يقصد بالإعتداءات الإرهابية على البرلمان الأرمني عملية إطلاق النار التي تمت في داخل مبنى البرلمان في جمهورية أرمينيا يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول من العام 1999 والتي ادت إلى استشهاد مجموعة من خيرة النواب والساسة الأرمن ممن يقال أن لهم كانت الكلمة الفصل في الحياة السياسية والعسكرية في أرمينيا آنذاك وكان لهم أدوار مشرفة جدا وبطولية في الحرب الأرمنية الأذربيجانية وتحرير أرتساخ من الإحتلال، كما يقال أن هذه العملية الإرهابية جاءت بتخطيط مسبق من جهات معينة للقضاء على هؤلاء الرجال ممن كانوا قد وضعوا على عاتقهم مهمة نقل أرمينيا إلى مستويات أرقى بكثير مما هي عليه اليوم.
عملية إطلاق النار هذه داخل مبنى البرلمان الأرمني سنة 1999 ما تزال واحدة من أكثر الأحداث المثيرة للجدل في تاريخ أرمينيا المعاصر بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي بالأخذ بعين الاعتبار النتائج التي نجمت عنها والتي أدت إلى تغيرات كبيرة في المشهد السياسي في البلاد.
العملية بدأت بإقتحام مجموعة من الإرهابيين المسلحين المكونين من 5 أشخاص بقيادة نايري هونانيان وقاموا بإطلاق النيران بطريقة مدروسة (غير عشوائية) حيث استهدفوا شخصيات أريد أن تزال أسمائهم من الحياة السياسية لهذه الجمهورية الصغيرة التي لم تكن آنذاك مكملة عقدها الأول بعد الاستقلال ولكنها لطالما كانت صاحبة تطلعات كبيرة وأمال بمستقبل زاهر لكامل الأمة الأرمنية.
تفاصيل العملية:
في الـ 27 من أكتوبر/تشرين الأول من العام 1999 وتحديدا عند تمام الساعة 17:15 عصرا دخل 5 رجال بقيادة الصحفي الشاب نايري هونانيان حاملين بنادق كلاشينكوف إلى القاعة الرئيسية لبرلمان جمهورية أرمينيا المتواجدة على شارع باغراميان في العاصمة يريفان حيث كان أعضاء البرلمان ومجموعة من الوزراء بالإضافة لرئيس الوزراء آنذاك فازكين ساركيسيان يجرون جلسة استجواب روتينية.
المجموعة كانت تضم بالإضافة إلى الصحفي هونانيان كلا من أخاه كارين وعمه فرام بالإضافة لإثنثن آخرين. قام هؤلاء بإطلاق النار بطريقة غير عشوائية إذ وفقا لشهود عيان ممن كانوا حاضرين في تلك الجلسة فقد توجه أحد أفراد العصابة فورا إلى رئيس الوزراء فازكين ساركيسيان قائلا له: “كفاكم مصا لدماء الشعب”. فرد عليه ساركيسيان: “كل ما نقوم به هو لمستقبلكم ومستقبل أطفالكم”. ليتم بعدها فورا إطلاق النار عليه حيث تقول الصحفية آنا إسرائيليان التي هي الأخرى كانت حاضرة في تلك الجلسة أن الطلقة الأولى وجهت على فازكين ساركيسيان من على بعد متر أو مترين وأنه كان من المستحيل إنقاذ حياته حتى لو نقل فورا إلى المشفى.
بعد قتل فازكين ساركيسيان وكارين ديميرجيان طلب أفراد العصابة من أحد حاملي الكامرات وهو كاكيك ساراتيكيان التوجه إلى جثتي ساركيسيان وديميرجيان لتصويرهما ليبث عبر التلفاز فيما بعد وهي المشاهد ذاتها التي نجدها في الفيديو المرفق أعلاه.
في هذه الأثناء قامت العصابة الأرمنية بقتل 6 شخصيات أرمنية أخرى داخل البرلمان حيث يعتقد البعض أن البقية كان قتلهم غير مقصودا وأن الشخصيتان الأساسيتان اللتان لأجل تصفيتهما تمت هذه العملية كانا كارين ديميرجيان وفازكين ساركيسيان حيث أخرج جثة الأخير إلى الشارع في المساء في حين لم يسمح بإخراج جثة ديميرجيان إلا بعد حين.
المشهد في خارج مبنى البرلمان كان يغلي إلى درجة كبيرة، حشود من الناس الغاضبة مما يجري وفرق مكونة من مئات من العساكر والقوات المسلحة الأرمنية توجهت بأمر من رئيس جمهورية أرمينيا آنذاك روبيرت كوتشاريان لتحاوط مبنى البرلمان في حين سمح لسيارات الإسعاف بالدخول لباحة المبنى للإسراع في إتقاذ ما يمكن إنقاذه من المصابين الذين بلغ عددهم الـ 30 في حال سمح لهم بالخروج طبعا.
