25006.jpg

التخوّف من حربٍ جديدة على أرتساخ وأرمينيا قريبا ً

التخوّف من حربٍ جديدة على أرتساخ وأرمينيا قريبا ً

يعيش أرمن أرتساخ حصارا ً أذربيجانيّا ً- تركيّا ً خانقا ً منذ بداية عام 2023 دون أن يرف جفن للمجتمع الدولي السكران بالحرب الروسيّة على أوكرانيا. تستغلّ تركيا وأذربيجان إنشغال العالم بالحرب الروسيّة على أوكرانيا من ناحية والتوتّر الأميركي-الصيني من ناحية أخرى لتطويع أرمن أرتساخ من خلال الحصار عبر قطع ممرّ لاتشين الذي يربط أرتساخ وسكّانها الأرمن بالبلد الأم أرمينيا. وبذلك، تضغط تركيّا وأذربيجان على الحكومة الأرمينيّة من خلال وضع المعادلة التالية:

ممرّ لاتشين الذي يصل أرمن أرتساخ بأرمينيا مقابل ممرّ زانكيزور الذي سيربط أذربيجان والعالم التركي شرقا ً بتركيا، فتحقّق تركيا بذلك حلم الإمبراطوريّة الطورانيّة للشعوب التركيّة التي تمتدّ من حدود البلقان غربا ً حتّى حدود الصين شرقا ً.

ما يحول دون تنفيذ الحلم التركي بالإمبراطوريّة الطورانية هو العائق الجغرافي في جنوب أرمينيا المسمّى ممر زانكيزور التي تحاول تركيّا قبل أذربيجان الحصول عليه بالترهيب من خلال محاصرة أرمن أرتساخ للضغط على أرمينيا للتنازل عن ممرّ زانكيزور الخاضع لسيادتها مقابل الإفراج عن ممرّ لاتشين البالغ عرضه حوالي الخمسة كيلومترات، وبالتالي الإفراج عما يزيد عن 120 ألف أرمني يعيشون في أرتساخ.

في 14/04/2023 ذكر الموقع الرسمي لإذاعة أرمينيا أن الرئيس التركي أردوغان قد صرّح في المؤتمر الصحفي عقب مشاركته في قمّة الناتو في فيلنيوس في تمّوز 2023 إنه “في عام 2025، يجب أن تغادر قوات حفظ السلام الروسية منطقة ناغورنو كاراباخ (أي أرتساخ بالأرمنيّة) … وأشار أردوغان إلى البيان الثلاثي الصادر في 9 نوفمبر 2020 وما ورد فيه من ضرورة بقاء قوة حفظ السلام الروسية في كاراباخ لمدة 5 سنوات.” بعدها بأسبوع، صرّح رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بتاريخ 21 تمّوز 2023 خلال مقابلة مع وكالة “فرانس برس” أنّه “من المرجح جداً” اندلاع حرب جديدة بين أرمينيا وأذربيجان، محذّراً من أنه “ما لم يتمّ إبرام معاهدة سلام وتصديق برلمانَي البلدين عليها، فمن المرجح جداً اندلاع حرب (جديدة مع أذربيجان)”. فإذا ربطنا الأمرين معاً، أي تصريحَي أردوغان وباشينيان، يتّضح لنا جليّا ً أنّ في الأمر ريبة وخطورة بالغة الأهميّة. فالتصريحان يصبّان في خانة التصعيد في أرتساخ ويقرعان طبول الحرب دون أدنى شكّ على الرغم من عدّة ملاحظات على التصريحين نذكرهم بإيجاز أدناه: 

من حيث الشكل، يبدو واضحا ً أنّ العلاقة التركيّة-الأذربيجانيّة هي علاقة الرئيس بالمرؤوس والتابع بالمتبوع رغم إدّعاء الرئيس الأذربيجاني بالعلاقة الأخويّة والندّية بين أذربيجان وتركيا. طبعاً، هذا الإستنتاج للنظرة التركيّة الدونيّة لأذربيجان يأتي من أنّ الاتفاق الثلاثي الذّي أشار إليه الرئيس أردوغان في تصريحه عقب مشاركته في قمّة الناتو في فيلنيوس في تمّوز 2023, لا يعطِ أيّ دور لتركيا للتدخّل في شأن أرتساخ. بالعودة للمادّة الرابعة من الاتفاق الثلاثي الموقّع بين أرمينيا وأذربيجان برعاية روسيّة بتاريخ 10 نوفمبر 2020, نجد أنّها تنص على ما يلي: 

“4 – يجري نشر وحدة حفظ السلام التابعة للاتحاد الروسي بالتوازي مع انسحاب القوات المسلحة الأرمينية. مدة بقاء وحدة حفظ السلام التابعة للاتحاد الروسي هي 5 سنوات، مع تمديد تلقائي لفترات الخمس سنوات أخرى ما لم يعلن أي من الأطراف قبل ستة أشهر من انتهاء فترة الخمس سنوات عن نيّته لإنهاء تطبيق هذا النّص.”

