5568.jpg

ظلّ الله على الأرض.. بقلم آرا سوفاليان

إن مجرد التفكير بهذه التسمية “ظلّ الله على الأرض” يبعث على الرهبة والخوف والخشوع من قبل الجهلاء أما بالنسبة للمتنورين في أقل المستويات فهو يبعث على الإقياء! حيث يفهم من هذه التسمية أن الله جلّ جلاله يقف على كوكب آخر يفصل بين كوكبنا الأرض وأمنا الشمس، يقف وخلفه الشمس وأمامه الأرض فتكون الشمس في ظهره، ويرتسم ظله على الأرض.

صاحب هذا اللقب التأليهي هو السلطان عبد الحميد الثاني آخر خلفاء بني عثمان، وألف جدّ لا يجمع بين عثمان وهؤلاء الوحوش الذين جاؤوا وقبلهم أجدادهم من هضبة منغوليا
وعددهم يفوق عدد الجراد في غزواته، قضوا على الحضارة العربية والأرمنية والبيزنطية الرومية وأحرقوا مكتبة بغداد ورموا كتبها في دجلة والفرات فتسببوا بتأخير الانسانية ألف سنة…لأن مكتبة بغداد كانت تحوي كتب الطب المتعلقة بأشهر الأطباء العرب والسريان واليونان والارمن…وكذلك كتب الرياضيات الهندسة والجبر والحساب وكتب التاريخ والعلوم والتشريح والفلك والنجوم والفيزياء والكيمياء…هل بالامكان تصوّر نتائج التأخر العالمي لمدة الف عام …هذا كان سيؤدي لو انه لم يحدث للعثور مثلاً على دواء للسرطان…في العصور الوسطى كانت مملكة فرنسا تحارب الكوليرا بالمدافع لتعقيم الجوّ واليوم رأس مال الكوليرا القليل من المضادات حيوية والقليل من السيروم.
الديكتاتورية مصطلح معروف وكل ديكتاتور واقع لا محالة في أزمة هي

تبرير وجوده الغير شرعي في السلطة ولهذا التبرير مستلزمات وهي:

1 ـ خلق عدوّ وهمي، ولا يهمّ من هو هذا العدو، حتى ولو كان من أبناء شعبه
2 ـ اشغال الناس في محاربة هذا العدو، والاستفادة من ذلك في تعطيل الحريات والبرلمانات
3 ـ خلق بطانة من المنتفعين والمؤيدين، وحمايتهم وتبرير أفعالهم بتفعيل قانون الطوارئ
4 ـ تسخير هذه البطانة في حماية الديكتاتور وعرشه
5 ـ توفير مطارح المغانم والمكتسبات والعوائد التي تغطي مادياً خدمات هؤلاء بمعزل عن مال الدولة
6 ـ خلق الحجة والمبرر لإفتعال الشرارة الأولى وبدء الحرب وتنشيطها لتتحول الى حرب ابادة

ومن أجل كل ذلك وقع الخيار على الشعب الأرمني الأعزل أو ما يعرف بسكان أرمينيا الأصليين، وتم إضرام نار الحقد والطائفية والدين وتم تفعيل ايديولوجية الكفر والكفّار، والكفّار أعداء الله، وتم تسليط الكتائب الحميدية وعصابات الأكراد على أهل زيتون وصاصون، ليعيثوا في الأرض خراباً ويحوّلوا المدينتين الى أرض محروقة.

قاوم أهل صاصون مقاومة مذهله ومعهم أهل زيتون ولكن العين لا تقاوم المخرز وكانت النتيجة إبادة معظم أهل المدينتين ففي حين كانت مدينة صاصون الجبلية تحوي 300 ألف ارمني قبل العام 1896 فهي اليوم وبعد قرن من الزمان لا تتحوي إلاّ على 9000 تسعة آلاف ساكن ليس فيهم أرمني واحد.

السلطان عبد الحميد كان يحبس الارمن في الكنائس في صاصون وزيتون ويغلق المداخل والنوافذ بالقش ويريق الزفت والنفط على القش ويشعل فيه النار فيموت المختبؤن في الكنائس ومعظمهم من النساء والشيوخ والأطفال لقد أحبّ هذا الديكتاتور ان تكون تركيا خالية من الأرمن كما تفعل اسرائيل اليوم مع الفلسطينيين ( مع ان المفاهيم بعد الاحتلال التركي لأرمينيا قد انقلبت ليقال (تركيا خالية من الأرمن بدلاً من أرمينيا خالية من الأتراك) وقد تابع الاتحاديون طريق عبد الحميد المجرم.

