3832.jpg

نورا اريسيان: الأدب السوري انفرد عربيا في تناوله للإبادة الأرمنية

اهتمت الدكتورة نورا اريسيان بترجمة الأدب الأرمني ونقله للعربية مركزة على القضايا الإنسانية والاجتماعية التي تعنى باللغتين العربية والأرمنية إضافة إلى اهتمامها بالمحن التي تعرض لها الأرمن أيام العثمانيين.

وفي حديث خاص لسانا الثقافية اعتبرت اريسيان أن الأدب الأرمني ارتكز بشكل عام على التراث الشعبي الأرمني الذي ارتبط بوجود اللغة الأرمنية في القرن الخامس الميلادي حيث ظهرت نماذج من هذا الأدب إلى جانب الشعر الغنائي الروحي والكنسي الأرمني إضافة إلى السرد النثري التاريخي.

وأضافت أن الأدب الأرمني اقتصر في الماضي على أشعار وأغان شعبية متوارثة إلا أن تطوره تباطأ نتيجة الغزو المغولي بين القرنين 13 و 15 رغم استمرار النصوص النثرية والشعر الغنائي مسجلا تطوراً ملحوظاً بين القرنين 17 و 18 حيث ظهر تأثير نمو الأفكار التحررية الوطنية.

وبينت اريسيان أنه مثل كافة الآداب العالمية نجد في الأدب الأرمني المدارس الأدبية الرومنطيقية والواقعية وغيرها وبعد انضواء ارمينيا تحت مظلة الاتحاد السوفييتي ظهر أدب أرمني خاص في هذه الفترة وبالمقابل ظهر أدب أرمني مهجري اتسم بالحنين إلى الوطن وقضايا الشتات.

وتابعت أما الشعر الأرمني فقد غلبت عليه الغنائية في القرون الوسطى حيث راج فن الشعر الغنائي المعروف بالزجال وبين القرنين 9 و 13 تفوقت الملحمة الشعبية الأرمنية مثل ملحمة دافيد الصاصوني التي تمثل كفاح الشعب الأرمني.

وللشعر الأرمني مقاييس كما بينت فهناك الشعر النثري والموزون وفق المقاييس المعروفة لكن الشعر الحديث كسر كل تلك المقاييس بعد أن دخل في مسيرة التطور مشيرة الى أن الأرمن في كيليكية انفتحوا على الأدب الغربي فدخل الشعر عناصر لم تكن معروفة كالوصف والغزل وأثرت فيه حتى أخرجته عن مظلة الدين.

ولفتت اريسيان إلى أن اللغة الأرمنية بشكل عام تأثرت بلغات جيرانها من الشعوب المعاصرة ومنها العربية وأن التداخل بين اللغة الأرمنية والعربية يعود إلى التداخل بين الشعبين وطبيعة العلاقات التاريخية بينهما والتي تعود إلى الفتح العربي لأرمينيا في القرن السابع وتجلى تأثر الأرمن بالأدب العربي في شعرهم من خلال اقتباسهم الوزن والقافية عن الشعر العربي.

وقالت إن الشعب الأرمني يحتفل بذكرى عيد المترجمين القديسين الأرمن في الأسبوع الثاني من شهر تشرين الأول من كل عام وتعد هذه المناسبة أحد الأعياد الوطنية الكنسية لدى الشعب الأرمني وعيداً مخصصاً لاختراع الأبجدية الأرمنية واحتفاء بكبار رجال الثقافة ورواد حركة الترجمة.

أما فيما يخص الترجمة من وإلى اللغة العربية فالترجمات حسب اريسيان من اللغة الأرمنية للعربية شحيحة مقارنة بالترجمة من العربية للأرمنية مبينة أنه تمت ترجمة العديد من المصادر العربية عبر مؤلفين أرمن كما قام العالم اللغوي الأرمني الشهير هراتشيا أجاريان بترجمة مقتطفات من رحلات ابن بطوطة.

ووفقا لاريسيان فقد ظهرت بعد فترة الفتح الإسلامي لأرمينيا حركة ترجمة متبادلة جراء التبادل الثقافي بين الشعبين الأرمني والعربي نتيجة الاحتكاك بينهما وإتقان الأرمن للغة العربية ووجد عدد من الأرمن الذين أبدعوا باللغة العربية أمثال المؤرخ أبو الصالح الأرمني وغيره ومع بداية القرن العشرين ترجمت إبداعات كتاب وشعراء ومؤرخين ومستشرقين وعلماء أرمن إلى العربية.

