضا قتلوا عشرات الألاف من السوريين والعراقيين لا سيما أتباع الطوائف المسيحية العربية.. وأرمينيا باعتراف برلمانها بتعرض الآشوريين لمجازر على أيدي السلطات العثمانية أضافت جرما إضافيا إلى سجل جرائم العثماني بحق البشرية.. وبعد هذا الاعراف فإن أي دولة غربية تعترف رسميا بالإبادة الجماعية الأرمنية فإن قراراتهم سوف تتضمن أيضا إشارة إلى ارتكاب العثمانيين مجازر بحق العرب المسيحيين أيضا (السوريين).

سوريا ترد الجميل:
مجلس الشعب يعترف رسميا بالإبادة

اعتمد مجلس الشعب السوري الخميس بالإجماع قرارا اعترفت بموجبه سوريا رسميا بالإبادة الجماعية الأرمنية، والتي أدت إلى مقتل أكثر من مليون ونص المليون أرمني في خطوة تأتي في وقت يزداد فيه التصعيد بين دمشق وأنقرة إثر المواجهات العسكرية في شمال غرب سوريا.

وجاء في بيان المجلس إنه “يدين ويقر جريمة الإبادة الجماعية للأرمن على يد الدولة العثمانية بداية القرن العشرين”. وتابع البيان “كما يدين (المجلس) أي محاولة من أي جهة كانت لإنكار هذه الجريمة وتحريف الحقيقة التاريخية حولها”.

scroll to top