آخر الخلفاء المسلمين! ( دعابة سمجة للغاية) ماذا نسمّي انسان يأمر بحرق 300 الف انسان معظمهم من النساء والاطفال …هل كانت تعني له هذه الآية أي شيء وهو خليفة المسلمين ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)

المسلم هو من اسلم وجهه لله تعالى فهل أسلم عبد الحميد وجهه لغير الشيطان…نساء وأطفال قضوا اختاقاً لا يعرفون أي ذنب ارتكبوا…كان وحشاً ضارياً لا يتميز عن آل صهيون في شيء…كان مبتغاه طرد اصحاب الارض الاصليين وتشريدهم وابادتهم…فهذه الأرض ارض الارمن التاريخية لأنه وفي الكتب الاسلامية ورد ما يلي: في الشرق بلاد فارس وفي الغرب بلاد الروم وما بينهما أرمينستان أو بلاد الأرمن… وكان الاتراك وقتذاك في بلادهم منغوليا يرعون الماشية ويربّون الخيول… مملكة أرمينيا وبلاد الأرمن وقد ورد هذا الاسم في الكتب الأسلامية آلاف المرات، هذا ما كتبه العرب في توصيف بلادنا في كل كتبهم وعلى اختلاف أهوائهم ومشاربهم.

إحتلّ العرب آرمينستان ولم يعرف العالم فاتحين أرحم من العرب والعرب مسلمين ولكن ليس كل المسلمين عرب

المسلم هو من يقول لعمرو بن العاص لو جاءك سارق فماذا تفعل به، فيجيب ابن العاص أقطع يده…فيقول له الفاروق رضي الله عنه وإن جاءني جائع من مصر قطعت يدك.
وهذا ما دأب عليه الخلفاء في التعامل مع الشعوب الواقعة تحت الاحتلال العربي الذي كان رحيماً دوماً…فكيف يكون هذا الغرّ آخر خلفاء المسلمين وهو لا يرقى الى مستوى نعالهم.

المسلم هو سراقة بن عمرو وعياض بن غنم وكلاهما من قادة الثغور وقد عقد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لواء فتح أرمينيا للأول ويخلفه الثاني…فوصلوا ولقيوا الأرمن نصارى وقابلوا الملك وخيروه بين الاسلام أو الجزية أو الحرب سجالاً فقال لهم:

بالنسبة لدخول الاسلام: فنحن نصارى وديننا لا يختلف عن دينكم في شيء غير مسألة الصلب وفي ديننا شهدت مريم الصلب وتحدثت مع ابنها وشهد الحواريون الصلب واستمعوا لوصية معلمهم…والقرآن ينفي حادثة الصلب وحادثة الصلب حدثت منذ ستمائة عام فهل عاش كل المسيحيون الذين كانوا قبلنا على ضلال ولماذا يأتي هذا الاثبات بعد ستمئة سنة؟، هذا الاثبات يُلزمكم انتم، لأنه كتابكم، ولا يُلزمنا نحن، لأن لنا كتابنا، وإن كان يلزمنا فهذا يناقض مقوله (لا إكراه في الدين) ونحن لا نجد غضاضة في مسألة الصلب فلقد أذاق اليهود كافة الانبياء كل انواع العذاب وقتلوا بعضهم وحاولوا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ورموا في طريقه أمعاء الخروف وأشياء أخرى…ونجحوا في صلب المسيح وقتله ولكن الله أحياه ورفعه الى السماء.

أما بالنسبة للجزية: فتعالوا نفتح لكم خزائننا…انظروا إنها خالية خاوية…وعندما سألوه عن السبب قال: حرب مع الروم ثم حرب مع الفرس أضاعتا كل مالنا الذي لم يبق منه شيءأما بالنسبة للحرب سجالاً: فسوف أحشد لكم جندنا لتحكموا بأنفسكم…وأمر الملك بحشد الجند وخرج الفاتحون لاستعراض الجند فكان كله من النساء…فسألوا الملك أين ذهب جندك؟؟؟ فأجاب: حرب مع الروم ثم حرب مع الفرس أضاعتا كل جندنا الذي لم يبق منه شيء.

قالوا له: العرب لا تحارب النساء.

وأشار الفاتحون على الملك أن يوفد مندوباً لمقابلة الخليفة عمر ابن الخطاب الذي خرج في زيارة للقدس…فأوفد الملك البطريك ابراهام الأرمني وشرح المسألة للخليفة فقال له: ادفعوا الجزية قدر تشاؤون…فأخرج البطريك ابراهام خاتم ذهبي وقال للفاروق هذا ما نملك…فأخذ الفاروق الخاتم وقال: قد قبلت…ضمّوا هذا لبيت مال المسلمين.

أما عبد الحميد المعتوه فهو اول من دق المسمار في نعش العروبة وقسم ظهرها نتيجة فتحه الباب على مصراعيه أمام هجرة اليهود واستعمارهم لفلسطين، وتبدأ قصة فلسطين والاستيطان الصهوني:

وتنادى الصهاينة لعقد المؤتمر الصهيوني الأول Zionist Congress في أغسطس آب من العام 1898 في بازل في سويسرا برئاسة هرتزل الذي كان مستاءً بسبب عدم التجاوب من قبل أثرياء العالم من اليهود.

