7619.jpg

يريفان، جمال الطبيعة وبخور القداسة.. بقلم: مارلين خليفة

«قمر يريفان»، أوّل ما يستقبلك في مساءات العاصمة الأرمنية التي يعود تأسيسها إلى العام 870 قبل الميلاد. تتميَّز يريفان بالهدوء والتنظيم المدني الرائع، فضلاً عن الطبيعة الخلابة التي ترافق السائح في أنحاء أرمينيا كلّها.

قلّة تدرك أنّ هذا البلد الواقع بين إيران وتركيا وأذربيجان وجورجيا في بلاد القوقاز، والذي يحمل نصف شعبه ندوب مجازر وحروب، ويعيش أكثر من سبعة ملايين نسمة منهم في الشتات، هو بلد سياحيّ من الطراز الأول، أقلّه هذا ما يكتشفه زائر أرمينيا للمرّة الأولى.

فالبلد الذي لا كثافة سكانية كبرى فيه، إذ لا يتجاوز عدد سكان عاصمته يريفان المليون نسمة – من أصل ثلاثة ملايين و700 ألف تقريباً – يتميَّز بالخضرة الغزيرة وبعدد كبير من الأديرة والكنائس القديمة جدّاً.

هو بلد النبيذ الفاخر والحجارة المختلفة الأشكال والألوان، والأهم أنَّه بلد المسيحية بامتياز. فأرمينيا هي أوَّل بلد اعتنق المسيحية منذ العام 301، لذلك تعتبر قبلة سياحية دينية من الطراز الأول.

وتمتلئ البلاد بالمتاحف والمخطوطات ومحطَّات التزلّج المتطورة لجميع الفئات العمرية، بالإضافة إلى المدارس العالمية كما مدرسة ديليجان، وبالمطاعم والمقاهي التي تقدّم الأطباق الأرمنية اللذيذة.

في أرمينيا تكثر السياحة الدينية، حيث توجد أكثر من 20 كنيسة في العاصمة، فيما تتوزع أضعاف تلك الكنائس، التي يعود بعضها إلى القرن الثاني عشر، في بقية المناطق.
يطلق الأرمن على بلدهم تسمية هاياستان، أمَّا أرمينيا فهي تسمية أطلقها الفرس تيمناً ببعض القبائل المسمّاة «أرمان».

غريبة هذه البلاد بكلّ شيء. حتى الأرمن اللبنانيون الذين يزورونها يكتشفون الجديد في جذورهم: لغة هؤلاء مختلفة عن أرمن أرمينيا المرتبطة لغاية اليوم بروسيا، في حين أنَّ أرمن لبنان الذين تعرَّضوا للقتل والمجازر الجماعية، عاشوا في كيليكيا وتركيا، وبالتالي ثمّة فارق بينهم كأرمن أكثر ارتباطاً بالغرب منهم بالشرق.

متحف الماديناتاران
في متحف «ماتيناداران»، الذي تأسس العام 1957، توجد أقدم الأناجيل والمخطوطات في اللغة الأرمنية القديمة. مخطوطات طبعت على جلد الحيوانات، ومنها إنجيل – هو الأقدم – يعود إلى القرن الثامن، وليس معروضاً للجمهور.

يؤدي أيّ رئيس أرمني جديد القسم على هذا الانجيل في احتفال رسمي خاص. وتتميز صور المخطوطات بأنّها لوحات حقيقية رسمها كبار الرسامين من مختلف المدارس الفنيّة وبألوان الطبيعة، وبعضها مطعّم بالذهب الخالص. وبين موجودات المتحف، خرائط قديمة تمثل «طريق الحرير» من الصين والهند وصولاً إلى العراق وسوريا.

في شوارع يريفان الواسعة، تكتشف قصصاً وأساطير وتماثيل، منها تمثال لأحد رسَّامي أرمينيا الكبار نحته رودان وقدمه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إلى الشعب الأرمني.

في شارع الجمهورية حيث مقر الحكومة الأرمنية ووزارة الخارجية ومتحف التاريخ القديم، تكتشف أنَّ الأرمن أطلقوا تسمية «بيروت» على أحد شوارع عاصمتهم، نظراً إلى الروابط المتينة التي تربط الشعبين اللبناني والأرمني، و «لأننا نحبّ لبنان واللبنانيين»، كما يقول دليلنا ستيبان.

يسعى الأرمن إلى التعريف بالكنوز السياحية لبلدهم ومنها محطّة التزلج في ديليجان التي تشمل مساحات شاسعة مجهزة بأحدث التجهيزات. وكان الرياضيون الروس يقصدونها للتمرّن لشدّة تعقيد جغرافيتها.

ديليجان
في ديليجان حقول شاسعة من الزهور ولوحات طبيعية خلابة، وثمة قصّة لكل هذا الجمال الطبيعي يخبرنا إيَّاها الدليل في طريقنا الى دير هاغاردزين الأثري. إنَّها قصة الإلهة أزيكس التي حوّلت المنطقة إلى مرتع للزهور بعدما هربت من أحد الآلهة الذي حاول اختطافها بعد رؤيتها وهي تستحمّ في النهر، فاستجارت بإلهة الحكمة التي أغشت عيونه بالزهور والغيوم.

تتميز مدينة ديليجان أيضاً بمدرسة ثانوية دولية رفيعة المستوى، وهي من بين 15 مدرسة في العالم يدرس تلامذتها البكالوريا الدولية لمدة عامين.

يقصد المدرسة، التي تأسست العام الماضي، طلَّاب من أكثر من 68 بلداً. وضمَّت في الدفعة الأولى من تلاميذها ثلاثة لبنانيين وطالبين اثنين من مصر وفلسطين. وقررت المدرسة هذه السنة تخصيص منحة جديدة باسم أمل جورج كلوني، تمتد على ثماني سنوات، ويستفيد منها 100 طالب عربي. هذه المبادرة قامت بها جمعية «100» التي تأسست تحت مظلّة جمعية «أيديا» العالمية والتي تنظم أنشطة دولية في أنحاء العالم كلّه.

دير هاغاردزين
بعد المدرسة نعود إلى أجواء السياحة الدينية ودير هاغاردزين التاريخي الرائع. هنالك تكتشف أنَّ من رمّم الدير العام 2011، هو حاكم إمارة الشارقة الشيخ سلطان بن محمّد القاسمي في عهد كاثوليكوس الأرمن كاريكين الثاني، ويعود الدير الذي بني بعد تحرير المنطقة من الأتراك، إلى القرن الثالث عشر. يقصده كثر للصلاة والتبرك من شجرة يتردَّد أنَّ من يمرّ بين جذوعها تتحقق آماله. لكنّ الشجرة صارت اليوم متفحمة لأن أحد الفلاحين قرر العام 2010 أن يضيء شمعة بين غصونها فأحرقها، لكنّها لا تزال مقصداً للكثيرين ممَّن لديهم أمنيات عزيزة.

بقلم: مارلين خليفة | نقلا عن صحيفة السفير اللبنانية

scroll to top