لن نتحدث في هذه الصفحة عن مدينة حلب المعروفة أصلا بقدمها وجمالها وطيبة شعبها، بل عن الأرمن في مدينة حلب والتي من الطرافة أن تسأل فيها: “هل أنت مسيحي أم أرمني؟”
الأرمن في حلب في القرنين الـ 19 والـ 20:
وفقا للمؤرخ الحلبي شيخ كامل الغازي (1853-1933)، كان في حلب يعيش قرابة الـ 400.000 شخص قبل الزلزال المدمر سنة 1822. وفي عام 1823 جاء وباء الكوليرا وبعدها الطاعون سنة 1827 فانخفض عدد سكان المدينة إلى 110.000 بحلول نهاية القرن التاسع عشر. وفي عام 1901 كان مجموع سكان المدينة 108.143 نسمة كان يشكل المسلمون نسبة 70.58% منهم فكان عددهم 76.329 شخص. أما المسيحيون، وكانوا أغلبهم كاثوليك، بلغ عددهم 24.508 أي نسبة 22.66% من السكان. في حين كان عدد اليهود 7.306 شخص أي 6.76% من سكان المدينة.
ازداد عدد المسيحيين في حلب بشكل كبير خاصة بعد تدفق اللاجئين الأرمن مطلع القرن العشرين بعد الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها سنة 1915. وبعد وصول المجموعات الأولى من اللاجئين الأرمن بين الأعوام 1915 و1922 بلغ عدد سكان حلب وفق إحصاء سنة 1922 قرابة الـ 156.748 حيث بلغ المسلمون منهم 97.600 شخص أي 62.26%، في حين بلغ عدد المسيحيين المحليين، وأغلبهم كاثوليك، 22.117 شخص أي 14.11% من مجموع سكان المدينة، أما اليهود فكانوا 6.580 شخص أي 4.20%، الأوربيون كانوا 2.652 أي 1.70%. أما الأرمن فكانوا 20.007 شخص أي 12.76% من مجموع السكان. أما باقي الفئات فقد بلغت 7.792 أي 4.97%.
بعد إنسحاب القوات الفرنسية من منطقة كيليكيا سنة 1923 والتي كانت تحتضن أعداد كبيرة من الأرمن جاء عدد كبير منهم إلى المناطق السورية. وبعد وصول 40.000 أرمني إلى مدينة حلب بين الأعوام 1923-1925 أصبح عدد سكان حلب 210.000 نسمة مع نهاية سنة 1925، وكان الأرمن يشكلون 25% من سكان المدينة.
ووفقا للشيخ كامل الغازي كان معظم المسيحيين في المدينة هم من أتباع المذهب الكاثوليكي ولكن مجيء الأرمن والذي هم في غالبيتهم من أتباع الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية الرسولية وأيضا وصول بعض الجماعات المسيحية السورية إلى حلب وبعد سنة 1939 وصول بعض اليونانيين من منطقة سنجق التي أعطيت لتركيا ما أدى إلى زيادة كبيرة في نسبة المسيحيين الأرثوذكس مقارنة مع الكاثوليك.
في عام 1944 كان عدد سكان حلب 325.000، منهم 112.110 مسيحي (أي 34.5% من السكان) وكان بين هؤلاء 60.200 أرمني. شكل الأرمن حينها أكثر من نصف المجتمع المسيحي في حلب حتى سنة 1947 عندما بدأت أولى هجرات العودة للمواطنين الأرمن إلى موطنهم الأصلي أرمينا والتي أستمرت بين الأعوام 1946-1967 في عدة مراحل.
لمحة تاريخية عن الأرمن في حلب… بقم: المحامي علاء السيد
تواجد الأرمن في حلب منذ القديم و يرجع تواجدهم الى مئات السنين. لم يعرف بالتحديد تاريخ وصولهم لحلب. اقدم ذكر لوجودهم يعود لسبعمائة سنة على حاشية مخطوة ارمنية ذكر فيها بأنه تم نسخها في عام 1329 م بحلب في كنيسة السيدة بحارة الصليبة ( الجديدة ) و هي كنيسة أرمنية قائمة حتى الان.
