يقال أنها رأت المجازر بأم عينها.. هي جالسة على درج إحدى المداخل المؤدية لشعلة الخلود في نصب شهداء الإبادة الجماعية الأرمنية في يريفان.. لا ندري إن كانت هذه الجدة ما تزال على قيد الحياة أو لا، ولكن ما نحن على يقين منه 100% هو أن هذه السيدة لم تكن تزور نصب شهداء الإبادة الجماعية الأرمنية فقط يوم الـ 24 من أبريل/نيسان كل عام كما نفعل نحن، بل كان هذا النصب مقصدا اسبوعيا لها بل وروبما يوميا في بعض الأحيان.
إن كنا أنا وأنت من أبناء الأجيال الشابة ممن لم يعاصروا الإبادة ولدينا كل هذا الشغف والرغبية لزيارة نصب شهدائنا. فما بالك بهذه السيدة العجوز التي في كل ليلة تزورها مشاهد ما حدث على أيدي سلطات الإجرام قبل 100 سنة. ربما إحدى المشاهد التي تزورها كل ليلة هي لشقيقتها التي اغتصبها الدرك العثماني امام عينيها، أو أمها التي كانت تنتظر مولودا جديدا فقرر العثماني أن يتراهن مع صديقه على جنس المولود فقاموا ببقر بطنها لمعرفة نتيجة اللعبة ومن الخاسر أو الرابح بينهم. أو ربما تزورها مشهد والدها أو شقيقها الذي تم قطع رأسه أيضا أما عينيها.
إن كنا أن وأنت قرأنا بعضا من القصص المروعة لما حدث فهذه السيدة رأت بأم عينها ما حدث.. ربما لو سألتها ماذا حدث لفتحت فمها وسردت لك أيام وأيام دون أن تنتهي الحكاية.. وربما أيضا تجهش بالبكاء دون القدرة على النطق بكلمة.
إنها إحدى الناجيات من الإبادة الجماعية الأرمنية.. الإبادة التي وصفت بأنها أحلك صفحات التاريخ سوادا والتي بسببها خسرنا مليون ونصف المليون إنسان.. خسرنا ثلثي الأمة الأرمنية آنذاك عدا عن الوطن الذي لا يعوض..
قسما يا جدتي لن ننسى..
الشعب الأرمني قام.. حقا قام.