9937.jpg

داعش الأردوغانية.. والإبادة الجماعية الأرمنية

الابادة الجماعية الأرمنية في العام 1915 على ايدي الاتراك في زمن الدولة العثمانية، اخذت هذه السنة حيزا كبيرا على الصعيد الدولي، ربما لان الذكرى المئوية لهذه الابادة تصادف هذا العام، وربما لان بعض الشخصيات تناولتها بشكل جدي وفي مقدمتهم “بابا الفاتيكان” فرنسيس، الذي وصف ما حصل بحق الارمن بالابادة واعتبر الذين سقطوا شهداء.

مواقف البابا استفزت المسؤولين الاتراك الذي شنوا حملة تصريحات ضد البابا، رافضين كلامه حول الابادة وهم الذين يعتبرون ما جرى بالارمن مجرد احداث سقط خلالها ضحايا، في حين ترفض تركيا حتى الاعتذار لما ارتكب بحق الارمن، ما يزيد من السخط الارمني خصوصا والانساني بشكل عام على تركيا التي ترفض اعطاء الارمن حقهم ولو المعنوي بالاعتراف انهم قُتلوا ونُكل بهم، ولو في زمن العثمانيين، ما يدل على الرابط غير المحق واللاخلاقي بين تركيا الحاضرة وتلك الامبراطورية التي قامت على الدم والقتل والمجازر.
العثمانيون طالما ارتكبوا المجازر.. والحصة الاكبر كانت من نصيب الارمن

فالدولة العثمانية التي ارتكبت الكثير من المجازر لم يقتصر اجرامها فقط على الشعب الارمني، وإن كان النصيب الاكبر من الاجرام التركي قد اصاب الارمن، حيث سقط ما يقارب المليون ونصف المليون ارمني في هذه الابادة خلال وبعد الحرب العالمية الاولى، إلا ان العثمانيين طالما ارتكبوا المجازر في المناطق التي سيطروا عليها وإن كانت الفترة التي سبقت انهيار دولتهم خلال الحرب العالمية الاولى شهدت اجراما كبيرا وهدرا لكرامة البشر الانسانية.

وبلادنا في لبنان وسوريا وفلسطين وغيرها من الدول تشهد على الاجرام التركي، وكتب التاريخ ما زالت تسجل كيف ان المحتل التركي آنذاك اعدم المئات من الشبان اللبنانيين من مختلف المناطق اللبنانية دون تمييز بحسب الدين او المذهب، فقد أقيمت يومها المحاكم العرفية وعلقت المشانق لكثيرين دون وجه حق انما فقط تنفيذا لقرارات المجرم التركي واشباعا لرغباته في سفك الدماء وإزهاق الارواح البريئة.

ويلفت في هذا الاطار، الاداء التركي الرافض للاعتراف بما ارتكبته الدولة العثمانية وما تقوم به بعض الجماعات الارهابية في سوريا والعراق المدعومة بشكل او بآخر من “تركيا الاردوغانية” نفسها، فما هذا الرابط الاجرامي بين الطرفين؟ وماذا يعني ان تكون جهة او دولة مرتكبة لجرائم عبر التاريخ وتكون اليوم هي نفسها ترتكب جريمة التحريض والدعم والمساندة للجماعات الارهابية؟ أليس في الامر دلالات معينة على مسار اجرامي لم يتوقف منذ ايام الدولة العثمانية وحتى تركيا الحديثة؟ وهل من يرفض الاعتراف والاعتذار عن جرائم ارتكبت منذ مئات السنين سيعود ليعترف بجرائم يرتكبها او يشارك فيها اليوم؟ ولِمَ لا تكون تركيا التي تحاول تجميل صورتها اليوم هي احد منابع القتل والاجرام والارهاب الذي نراه اليوم؟

فبقدر ما على الارهاببين من مسؤولية، هناك مسؤولية على الدول الراعية والمربية والمؤسسة للقتل منذ مئات السنين، فهذه الدول ومنها تركيا بدعمها للارهاب تعمل اليوم على طريقة، “من شبَّ على شيء شاب عليه”، فتركيا التي تأسست وعاشت في الماضي على دماء الشعوب من العرب والمسلمين والارمن والاكراد وغيرهم ممن لا نعلم بهم، ها هي تمارس ما نشأت عليه من قتل وارهاب ضد السوريين والعراقيين وضد الايزيديين والاكراد ولو بالواسطة هذه المرة، كما يشكل رفضها الاعتراف بالابادة الارمنية امعانا اكثر في ظلم الشعب الارمني الذي قتل اجداده على ايدي العثمانيين.

وفي محاولة لمنع تكرار مشاهد القتل والجرائم ضد الانسانية لا بدّ من تأييد احياء ذكرى الابادة الارمنية لما تحمله هذه الذكرى من المعاني الانسانية الخالصة، فلا يمكن إنكارها لاي سبب من الاسباب لاننا بذلك نكون قد خالفنا الضمير والعقل والاخلاق والتعاليم السماوية، خاصة ان مجتمعاتنا عانت وما تزال من الارهاب الذي يمارسه العدو الاسرائيلي والعدو التكفيري، لذلك يجب السعي الدؤوب لوضع النقاط على الحروف في هذا الملف وجعل الجاني التركي يتحمل مسؤوليته التاريخية الكاملة عن افعاله وجرائمه.

بقلم: ذو الفقار ضاهر | لمحطة المنار

scroll to top