من المفارقات أن يدافع حفيد السفاح جمال باشا عن الأرمن، وجده أحد الذين شاركوا بقوة فى إبادتهم حتى قتل على يد أحدهم فى عملية «الانتقام» التى قام بها الأرمن ضد من قاموا بتدبير المؤامرة ضدهم.. لكن ربما يزول العجب إذا علمنا أن هذا الحفيد عرف بليبراليته وحرية قلمه، إذ إنه لا يدافع عن نظام أو سلطة أو مبدأ. فهذا هو الكاتب التركى حسن جمال، الذى أيد أردوغان وسانده فى تسوية القضية الكردية ودعم أردوغان فى مواجهته مع الجيش والمؤسسة العسكرية بغرض دعم الديمقراطية والحكم المدنى. وهو فى الوقت ذاته الذى وقف ضد أردوغان عندما حاول المساس بحرية الإعلام .
من هذا المنطلق جاء كتابه «1915 الإبادة الأرمينية» الذى احتل المركز الأكثر مبيعا فى تركيا ولاقى صدى عالميا هائلا، حتى خشى البعض أن يتعرض كاتبه لما سبق وأن تعرض له صاحب نوبل أورهانياموك، حين صرح لصحيفة سويسرية بأن تركيا قتلت 30 ألف كردى ومليون أرمينى، مما عرضه للمساءلة القانونية قبل أن تسقط عنه التهم .
لكن حسن جمال لم يهتم أبدا ولم يخش ذلك – فكما ذكر فى كتابه – «إن إنكار مذابح آلاف الأرمن يعنى المشاركة فى الجريمة ضد الإنسانية» كما قال فى مقدمة الكتاب «إن معاناة 1915 ليست من الماضى بل الحاضر، ولا يمكننا بلوغ السلام والراحة إلا بالمصالحة مع التاريخر لكن مع التاريخ الحقيقى، وليس التاريخ المخترع أو المعدل مثل تاريخنا وإنقاذ أنفسنا من جرثومة استغلاله».
الكاتب حسن جمال هو حفيد جمال باشا السفاح الذى عرف بجرائمه ضد القوميين العرب وضد الأرمن. فقد كان جمال باشا أحد القيادات فى الاتحاد والترقى، وأحد المتعصبين فى تنفيذ سياسة التتريك، إلى الحد الذى دفعه لتدبير مذابح لكل القوميين العرب المطالبين باستقلال الولايات العربية عن الإمبراطورية العثمانية، وذلك خلال الفترة بين 1915-1917، ومازال السوريون واللبنانيون يحتفلون بذكرى هذ اليوم الذى عرف بعيد الشهداء فى السادس من مايو، الذى وافق فى العام 1916 سقوط أكبر عدد من الشهداء القوميين العروبيين .
وبالوحشية نفسها شارك جمال السفاح فى تدبير المذابح ضد الأرمن، وقد لاقى جزاءه عندما قتل على يد أرمنى يدعى اسطفان زاغكيان فى مدينة تبليس الجورجية 1922 .
ويبدو أن القدر قد أرسل الحفيد ليغسل عار الجد من خلال عمله كصحفى وكاتب. يعمل حسن جمال صحفيا فى جريدة “ ملليت التركية“ كان له دور فى تسوية القضية الكردية، حتى إنه تبرع بزيارة القيادة العسكرية لحزب كردستان العراق لنقل رسائل مهمة حين انقطع الاتصال بين جهاز الاستخبارات التركية والكردستانى. وعندما حاول أردوغان الهجوم على الصحافة وتحديدا صحيفة ميلليت بعد نشرها تفاصيل اللقاء بين عبد الله أوجلان مع أول وفد نيابى كردى فى سجنه بجزيرة إمرالى، تصدى جمال لأردوغان مدافعا عن السبق الصحفى، مؤكدا أن الصحافة مهمتها كشف الحقائق .
وبالشجاعة نفسها أهدى جمال كتابه إلى روح الكاتب والصحفى الأرمنى “هرانيت دينك “ الذى اغتاله أحد الأتراك عام 2007، حيث كتب جمال مناجيا صديقه الأرمينى “إن الأمر الذى حثنى على تأليف هذا الكتاب هو آلامك“. كما ذهب حسن جمال لزيارة ضريح الأرمن فى يريفان 2008 .
بقلم: سهير عبد الحميد | نقلا عن الأهرام المصرية