أخذت أوضاع الأرمن بالتدهور عندما بدأت الشعوب البلقانية نضالها التحرري ضد العثمانيين خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، الأمر الذي أدى إلى التدخل الأوروبي. وقد اسفرت ثورة البلقان عن نشوب حرب بين روسيا وتركيا في الأعوام 1877 و1878 وانتهت بانتصار الروس. وقد تضاءلت كثيرا جدوى معاهدة سان استيفانو التي كانت تنص على إجراء إصلاحات في أرمينيا (المادة 16) نتيجة إبرام معاهدة برلين التي نصت في المادة 61 منها على ما يلي:
((يتعهد الباب العالي، وبدون أي تأخير، بإدخال التحسينات والإصلاحات التي تستلزمها المتطلبات المحلية في المقاطعات التي يقطنها الأرمن، وضمان أمنهم تجاه الشراكس والأكراد. كما يتعين على الباب العالي من حين لآخر أن يحيط القوى الكبرى، التي ستقوم بالإشراف على تنفيذها، علما بأي أمر يتعلق بذلك)).
وهكذا دخلت القضية الأرمنية المعترك الدولي بشكل رسمي. ولم تنفذ تركيا الالتزامات التي تعهدت بها في المحافل الدولية، بل انتهزت فرصة التنافس بين القوى الكبرى وارتكبت مجازر 1894-1896 في المقاطعات الأرمنية بهدف حل القضية الأرمنية بطرقها الخاصة المتمثلة في إبادة الأرمن والتخلص منهم نهائيا. وقد أزهقت هذه المجازر حياة أكثر من 300 ألف أرمني.
وعقب هذه المجازر لجأ الأرمن إلى الدفاع عن أنفسهم من أجل المحافظة على حقوقهم الوطنية والإنسانية. ولم يكن الإستياء سائدا بين صفوف الأرمن والشعوب البلقانية فحسب، بل كان متفشيا كذلك بين الأتراك أنفسهم، الأمر الذي أدى إلى حدوث إنقلاب في العاشر من تموز عام 1908، اتخذت تركيا على أثره دستورا لها.
وساد الاعتقاد لدى الأرمن وفق بنود الدستور الجديد الذي منحهم مزيدا من الحريات نسبيا، أن الحكومة ستجري إصلاحات في المقاطعات الأرمنية. غير أن القضية الشرقية التي شغلت بال الكثيرين، ولا سيما الدول البلقانية، عادت لتطرح مرة أخرى على مائدة المفاوضات. وهاجمت القوات المشتركة البلغارية والرومانية واليونانية والصربية تركيا وألحقت بها هزيمة كبيرة، ووصلت هذه القوات حتى تشاطالجا التي تبعد 25 كيلومترا عن القسطنطينية وذلك عام 1913.
ونتيجة لذلك، اجتمع سفراء الدول الأوروبية في القسطنطينية وبوخاريست ولندن لبحث بنود السلام بين تركيا والدول البلقانية، وقد تمخض عن التسوية السلمية اعتراف الأتراك بخسارة بعض المناطق وضمها إلى اليونان وصربيا وبلغاريا.
وتابعت تركيا الدستورية الممثلة بحزب تركيا الفتاة سياسة السلطان. فم تجر أية إصلاحات ولم تمنح المقاطعات الأرمنية حكما لا مركزيا. وعندما وضعت الحرب البلقانية أوزارها طلب الأرمن عبر مختلف هيئاتهم الوطنية تسوية قضية منح المقاطعات الأرمنية استقلالها الذاتي، وتطبيق الإصلاحات التي كانت لا تزال معلقة منذ مؤتمر برلين بالإضافة إلى تسوية المشكلات البلقانية.
وفي 3 تموز 1913، وبمبادرة من السفارة الروسية، عقد اجتماع لسفراء الدول الأوروبية في المنتجع الصيفي للسفارة النمساوية-الهنغارية في القسطنطينية حيث قبلوا تقسيم المقاطعات الأرمنية السبع إلى قسمين بحيث يضم القسم الأول طرابزون، سيواس، خربوط (معمورة العزيز)، وديار بكر. أما القسم الثاني فيضم فان، أرضروم وأرزوروم وبتليس. وفي الثالث من أيلول من العام نفسه، توصل مؤتمر لندن إلى قرار يتألف من ست نقاط وهي:
- تقسيم المقاطعات الأرمنية إلى وحدتين إداريتين.
- تعيين مفتشين عامين بموافقة الدول الكبرى وبمرسوم من السلطان.
- تشكيل جمعية عامة لكل وحدة من الوحدتين الإداريتين حيث يتم تمثيل المسلمين والمسيحيين بقدر متساو.
- يُمنح المفتشان العامان سلطة تعيين وطرد الموظفين.
- تعيين ضباط الشرطة والمسؤولين الإداريين والقضائيين من بين المسيحيين والمسلمين بقدر متساو.
- تحتفظ الدول الكبرى لنفسها بحق مراقبة تنفيذ الإصلاحات عن طريق سفرائها وقناصلها.
وفي الثامن من شباط عام 1914 وقّعت كل من روسيا وتركيا على إتفاقية بهذا الشأن. وأدى ذلك إلى تعيين مفتشين هما (ويستيننك) من هولندا و(هوف) من النرويج.
هذا المقال من ضمن سلسلة “القضية الأرمنية”.. إضغط هنا لعرض جميع مقالاتها.