عشية الذكرى الـ 99 للإبادة الجماعية الأرمنية ألقى عضو الكونغرس الأمريكي آدم شيف كلمة في الكونغرس عنونها بـ “رسالة مفتوحة إلى الشعب التركي”، وفيما يلي نصها مترجما إلى العربية عبر فريق عمل خبر أرمني:
رسالة مفتوحة إلى الشعب التركي
اليوم أكتب إليكم بخصوص موضوع غاية في الأهمية بالنسبة لكلا شعبينا. أكتب إليكم بخصوص موضوع العديد منكم وخاصة الأجيال الشابة تعلم فقط القليل عنها لأنها تتعلق بفصل من تاريخ الإنسانية والعالم تعمل حكومة بلادكم جاهدة من أجل إخقائها عنكم.
لطالما كانت الأراضي التركية مركزا للحضارة الإنسانية منذ العصر الحجري وحتى الوقت الراهن، وإن فنونكم وآثاركم وعلومكم أغنت وأثرت العالم بلا شك. ولكن، تتشابك مع إنجازاتكم اليوم فصلُ مظلم من فصول التاريخ التي لا تعلمون عنها أي شيء أو ربما القليل القليل فقط.
هل تعلمون أن أجدادكم وآباء أجدادكم كان لهم العديد من الأصدقاء والجبران الأرمن؟ وهل تعلمون أن نسبة 20% من سكان مدينة اسطنبول كانوا من الأرمن؟ هل تعلمون أن الأرمن استطاعوا الإندماج في المجتمع التركي وكان بينهم المثقفين والفنانين والحرفيين وقادة المجتمع؟ وهل سبق أن تساءلتم ماذا حلّ بهم؟ هل حدث أن توجهتم بهذا السؤال للأباء والأجداد عن مصير هذه الزمرة الكادحة والنشطة من الناس الذين اختفوا من الوجود بينكم فجأة؟ وهل تعلمون لماذا حكومات بلادكم تعمل كل ما تستطيع لإخفاء هذا الجزء المظلم من تاريخكم؟
اسمحوا لي أن اطلعكم على جزء من الرواية وعلى عاتقكم تقع مهمة التحري عن البقية.
قبل 99 عاما وفي السنوات الأخيرة من عمر الامبراطورية العثمانية وفي مثل هذا الشهر بالذات شنت الحكومة التركية حملة من المداهمات ونزع الملكية والترحيل والتجويع والتشريد بحق مواطنيها من أرمن الإمبراطورية العثمانية. تم ترحيلهم قسرا من آراضيهم التاريخية باتجاه سوريا حيث استسلم العديد منهم إلى الظروف الوحشية وحرارة الصحراء القاسية فيما تمّ ذبح مئات الآلاف على أيدي رجال الدرك العثمانيين وفي بعض الأحيان على أيدي مواطنين عاديين.
بحلول العام 1923 حيث انتهت المذابح كان قد تم تصفية 1.5 مليون أرمني في ما بات يعرف عالميا بأول إبادة عرقية جماعية في القرن العشرين. الناجون انتشروا في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم وبعضهم شق طريقه إلى الولايات المتحدة ومدينة لوس أنجلوس تحديدا.
الأحفاد وأبناء الأحفاد هم من أمثلهم أنا اليوم في الكونغرس الأمريكي. هم مجتمع نابض بالحياة، لهم مدارسهم وكنائسهم وشركاتهم وصلاتهم الوثيقة بأرض الأباء والأجداد. بالنيابة عنهم جميعا أحثكم اليوم على بدء حوار وطني في تركيا حول ما حدث.
قد يتساءل البعض من شبابكم: ما علاقتي أنا بما حدث؟ وهل ينبغي أن أدفع ثمن جريمة أرتكبت قبل فترة طويلة من ولادتي؟. وجوابي لكم هو كالآتي: على عاتقكم تقع المسؤلية الأخلاقية للإعترف بالحقيقة والسعي للتصالح مع الشعب الأرمني بعد أن فشل أجدادكم في ذلك أو لم يرغبوا القيام به. هو الواجب الذي ورثتموه من الأباء ولا يمكنكم التغاضي عنه بهذه البساطة. نعم، لا أحد يستطيع أن يختار التاريخ ولكن يمكننا أن نقرر ماذا يجب أن نفعل حيال الأمور التاريخية العالقة.. وفقط أنتم تقررون اليوم مستقبل بلادكم تركيا.
في نهاية الحرب العالمية الثانية كانت ألمانيا دولة ممزقة بعد أن خسرت المعركة وقدمت نفسها كأكبر مجرم حرب في تاريخ الإنسانية جمعاء. ولكن، بعد عقود قليلة من نهاية الحرب عملت ألمانيا كل ما بوسعها للتصالح مع الشعب اليهودي الذي أبيد على أيدي النازيين أثناء المحرقة. الحكومة الألمانية قاضت مجرمي الحرب وأعادت الممتلكات المصادرة إلى أصحابها وتحالفت مع إسرائيل وقدمت الإعتذار العلني للضحايا مرات لا تحصى أمام العالم بأسره.. والأهم من كل هذا هو أن ألمانيا ساهمت في محو التعصب والكراهية اللا إنسانية التي أدت إلى تلك المحرقة.
هذا المسار، مسار التوبة والندم والمصالحة، يجب أن يكون اليوم مسار تركيا أيضا. ليست خطوة سهلة وقد تواجهون العديد من الأسئلة الصعبة والمؤلمة في بعض الأحيان.. ولكن يبقى السؤال الأبرز: كيف يمكن لأمة حكمت بسلام على ثقافات وعرقيات متنوعة وعلى مدى قرون أن يصدر منها كل تلك القسوة التي أضطر العالم إلى إبتكار كلمة جديدة ليتمكن من وصف آحداثها.. كلمة إبادة.
وكما هو الحال في المسيحية واليهودية، أنا على ثقة أن مفهوم التوبة أمر أساسي في الإسلام أيضا. العام المقبل يصادف الذكرى المئوية الأولى لبداية عمليات الإبادة الجماعية الأرمنية، والأرمن في جميع أنحاء العالم سيحيون ذكرى شهدائهم وسوف يتذكرون من جديد حجم الخسارة الكبيرة التي لحقت بأمتهم والسؤال الوحيد الذي سيقى يراودهم: لماذا؟. أتمنى أن تجيبوهم على هذا السؤال بعبارات التوبة والإعتذار.
آدم شيف، عضو الكونغرس الأمريكي