وأشارت مؤلفة كتاب غوائل الأرمن في الفكر السوري إلى أن نزار خليلي كان من أوائل المترجمين الذين نقلوا إلى العربية الأدب الأرمني لأنه بعد أن أتقن اللغة الأرمنية من خلال احتكاكه بالأرمن وعمله في التعليم في إحدى مدارسهم بحلب شرع في ترجمة العديد من المؤلفات إلى اللغة العربية مثل الملحمة الشعرية المراثي لكريكور ناريكاتسي ونماذج من أعمال نرسيس شنورهالي وغيرها.

هذه الأسباب كلها مجتمعة جعلت كما بينت اريسيان من اللغة العربية لغة قريبة من قلوب الأرمن القاطنين في الدول العربية لأنها أصبحت وسيلة للإحتكاك والتواصل الحضاري مع الشعب العربي ودخلت في أرمينيا الأبحاث المتعلقة باللغة العربية نطاق البحث الأكاديمي ولقيت رواجاً في مراكز الدراسات واليوم يزداد باطراد إهتمام الارمن باللغة العربية ولهجاتها المختلفة.

أما بالنسبة لأثر الإبادة الأرمنية على الأدبين الأرمني والعربي فقالت اريسيان.. لا شك أن موضوع الإبادة الأرمنية كان له وقع كبير على كافة جوانب الحياة لدى الأرمن في الأدب والفن والموسيقا لذلك يتسم الأدب الأرمني بمسحة حزن لما يحتويه على موضوع المأساة فالابادة متواجدة في الشعر والقصة والرواية وكافة الأجناس الأدبية.

وعن تناول الأدب العربي للإبادة الأرمنية اعتبرت أن الأدب السوري ينفرد بين الآداب العربية الأخرى في هذا الصدد لأن السوريين هم أول من احتك بالموضوع وتحولت معاناة الشعب الأرمني إلى مادة كتابية وموضوع بنيت على أساسه دراسات وإبداعات أدبية كالرواية والقصة والمسرحية لدى بعض الكتاب السوريين.

ولفتت مؤلفة أصداء الإبادة الأرمنية في الصحافة السورية إلى أن الكتاب السوريين أدخلوا مأساة الأرمن في أعمالهم الأدبية للتعبير عما سببته فظائع الأتراك في الروح الإنسانية فليس من الصعب أن نكتشف عذابات الإنسان الأرمني وذكريات المذابح الرهيبة التي أخذت حيزاً لا بأس به في الأدب السوري بتجلياته خاصة في أعمال وليد إخلاصي وإبراهيم الخليل وحسن م. يوسف وعبد السلام العجيلي وممدوح عدوان ونبيل سليمان وحسن حميد وعبد الرحمن منيف وغيرهم.

ووجدت أن الإنسان والشخصية الأرمنية حاضرة لا تغيب عن روح الكتاب السوريين وروح رواياتهم لأن الأرمن شكلوا قسماً لا بأس به من ذكرياتهم ودعاهم ذلك لأن يجعلوا الشخصية الأرمنية إحدى المفردات الأساسية في بعض الروايات والمسرحيات التي كتبوها.

ونوهت بأن تلك الأحداث غدت مادة تاريخية لبعض الباحثين والمؤرخين السوريين واستفاد العديد من الكتاب من الشخصيات الأرمنية في أعمالهم الأدبية الإبداعية حيث يرى الكتاب السوريون أن مصدر المعاناة لدى كل من الأرمن والسوريين واحد ولذلك فهم على اطلاع جيد على كافة وجوه المسألة.

واثنت اريسيان على التعاون الثقافي بين أرمينيا وسورية والذي هو وارد في جميع الوثائق والاتفاقات الرسمية الموقعة بين الجهات المعنية في البلدين خاصة بين وزارتي الثقافة والهيئات الثقافية فيهما وهناك دعوات لتبادل الزيارات بين اتحاد الكتاب العرب واتحاد الكتاب الأرمن مؤكدة ضرورة تفعيل هذا الجانب من التفاعل للانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى لأن الثقافة والكتابة والترجمة هي من أهم عناصر التلاقي بين الشعوب والدول.

يذكر أن الدكتورة نورا اريسيان حاصلة على دكتوراه في التاريخ الحديث من أكاديمية العلوم الوطنية في ارمينيا ومن مؤلفاتها غوائل الأرمن في الفكر السوري أصداء الابادة الارمنية في الصحافة السورية ومئة عام على الإبادة الأرمنية وفي الترجمة ضريبة اللباقة مجموعة قصص مترجمة عن الأدب الأرمني وهي أمينة سر جمعية الترجمة في اتحاد الكتاب العرب في سورية ومسؤولة شعبة اللغة الأرمنية في المعهد العالي للغات بجامعة دمشق.

نقلا عن الوكالة السورية للأنباء، سانا

scroll to top