شكل الأرمن في حلب قوة صناعية وتجارية وعلمية مهمة وكان قد انتخب منهم التاجر مانوك قراجيان في مجلس المبعوثان الاول وهو المجلس النيابي في السلطنة العثمانية عام 1877 م كأحد النواب عن ولاية حلب .
منهم التجار والصناعيين وأشهرهم أسرة سكياس ، ومنهم الأطباء واهمهم الدكتور أسادور التونيان صاحب مشفى ألتونيان الشهير ود. أواديس جبه جيان ، والمحامون ومنهم المحامي طوروس شادرفيان واسكندر اليان ، والصيادلة وأشهرهم الصيدلي اسكندر بيراميان وكابريل خانجان وميساك كشيشيان.
عام 1898 م قدرت اسالنامة العثمانية وهي الكتاب العثماني الإحصائي السنوي عدد السكان الأرمن في حلب بحوالي أربعة آلاف وخمسمائة أرمني. تجدر الإشارة إلى أن الكثيرين كانوا يتجنبون السجلات العثمانية ولذلك يُعتقد ان العدد الحقيقي أكبر من ذلك .
كان للأرمن مدرسة رئيسية تسمى مدرسة نرسيسيان في حي الصليبة ( الجديدة ) وعدد طلابها في الفترة ما قبل عام 1915 م حوالي سبعمائة طالب.
خلال الحرب العالمية الاولى في عام 1915 م وصل لحلب النازحون الأرمن من مناطق مختلفة من كيليكيا شمالي حلب تمهيدا لنقلهم من قبل رجال السلطنة العثمانية إلى دير الزور والجزيرة السورية .
توفي منهم الكثيرين جوعاً وبرداً ومرضاً أثناء مسيرهم على الأقدام الذي طال لعدة أشهر وهم حفاة عراة حتى وصلوا لمناطق دير الزور ومسكنة والشدادة. كان أغلب النازحون من النساء والاطفال.
استطاع بعض المهاجرون الأرمن البقاء في حلب مختبئين عن عيون السلطات العثمانية. حضنهم الحلبيون ومدوا يد المساعدة لهم وتزوجوا نساءهم كزوجات على الوجه الشرعي واعتنوا بأولاد الأرمن واعتبروهم كأولادهم. يعترف الأرمن بأدبياتهم بالجميل وبكرم الضيافة الذي قدمه الحلبيون لإخوتهم الأرمن النازحين.
لم يبن الأرمن في تلك الفترة أي حي خاص بهم خلافاً لما يذكره بعض الباحثون الحلبيون فهم كانوا تحت تهديد السلطة العثمانية ولا يمكنهم ان يظهروا على الملأ.
عندما انتهت الحرب العامية الاولى وسقطت السلطنة العثمانية ، دخل الجنود الفرنسيون إلى كيليكا فسارع الأرمن للخروج من مخابئهم التي كانوا فيها خلال فترة التهجير وعادوا الى بلادهم.
ولكن عندما اتفق الأتراك مع الفرنسيين عام 1921 م على أن ينسحب الفرنسيون من كيليكيا لقاء أن يوقف الأتراك دعمهم للثوار في سوريا، خاف الأرمن من التنكيل بهم فعادوا بهجرة جديدة من كيليكيا الى سوريا ومنهم من هاجر الى لبنان.
كان نصيب حلب من النازحين الأرمن عدد قدره بعض المؤرخون بحوالي ستون ألف نسمة وكان عدد سكان حلب الاجمالي عام 1921 م حوالي مئتي ألف نسمة فيكون سكان حلب قد زاد عددهم بما يعادل الربع من اللاجئين في ذلك العام.
بنى الأرمن عام 1922 م أول مخيماتهم في منطقة الرام الواقعة في المنطقة التي تسمى حالياً إشارات السليمانية الضوئية.
كانت أبنيتهم السكنية من الخشب وزاد عددها على الألف براكة سكنية من الخشب وصلت حتى منطقة الميدان وحي الفيلات الحالي ومناطق بستان الباشا.
يعد قسما كبيراً من أراضي منطقة الحميدية والسليمانية من أراضي وقف الحاج موسى أغا الأميري، سكن اللاجؤون الأرمن على مساحة تعادل حوالي سبع هكتارات من تلك المنطقة تعود جميعها لوقف الأميري، وتعهدت بلدية حلب بدفع بدل إيجار الأرض عن اللاجئين الأرمن لصالح الوقف.
