سنة 1988 واجهت جمهورية أرمينيا (السوفيتية آنذاك) مأساة كبيرة بتعرضها لزلزال هائل أزال تسعون بالمائة من معالم أهم مدنها.
زلزال سبيداك (يطلق عليه أيضا تسمية: زلزال لينيناكان أو زلزال كيوميري)، وهي هزة أرضية بلغت شدتها 6.9 درجات ضربت منطقة سبيداك في أرمينيا السوفيتية في تمام الساعة 11:41 دقيقة بالتوقيت المحلي من صبيحة يوم الـ 7 من ديسمبر/كانون الأول سنة 1988.
فقد ضرب الزلزال مدينتي لينيناكان (كومري الآن) وسبيداك مسببة خسائر هائلة في الأرواح، فقد أعلنت التقارير السوفيتية أن عدد الضحايا بلغ 25,000 شخص بينما رفعت التخمينات الأمريكية الرقم لـ 100,000 شخص، إضافة لتشريد مئات الآلاف في وقت تراكمت فيه آلاف التوابيت في ملعب سبيداك.
العديد من الجيولوجيون والمهندسون إضافة إلى خبراء في مجال الزلازل يعزون سبب الأضرار الكبيرة التي الحقها هذا الزلزال إلى نوعية الأبنية التي تم تشيدها في مدينة سبيداك فترة الركود التي عانتها جمهوريات الإتحاد السوفيتي بشكل عام.
عملية إنقاذ هائلة قام بها العديد من سكان المدينة ممن كتب لهم النجاة من الكارثة محاولين إنقاذ من لهم من تحت أنقاض المباني التي سويت بالأرض. زلزال سنة 1988 أجبرت جمهورية أرمينيا على طلب المساعدة الدولية للمرة الأولى في تاريخها. الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف قام بزيارة رسمية لموقع ا ل.
جاء الزلزال في سنة مليئة بالاضطرابات السياسية ففي فبراير / شباط 1988 تفشى العنف في جنوب القوقاز وبالتحديد بين جمهوريتي أرمينيا وأذربيجان بعد أن رفضت الأخيرة عودة ناغورني كاراباخ للسيطرة الأرمنية، وفي سبتمبر / أيلول 1988 ظهرت الدبابات في شوارع العاصمة يريفان معلنة حالة الطوارئ في البلاد. ثم اهتزت الأرض في أرمينيا رافعة بذلك من حجم المآسي أضعاف مضاعفة، وهذا ما يبدو واضحا في كلمات امرأة أرمنية مسنة: “مات لي هذا العام 12 شخصاً منهم أحفادي وأولادي. كلهم ماتوا هنا بسبب الزلزال، كما قتل 49 شخصاً من المقربين لي بسبب الحر”.
ومن الحوادث التي اثارت مزيدا من الذعر بين الناس كان تحطم طائرتين إحداهما سوفيتية كانت تقل على متنها 78 عامل إغاثة والأخرى يوغوسلافية كانت تنقل المساعدات إلى المنطقة المنكوبة.
البنى التحتية في المدينة كالمشافي والمدارس هي الأخرى لم تسلم من هول الكارثة ما أدى إلى فقدان 25000 شخص حياتهم نتيجة للزلزال المدمر. ويقول بعض المتابعين أن الزلزال لو كان قد تأخر فقط 5 دقائق لكان العديد من الأطفال على قيد الحياة دون تعرضهم لأي أذى لأنهم كانوا سيكونون خارج أبنيتهم المدرسية.
الزلزال تبعه زلزال آخر بعد 4 دقائق بقوة 5.8 درجات هذه المرة.
ما زاد الطين بلة كان المشافي ومراكز الرعاية الصحية في منطقة الزلزال والتي تعرضت جميعها للدمار إضافة إلى درجات الحرارة المتدنية جدا في مثل هذا الوقت من فصل الشتاء في أرمينيا ما وضع المسؤولين الأرمن والسوفيت في حيرة من أمرهم تجاه الفاجعة التي حلت بالبلاد والتي دفعت الرئيس السوفيتي آنذاك ميخائيل كورباتشوف إلى قطع زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة والعودة سريعا إلى أرمينيا لتفقد المناطق المتضررة.
