7753.jpg

أرمينيا.. سياحة في التاريخ والطبيعة

جاء فصل الصيف وبدأ كثر يتساءلون عن الوجهة السياحيّة التي سيختارونها، ومن طباع العرب بشكل عام اختيار بلدان السياحة التقليدية مثل إيطاليا وفرنسا ولندن وتركيا وسواها من البلدان المدرجة منذ أعوام على خريطة السياحة العالمية.

قلّة تشذّ عن القاعدة، فتختار بلدانا لم يروّج لها الإعلام العالمي لأسباب لا مجال للخوض فيها. في أرمينيا مثلا، البلد الأصلي للأرمن في العالم تكتشف كنوزا إنسانية ودينية وجمالا طبيعيا وأماكن لا تتخيّل أن تعثر عليها في بلد محاصر من دولتين هما تركيا وآذربيجان ولا متنفّس له على البحر ويعاني من صعوبات إقتصادية جمّة أبرز مظاهرها أنّ الحدّ الأدنى للأجور لا يتجاوز الـ120 دولار شهريّا.

لكنّ ما يلفت زائر أرمينيا هو توأمة هذا البلد للحضارتين الشرقيّة والغربيّة في آن واحد: فهو يقع على تقاطع الجمهوريات السوفياتية السابقة المفتوحة على أوروبا وقد كانت أرمينيا واحدة منها، وبين إيران المنفتحة على الشرق الأقصى. هذا الموقع الإستراتيجي جعل من أرمينيا منطلقا لـ”طريق الحرير” التجارية حيث كان تجّارها ينقلون البضائع من الصين الى الإمبراطوريات المتناحرة وخصوصا روما وإيران.

وأرمينيا هي أول بلد إعتنق الدين المسيحي وهي كنز مخفي من الأديار والكنائس الأثرية الرائعة الجمال والتي تكتنفها طبيعة هي الأروع ومن غابات ووديان تحوي كهوفا قديمة وتسكنها النسور.

ولأرمنيا خصائص مميزة: ففيها أطول تلفريك في العالم بحسب كتاب غينس هو “داتيف” الذي يبلغ طوله 5750 متر وتستغرق الرحلة فيه 12 دقيقة ليصل السائح الى دير “داتيف” الأثري الذي يعود الى القرن التاسع وهو يعتبر تحفة فنية هندسيّة .

وفي أرمينيا مدرسة “ديليجان” الثانوية الدولية التي ترتادها نخبة الطلبة من 68 بلدا، وقد خصصت المدرسة التي تعتبر جمعية “آيديا” أحد مؤسسيها منحا بإسم “أمل جورج كلوني” للطلاب العرب من مصر والأردن ولبنان وسوريا تمتدّ على مدى 8 أعوام وهي عربون شكر لهذه البلدان التي التجأ إليها الأرمن المضطهدين من قبل العثمانيين في القرن الماضي والتي منحتهم فرصة ثانية للحياة بعد أن كان ثمّة من يريد إبادتهم عن بكرة أبيهم كما يقول رئيس الجمعية روبن فاردايان وهو من كبار رجال الأعمال الأرمن الذي كرّس مشاريعه كلها لخدمة الشعب الأرمني الذي قتل منه مليون ونصف نسمة، وليس المتحف الذي يروي مآسي المجازر الأرمنية في يريفان إلا خير برهان على ذلك.

فاردايان الذي يرفض قطعا تحميل مسؤولية المجازر التي تعرّض لها شعبه للمسلمين، يجاهر أمام مجموعة من الصحافيين اللبنانيين بأنّه يوجد 6 مساهمين مسلمين في مشاريع “آيديا” وبرنامج “مئة حياة” المتفرّع عنها والذي ينظّم أنشطة دولية بمناسبة مرور 20 عاما على المجازر الأرمنية.

كنور كثيرة تحويها أرمينيا: مشروبات طبيعية، خضار لذيذة وطازجة بطعم الأرض الخصبة والمناخ الأرمني الجاف، مطبخ متنوّع يحاكي المطابخ اللبنانية والتركية والإيرانية وسواها، وشعب مناضل نفض عنه غبار الموت لينطلق قدما مصارعا أعداءه بإصرار قلّ نظيره من دون أن يؤذي أحدا أو يلطّخ أيديه بدماء الآخرين انتقاما للظلم الذي لحق به، إنكبّ على تطوير بلده وصناعاته وصدّر للعالم شعبا يبني ويطوّر أينما حلّ ولعلّ الأرمن اللبنانيين هم خير شاهد على ذلك، شعب مهما ابتعد عن أرمينيا يبقى “جبل آرارات” قبلته الوحيدة.

بقلم: مارلين خليفة

scroll to top