9478.jpg

من يحدد العلاقة بين تركيا وروسيا، الحرب أم الاقتصاد؟

انتقدت تركيا روسيا بشكل قوي بسبب العمليات الجوية الروسية في سوريا، وانتهاك مقاتلاتها الحربية للمجال الجوي التركي على الحدود مع سوريا لأكثر من مرة، حتى أن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أكد مؤخرا في تصريحات له أنه إذا خسرت روسيا صداقة تركيا، فعند ذلك ستخسر الكثير.

ولكن حتى مع هذه الانتقادات يرى الكثير من المتابعين للعلاقات التركية الروسية المتشابكة ، أنه لن يمكن لتركيا أن تتلفظ لروسيا بعبارة “One Minute” دقيقة واحدة”، التي رددها أردوغان تسع مرات متتالية في 30 يناير 2009 عندما قاطع منسق جلسة عقدت على هامش منتدى “دافوس” الاقتصادي في سويسرا، ليرد على كلمة دافع فيها الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز عن الحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، ثم انسحب من المؤتمر، وتحولت لاحقا هاتان الكلمتان إلى شعار مهرجان ضخم نظمه “التجمع التركي للسلام العالمي” بأحد ميادين اسطنبول، وهلل له العالم العربي وقتها.

لن يستطيع أردوغان ترديد هذه العبارة لروسيا مثلما رددها لإسرائيل لأن تركيا مرتبطة تماما الارتباط بروسيا، وهناك علاقات حاسمة بين البلدين في كثير من المجالات، وخاصة في حلبتي العلاقات السياسية والاقتصادية، بل يمكن القول إن تركيا لن تستطيع تحمل تكلفة فاتورة تحدي روسيا لعدة أسباب.

ويأتي على رأس هذه الأسباب أن تركيا بلد فقير من حيث احتياطي الغاز الطبيعي، وهو ما يدفعها لاستيراد الغاز لسد احتياجاتها، وأغلب وارداتها من الغاز من روسيا، حيث يغطي الغاز الروسي نسبة 43.5% من احتياجات تركيا من الغاز، وبذلك تأتي روسيا على قمة الدول التي تستورد منها تركيا الغاز الطبيعي، ثم تليها إيران، حليفة روسيا، التي تغطي 22.8% من احتياجات تركيا من الغاز، ثم أخيرا تأتي آذربيجان، الدولة المقربة من تركيا، لتغطي 14% فقط، حيث تمر تركيا كل عام بموسم شتاء قارص وتتكرر الأزمة بينها وبين روسيا حول تدفق كميات الغاز الطبيعي.

ومن جانب آخر، فقد وقعت تركيا وروسيا على اتفاقية بناء محطة “آككويو” النووية في مدينة “ميرسين” المطلة على البحر المتوسط بجنوبي تركيا، وهي صفقة مهمة للغاية لتركيا، ومن المتوقع أن تصل قيمتها الإجمالية إلى 20 مليار دولار.

وأيضا على موجة العلاقات الاقتصادية القوية بين تركيا وروسيا، هناك واقع مؤداه أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يصل إلى 30 مليار دولار، ويشغل الغاز الروسي من هذا التبادل حيزا مهما بصورة جدية، كما أن السياحة والصناعات التشييدية والفواكه والخضروات التركية الطازجة تتمتع بمكانة مهمة في الأسواق الروسية.

أما على الجانب السياسي، فتلعب ورقة الأرمن دورا مهما في مسار العلاقات “التركية – الروسية”، حيث شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في احتفالات الذكرى المئوية الأولى للإبادة الجماعية الأرمنية في أبريل/نيسان الماضي في العاصمة الأرمنية يريفان. وعلى الرغم من الإدانات المتشنجة من جانب الخارجية التركية لمشاركة بوتين في هذه الفعاليات إلا أن دميتري بيسكوف السكرتير الصحفى للرئيس الروسي رد بشكل قوي وحاسم حيث أكد أن “الكرملين” لا يرى فى مشاركة الرئيس الروسى مبررا لوجود رد فعل سلبي من جانب تركيا، موضحا أن أرمينيا شريك مهم لروسيا وعضو فى الاتحاد الاقتصادى الأوراسى، مذكرا بأن عددا كبيرا من الأرمن يعيشون فى الأراضى الروسية، وأن جذورا تاريخية عميقة تربط بين موسكو ويريفان.

وكان البرلمان الروسي قد تبنى في عام 1995 إعلانا انضم بموجبه رسميا إلى قائمة الدول المعترفة بالإبادة الجماعية الأرمنية التي وقعت خلال الفترة من عام 1915 حتى 1923، وعقد جلسة خاصة يتخذ فيها قرارا باعتبار 24 إبريل يوما رسميا لإحياء هذه الذكرى الأليمية بشكل سنوي، مشيدا بالقرار الأخير الذي صدر مؤخرا عن البرلمان الأوروبي الذي يطالب دول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية.

scroll to top