المساعدات الدولية
على الرغم من التوترات التي كانت سائدة بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بسبب الحرب الباردة إلا ان زلزال أرمينيا دفع برئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك ميخائيل كورباتشوف إلى طلب المساعدة رسميا من واشنطن بعد بضعة أيام من الهزة وهو ما لم يقدم عليه الإتحاد منذ الحرب العالمية الثانية.
المساعدات الإنسانية انهالت على أرمينيا من 111 دولة كبلجيكا، تشيلي، الصين، فرنسا، فنلندا، بريطانيا العظمى، إسرائيل، إيطاليا، اليابان، النرويج، جنوب أفريقيا، كوريا الجنوبية، السويد، سويسرا، الولايات المتحدة، ألمانيا الغربية ويوغوسلافيا.. جميع هذه الدول وغيرها أرسلت مساعدات بكميات كبيرة. هذه المساعدات تضمنت أجهزة إنقاذ وفرق بحث وإمدادات طبية.
المساعدات الدولية بما في ذلك ما قدمه أرمن الشتات من حول العالم ساهمت بشكل كبير في إعادة بناء المناطق المتضررة حيث تم إعادة بناء مدينة سبيداك كاملا بالقرب من المنطقة القديمة للمدينة المنكوبة. في هذه الأثناء تم أيضا بناء نصب تذكاري تخليدا لضحايا الزلزال في العاصمة الأمريكية واشنطن سنة 1990.
موقع الزلزال وآثاره:
المنطقة التي تعرضت للكارثة تعتبر من المناطق النشطة زلزاليا والتي تمتد من تركيا وصولا إلى بحر العرب. الزلزال حدث تحت مدينة سبيداك وهذه إحدى أسباب الدمار الشامل الذي لحق بالمدينة.
وقعت الهزتان على بعد 32 كيلومتر من مدينة لينيناكان و9 كيلومترات من سبيداك. سجل مركز الهزة في القرية الجبلية المسماة “شيروغاموود” والمعروفة باسمها القديم “نالباند” وهي تقع على الطريق بين لينيناكان وسبيداك. وتحديداً، نقلت وسائل الإعلام على لسان رئيس بلدية القرية قوله أن مركز الزلزال كان في محطة القطار.
نتائج الكارثة:
الزلزال تسبب بخسائر مادية قرت بـ 3.5 مليار دولار حيث كانت مدينة سبيداك تعرضت لخراب كامل ومدن قريبة بدورها تعرضت للخراب في بعض أجزائها كمدينة كيومري (لينيناكان في الفترة السوفيتية) وفاناتزور (كيروفاكان في الفترة السوفيتية) إضافة إلى العديد من القرى القريبة التي بدورها لم تسلم من آثار الفاجعة. وفور الزلزال أمرت السلطات بإغلاق محطات الطاقة النووية الأرمنية في منطقة ميتزامور حتى إشعار آخر تحسبا لأي أضرار قد تنجم كنتيجة للزلزال.
على الرغم من القوة المتوسطة للزلزال إلا أن درجات الحرارة المتدنية في شتاء أرمينيا القارص والأبنية الضعيفة كما أسلفنا أدت إلى العديد من الخسائر في الأرواح والتي وصلت إلى 25000 شخص إضافة إلى تشريد 500,000 شخص.
دمر الزلزال حوالي 5100 مبنى في البلدة الكبيرة سبيداك أي مجمل المباني فيها. قتل الزلزال حوالي أربعة ألاف من قاطني سبيداك البالغ عددهم 18500 نسمة، أي أكثر من 20 % من السكان.
شرد الزلزال حوالي مئة ألف عائلة أي نصف مليون نسمة، أصبحوا جميعاً دون مأوى في غضون ثوان معدودة.
في العام 2000، أي بعد 12 عاما من الزلزال، كانت لا تزال هناك 26,000 عائلة ممن يعيشون في الملاجئ المؤقتة وفقا لتقارير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
_