استطاع هؤلاء اللاجؤون بناء مدارس بسيطة خاصة بهم وكنيسة صغيرة في منطقة البراكات بمحلة السليمانية أُطلق عليها كنيسة الصليب المقدس. استطاعوا العمل وانشاء ورشات حرفية بدائية وعرف عنهم الدقة والأمانة بالعمل.
يروي سكان المدينة عن الأرمن في حلب انهم كانوا يرفضون الحصول على الصدقة من مال وملابس وطعام ويصرون على الحصول على ذلك لقاء الأعمال التي يؤدونها.
اندمج الأرمن في حلب ضمن المجتمع الحلبي وباتوا يشكلون جزءاً رئيسياً من سكانها ، اشتهروا في مجال الأعمال الصناعية الدقيقة، استطاعوا بناء أحياء كاملة في المدينة بدلاً من براكاتهم الخشبية خلال زمن قياسي نسبياً.
الأرمن في حلب اليوم:
حلب وحتى قبل الأحداث الجارية في سوريا كانت تضم واحدة من أكبر الجاليات المسيحية في الشرق الأوسط، حلب وطن للكثير من المسيحيين الشرقيين، كان العدد 250.000 مسيحي قبل الأزمة وكانوا يشكلون 12% من مجموع السكان. عدد كبير من المسيحيين (غير الأرمن) يتحدثون الأرمنية وهم في أغلبهم من مسيحيي أورفا في تركيا.
وبلغة الأرقام لاتوجد إحصائية كاملة حول عدد السكان الأرمن في هذه المدينة اليوم. ولكن وفقا لتقديرات الطائفة قبل العام 2011 كان يعيش في حلب قرابة الـ 60.000 أرمني هم في أغلبهم أحفاد أولئك الذين قدموا إلى المدينة مطلع القرن الماضي.
الأرمن في حلب اليوم ينتمون معظمهم إلى الكنيسة الأرمنية الرسولية وبالمرتبة الثانية يأتي الأرمن الكاثوليك وثالثا الأرمن البروتستانت.
يسكن الأرمن في مختلف الأحياء في المدينة ولكن تجدهم بكثافة في أحياء مثل السليمانية، العزيزية، الميدان وغيرها، كما كان لهم حضور في الأحياء المسيحية القديمة مثل “الجديدة”.
بعض ما قدمه الأرمن في حلب:
ويعود الفضل للأرمن السوريين وخاصة الأرمن في حلب أنهم أول من أدخل إلى البلاد جهاز التصوير بأشعة رونتنغن (1897) والتصوير الضوئي (1880) وأول سيارة إلى حلب (1909) وأول جرار في منطقة تل السمن (1926) وأدخلوا لأول مرة مهن الخراطة وطرق اللحام المختلفة والبرشيم وصناعة بطاريات الآليات والسيارات وتصنيع وتصليح قطع السيارات والحصادات والجرارات الأضواء الكهربائية من الفانوس المضيء بغاز الكبريت، وصنعوا محركات الماء من الألمنيوم وأجهزة أطباء الأسنان والغلاف الخارجي لسيارات البيك آب وصناديق الشاحنات الكبيرة والقاطرات منذ وقت مبكر من ظهورها، وغيرها.
لدى الأرمن في حلب براءات اختراع عديدة مسجلة لدى الهيئات المختصة. وألف بعضهم كتب تعليم مهن الخراطة والفريزة واستخرجوا زيت الزيتون بآلات حديثة وأدخلوا إلى سورية مهن الزينكوغراف والنجارة الفنية وتصليح الألبسة البالية وأعمال الغبرة وصناعة السجاد والكي على البخار كما أنهم أول من افتتح مدجنة ومعملاً لتفقيس البيض (1927) وكانوا الوحيدين في الشرق الأوسط المختصين بصناعة أحذية كرة القدم.
وصلات أخرى:
– مقال الويكيبيديا عن الأرمن في حلب وسوريا.
– الأرمن في مدينة القامشلي السورية
خاص خبر أرمني