في هذه الأثناء أمرت العصابة المسلحة عبر مكبرات الصوت سلطات البلاد بتوجيه مروحية لتقلهم في حال رغبتهم بالمغادرة كما طلبوا تخصيص بث مباشر لبيان يرغبون تلاوته على الشعب عبر محطة أرمينيا العامة.
الرئيس روبيرت كوتشاريان ألقى كلمة متلفزة على الشعب ليطمئنهم مؤكدا أن الوضع تحت السيطرة بالرغم من الخسائر في أرواح بعض خيرة رجال الدولة في حين اسرع المتحدث باسمه السيد فاهيه كارابيديان لينعت الرجال المعتدون على البرلمان بالإرهابيين. بعد مفاوضات دامت لساعات طويلة مع كوتشاريان وافقت المجمعة الإرهابية على الإفراج عن الرهائن وقاموا في صباح اليوم التالي بتسليم أنفسهم بعد عملية دامت قرابة 18 ساعة. كوتشاريان تعهد بضمان سلامة أفراد العصابة كشرط مسبق لقبولهم إطلاق سراح الرهائن كما وعدهم بمحاكمة مستقلة في حين قامت القوات المسلحة بقطع الطرق المؤدية إلى العاصمة يريفان لأسباب أمنية.
في 28 أكتوبر/تشرين الأول 1999 أعلن كوتشاريان الحداد الرسمي في البلاد لمدة 3 أيام، وجرت جنازة مهيبة على المستويين الرسمي والشعبي للضحايا حضرها مسؤولون وساسة من أكثر من 30 دولة حول العالم كان بينهم رئيس الوزراء الروسي آنذاك فلاديمير بوتين والرئيس الجورجي آنذاك إدوارد شيفاردنادزه. أما على المستوى الديني فقد توجه كاثوليكوس الأرمن لبيت كيليكيا آرام الأول كيشيشيان لينضم لكاثوليكوس عموم الأرمن كاريكين الثاني في ترأس الصلاة على أرواح الضحايا الشهداء الذي بلغ عددهم الـ 8 وفيما يلي أسمائهم:
– فازكين ساركيسيان، رئيس الوزراء.
– كارين ديميرجيان، رئيس البرلمان.
– يوري باخشيان، نائب رئيس البرلمان.
– روبين ميرويان، نائب ثان لرئيس البرلمان.
– ليونارد بيدروسيان، وزير للشؤون المستعجلة.
– هينيرك آبراهاميان، عضو مجلس النواب.
– آرميناك آرميناكيان، عضو مجلس النواب.
– ميكائيل كوتانيان، عضو مجلس النواب.
ردود الفعل الدولية:
قامت العديد من دول العالم بإدانة الجريمة التي أرتكبت في قاعة برلمان جمهورية أرمينيا وكان من بين من استنكروا كل من:
– وزير خارجية استراليا آنذاك الكساندر داونر.
– الرئيس الفرنسي في حينه جاك شيرك الذي ارسل برقية تعزية إلى سفارة جمهورية أرمينيا في باريس التي استقبلت برقية مماثلة أيضا من رئيس الوزراء ليونيل جوسبان.
– نائب الرئيس الإيراني في حينه السيد حسن حبيب زار سفارة جمهورية أرمينيا في طهران مقدما التعازي.
– الرئيس الكازاخستاني في حينه نور سلطان نازاباييف أرسل برقية تعزية للرئيس كوتشاريان.
– الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسن هو الآخر أرسل برقية تعزية وطلب من السفير الروسي في يريفان نقل تعازيه الخاصة للجانب الأرمني معربا في برقيته عن “غضبه الشديد” مؤكدا أن ما حدث هو “الإرهاب بعينه” معربا عن إستعداد روسيا “للتعاون الوثيق مع جميع الأطراف لكشف ملابسات هذه الحادثة”.
– سوريا بدورها لم تكن غائبة عن الإدانة حيث أعرب رئيس مجلس الشعب السوري آنذاك عبد القادر قدورة عن إستنكاره لهذه العملية الإرهابية عبر برقية تعزية أرسلها للجانب الأرمني.
– أما تركيا فقد أعرب رئيس وزرائها آنذاك بولند آجاويد عن قلق بلاده من “الحادث المؤسف والمحزن الذي تعرضت له أرمينيا” متساءلا “هل يمكن أن يكون سبب ما حدث هو بوادر الحوار التي كانت تظهر في الأفق في تلك الفترة بين أرمينيا وأذربيجان”.
– المملكة المتحدة بدورها أدانت العملية على لسان وزير خارجيتها الذي صرح قائلا: “من الواضح أن ما تعرضت له أرمينيا تعتبر ضربة قاسية جدا لدولة نالت الاستقلال سنة 1991 وحاولت جاهدة بناء دولة ديموقراطية.”.
– أما الولايات المتحدة فقد اعربت على لسان رئيسها آنذاك السيد بيل كلنتون عن وقوف واشنطن إلى جانب أرمينيا في هذه المأساة واصفا ما حدث بـ “عمل لا معنى له”. أما مجلس النواب الأمريكي فكان لهم قرار تعاطف مع الشعب الأرمني صدر بالإجماع يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1999.