وبالتالي، أعطت المادة الرابعة من الاتفاق الثلاثي الحقّ لأي من أطراف الإتفاق الإعتراض على التمديد التلقائي لتواجد القوّات الروسيّة في أرتساخ قبل 6 أشهر من إنقضاء فترة الخمس سنوات الأولى، أي عمليّا ً قبل حلول حزيران من العام 2025. لكن أذربيجان لم تصرّح بشكل رسمي عن نيّتها الطلب من روسيا الانسحاب، بل أتى هذا الطلب على لسان أردوغان مع العلم أنّ تركيّا ليست طرف من الأطراف الثلاثة للنزاع. وبالتالي أصبحت تركيّا هي التي تقرّر عن أذربيجان وتملي عليها سياساتها ومصالحها دون بروز أي موقف من أذربيجان إلّا بعد تصريح أردوغان. 

وبالعودة إلى مضمون تصريح أردوغان، بغضّ النظر أنّه صادر عن جهة لا صفة قانونيّة أو رسميّة لها كونها ليست طرفا ً في النزاع حسبَ البيان الثلاثي الصادر في 9 نوفمبر 2020, نجد أنّ مضمونه يحمل خطورة كبيرة وفي طيّاته تهديد علني لأرمينيا بالحرب، الأمر الذي تلقّفه رئيس مجلس الوزراء الأرميني ودفعه للتصريح بأرجحيّة اندلاع حرب جديدة بين أرمينيا وأذربيجان ما لم يتمّ إبرام معاهدة سلام وتصديق برلمانَي البلدين عليها. فأردوغان يعلم أنّه وأذربيجان لا يستطيعان شن الحرب على الأرمن سواء في أرتساخ أو في أرمينيا في ظل ّ التواجد العسكري الروسي تحت مسمّى “قوّات حفظ السلام.” من هنا جاء طلب أردوغان من القوّات الروسيّة الانسحاب من أرتساخ بحلول العام 2025 حتّى تبقى أرتساخ- ومِن ورائها أرمينيا- أمامه لقمة ً سائغة فينقضّ عليها ويسيطر على أراضيها ليحقّق من بعدها الوحدة الجغرافيّة للإمبراطوريّة الطورانيّة. 

إذا ً، تصريح أردوغان خلال قمّة الناتو حدّد الجدول الزمني للحرب التي ستشنّها بلاده وأذربيجان على الأرمن في أرتساخ وأرمينيا. لكن السؤال الأبرز يبقى هل ستنصاع روسيا لطلب أردوغان ومن بعده لطلب أذربيجان بالإنسحاب من أرتساخ بحلول العام 2025 مع العالم أن تركيا وجّهت صفعت سياسيّة لروسيا عندما إرتمت بأحضان الناتو والغرب مجدّداً من خلال قبولها عضويّة السويد في الناتو, شبيهة بالصفعة التي وجّهها أتاتورك للاتحاد السوفياتي في العام 1923 بإيهام السوفيات آنذاك بإمكانيّة إنضمام تركيا للإتحاد السوفياتي فقبض ثمنها رشوة ً من جوزيف ستالين, وزير شؤون الأقليات حينها, من خلال إقتطاع أرتساخ من أرمينيا وضمّها لأذربيجان مسايرة ً لأتاتورك, وبعدها توجّه أتاتورك غربا ً وسعى لأَورَبَة تركيا بعد أن حصل على ما أراد من السوفيات على حساب الأرمن وأرمينيا. 

والسؤال الثاني يتعلّق بمصير المادة الرابعة من معاهدة الأمن الجماعي التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) الشبيهة بنص المادة الخامسة من معاهدة حلف الشمال الأطلسي والتي تنص على ما يلي: 

إذا ماتعرضت إحدى الدول الأعضاء للعدوان (هجوم مسلح يهدد السلامة والاستقرار والسلامة الإقليمية والسيادة) ،فستعتبره الدول الأعضاء عدوانًا (هجوم مسلح يهدد السلامة والاستقرار والسلامة الإقليمية والسيادة) على جميع الدول الأعضاء في هذه المعاهدة.” 

مع العلم أنّ روسيا وأرمينيا دون أذربيجان هم من الدول الأعضاء في معاهدة الأمن الجماعي وتمّ السعي من قِبَل أرمينيا لتفعيل المادة الرابعة خلال الحرب الأذربيجانيّة على أرتساخ وأرمينيا في العام 2020 لمنّها جوبهَت بالرفض من قِبَل الروس بحجّة أن الحرب الدائرة تقع على أراضي أرتساخ وليس أرمينيا.

أما السؤال الأبرز- وربّما الأهم- هو حول ما الذّي ستفعله أرمينيا وأرمن الشتات من الآن ولغاية منتصف العام 2025 للتحضير لهذه المواجهة العسكريّة الحتميّة. هل سيتجاهلون هذه الإنذارات الصريحَة والدلالات الواضحة والإشارات السلبيّة حول إندلاع حرب جديدة قريبا ً ويكملون حياتهم بشكل ٍ طبيعي حتّى تقع الكارثة؟ هل كان رئيس الوزراء الأرميني جادّا ً في تصريحه حول أرجحيّة وقوع حرب جديدة مع أذربيجان قريبا ً وبالتالي هل سيبدأ هو وحكومته بالتحضير لها من الآن عبر المواجهة العسكريّة الغير متكافئة أم أنّه سيعضّ على الجراح ويسعى لإيجاد حلّ ديبلوماسي يرضي تركيا من دون تقديم تنازلات كبيرة تمسّ الأمن القومي الأرمني والسيادة الأرمينيّة؟    

بقلم: د. إسحاق أندكيان،
أكاديمي وخبير في إدارة النزاعات الدوليّة
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية
تاريخ المقال: 27 يوليو/تموز 2023

scroll to top