وتم في المؤتمر وضع الخطوط العريضة وهي البحث عن وطن قومي لليهود وظهرت فكرة أرض الميعاد والوعد الإلهي، وتمت المباشرة بطلب ترتيب لقاء بالسلطان عبد الحميد، وتولى جاويد باشا ترتيب هذا اللقاء مقابل علبة سجائر ذهبية مرصعة بحبات الماس، وظهرت النتائج سريعاً فعلى مدخل مستوطنة بتاح تكفا (فتحة الأمل) يطالعك نصب حجري تعلوه نجمة داوود يدون فيه نحتاً تاريخ إنشاء المستعمرة وهو 1878 عندما كان عبد الحميد في أوج جبروته وكذلك روتشيون ليتسيون التي أنفق البارون روتشيلد في بنائها مائة وخمسون مليون فرنك سويسري ذهبي وكذلك زخروني يعقوب وعتليت وكلهم في فترة عبد الحميد 1876-1908 وازداد عددهم باطراد ثم تضاعفوا إبان حكم الاتحاد والترقي ولكن من كان يجرؤ على كشف الحقيقة أو الادعاء بما يغاير الرواية الرسمية التي تقول بأن السلطان الأحمر هو حامي الحمى وقد وقف حائلاً ما بين اليهود وأرض فلسطين.

ليست المصيبة أن نعيش في التزييف بل المصيبة الأكبر أن نخضع له ولا نسلك أي طريق يذهب بنا الى الحقيقة أو الى الخلاص وهذا هو التقوقع.

وفي زمن الاتحاد والترقي غدر الاتراك بحلفائهم الأرمن الذين ساهموا بشكل فعّال وكبير في التخلص من عبد الحميد وحذا الأكراد حذوهم…واعتمدوا سياسة عبد الحميد ولكن بشكل أعنف وأطلقوا على هذه السياسة اسم الحل النهائي حيث لا يمكن استعمار أوطان الآخرين وسلب أرضهم دون ابادتهم وتشريد من بقي منهم وهذا ما فعلته اميركا بالهنود الحمر وهذا ما فعله الاتراك بالارمن وما فعله ويفعله الصهاينة بالشعب العربي الفلسطيني الذبيح.

أما ظل الشيطان على الأرض وابن الطفلة المسكينة ترميزكان التي اختطفت من دار أهلها في القوقاز ودفعت الى قصور الدعارة في استمبول كصيد ثمين فلقد حرمت من تربية ابنها وماتت في سنٍ مبكرة بالسل. ظل الشيطان على الارض هذا عاش طفولة مأسوية وشباب مضطرب خائف بسبب النزاع على العرش والتصفيات الدموية، وتحوّل هذا الفتى الذي تلفه العقد الى الدكتاتورية ومشى في اللعبة حتى آواخرها فأضاع معظم أراضي السلطنة، واستمع الى نصائح مستشاري السوء من بطانته الخرقاء كالشيخ عبد الهادي الصيادي أبو الهدى مفتي السلطنة الذي أفتى له بضرورة ابادة الشعب المسيحي الأرمني، فسار في الدرب الذي رسم له، الى ان وجد نفسه حبيساً في احدى القصور السلطانية في الشطر الغربي للقسطنطينية وهو قصر بكلربكي وتم اخلائه ومن معه الى الشطر الشرقي من القسطنطينية بعد ان تم تهديد القسطنطينية التي كانت على وشك السقوط ثم سقطت لتضرب نعال الجيشين الفرنسي والانكليزي أرضها وبشدة فتخلصت الشعوب المنضوية قصراً من ربق العبودية والذل والانكسار عدا الشعب الارمني الذي كان يعيش في وسط السلطنة وتابع تلامذة عبد الحميد نهج معلمهم فدفع الأرمن مليون ونصف قتيل ومرت المئوية الاولى للإبادة ولم يتغير شيء وظل الأرث الحرام في يد الأحفاد والعالم المتمدن أذن من طين وأذن من عجين واميركا الدولة العظمى المتفردة تذرّ الرماد في العيون والقضية بمجملها نار تحت الرماد وأصحابها يعتبرون أن المجزرة قد بدأت اليوم.
أما ظل الله على الارض فلقد ضاع وأضاع معه شعبه وأضاع مواطنيه ومعظم الاراضي التي يدّعي زوراً أنها أراضيه، وأضاع القوميات المنضوية وأثخن فيها فحدثت مجازر يشيب لها الولدان كانت نتائجها كارثية وتفوق الوصف، ولم يبق شيء غير الأرث الحرام الذي بقي في يد الأحفاد الى اليوم وسيعود الى أصحابه الأصليين مهما طال الزمان لأن هؤلاء لا زالوا يعتبرون أن المجزرة قد حدثت اليوم.

آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق 07 03 2013
[email protected]

scroll to top