جسور كوم، 25 يناير 2023 — تتوالى فصول الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، جديدها ارتفاع منسوب التوتر في إقليم ناغورنو كاراباخ، المتنازع عليه. ويتعلق التصعيد الأخير باتهام يريفان لباكو بفرضها حصاراً على 120 ألف أرميني في ناغورنو كاراباخ عبر إقفال ممرّ لاتشين الرابط بين الإقليم والأراضي الأرمينية.
في المقابل، تدحض أذربيجان كل الاتهامات وتصر على أنها لم تفرض حصاراً على ناغورنو كاراباخ، وأن حركتي المرور الإنسانية والطبية سالكتان. لكن على أرض الواقع، يبدو الوضع متردياً بشكل متزايد بالنسبة للأرمن هناك الذين تقطعت بهم السبل بسبب محدودية الغذاء والضروريات الأخرى، وعُزلوا عن أفراد الأسرة الذين كانوا في أرمينيا عندما بدأت الأزمة.
اهتمام روسي
وساعدت روسيا في إنهاء الحرب بين أذربيجان وأرمينيا عام 2020، وقامت قواتها بمراقبة وقف إطلاق النار. لكن مع احتدام الأزمة الجديدة في القوقاز لم تتدخل موسكو لإنشغالها بالحرب على أوكرانيا، ما أثار حفيظة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الذي اتهم موسكو بعدم تنفيذ المهمة الموكلة إليها، أي حفظ السلام، مشيرا إلى أن المهمة مرتبطة بالتحديد في منع مثل هذه الأفعال غير القانونية، وإبقاء ممر لاتشين تحت السيطرة على وجه الخصوص لإمداد جيب ناغورنو كاراباخ. الى ذلك، أعلنت أرمينيا رفضها استضافة مناورات عسكرية في إطار تحالف عسكري تقوده روسيا على خلفية استيائها من مواقف موسكو.
لكن وفي حديث لـ”جسور”، أكد الأكاديمي والخبير في إدارة النزاعات الدوليّة د. إسحاق أندكيان أن أرمينيا ستدور دائما في الفلك الروسي وستبقى دولة حليفة وشقيقية لموسكو من خلال معاهدات عدة أبرزها منظمة معاهدة الأمن الجماعي، نظام الدفاع الجوي المشترك لرابطة الدول المستقلة، ومنظمة شنغهاي للتعاون. وبالتالي، ما سيحلّ بروسيا سينعكس على أرمينيا بسبب الإرتباط العضوي بين الدولتين نتيجة التقارب الجغرافي والاتفاقيات المشتركة. لذلك إرتباط أرمينيا الظاهر والوثيق بروسيا قي الأمن والإقتصاد والسياسة هو “واقع لا مهرب منه” كون أرمينيا مسيّرة من قبل الروس وليست مخيّرة”.
احتجاجات ضد “الحصار”
وفي غضون ذلك، احتشد آلاف المتظاهرين في ستيباناكرت، المدينة الرئيسية في ناغورنو كاراباخ، احتجاجاً على إغلاق باكو محوراً حيوياً باتجاه يريفان، داعين المجتمع الدولي إلى “التحرك فوراً”.
وهنا أشار أندكيان الى أن ” القوّات الأذربيجانيّة فرضت حصارا على إقليم كاراباخ وتحاول أيضا فرض معادلة جديدة على أرمينيا مفادها التخلي عن ممرّ لاتشين مقابل ممرّ زانجيزور. هذه المعادلة باتت واضحة بعد تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عام 2022 إذ قال، “إننا نؤيد بشدة ممر زانجيزور الذي سيوفر صلة بين المناطق الغربية لأذربيجان وناختشيفان.”
واستطرد موضحا “ممرّ زانجيزور، الواقع في جنوب أرمينيا على الحدود مع لإيران، إن حصلت عليه أذربيجان بطريقة أو بأخرى سيشكّل بداية نهاية أرمينيا من ناحية وسيحقّق حلم الإمبراطوريّة الطورانيّة من ناحية أخرى من خلال تحقيق الوحدة الجغرافيّة بين الشعوب التركيّة التي تمتدّ من تركيا غربا ً حتّى حدود الصين شرقا. وفي الاطار، يشدد أندكيان على أن العائق الجغرافي الوحيد الذي يقف بوجه تركيا لتحقيق هذا الحلم هو أرمينيا، لا سيّما القسم الجنوني منها. وبالتالي تركيا ستستمر في تزويد أذربيجان بالمال والسلاح والخبرات من دون المشاركة المباشرة والفعليّة في المعارك ضدّ الأرمن.
أذربيجان تلعب بالنار!
واعتبر أن أذربيجان تلعب بالنار وفند خطورة حصولها على ممرّ زانجيزور مشيرا الى أن ذلك سيعزل بعضا من أراضي أرمينيا الواقعة جنوب الممرّ لا سيّما قرى ميغري. ثانيا ً، سيعزل أرمينيا عن إيران وهذا ما ترفضه طهران قبل أرمينيا. ثالثا، ً سيزيد من عزلة أرمينيا التي تحدّها جورجيا المتحالفة مع أذربيجان من الشمال، وعدوّتها أذربيجان من الشرق، وعدوّتها التاريخيّة تركيا من الغرب.
ويعتقد أندكيان أنه “من المرجّح أن تقف روسيا مع المطالب التريكو-آذيريّة في الحصول على ممرّ زانجيزور مقابل منافع أخرى تحصل عليها روسيا من تركيا. وفي المقابل، هناك محاولات لتدويل الأزمة الحالية من خلال تصريح لمسؤول السياسة الخارجيّة للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل هذا الأسبوع حيال عزم الإتحاد الأوروبي بإقامة مهمّة مدنيّة في كاراباخ بغية اعداد تقارير حيال الأوضاع على الأرض والمساعدة في إرساء الأمن وبناء الثقة بين أرمينيا وأذربيجان. وبالتالي، إذا لم تفكّ أذربيجان الحصار عن كاراباخ قريبا ً قد يدخل الإتحاد الأوروبي ومن ثم الولايات المتّحدة الأميركيّة على الخط، ما قد يغيّر قواعد اللعبة في القوقاز”.
وتعود فصول التصعيد بين الطرفين الى أوائل التسعينات حين اندلعت حرب بين أرمينيا وأذربيجان بغية السيطرة على ناغورنو كاراباخ، منطقة ذات أغلبية أرمينية انفصلت عن أذربيجان، وانتهى النزاع بانتصار أرمينيا ما منح أذربيجان السيطرة على نحو %13 من إجمالي مساحة الأراضي الأذربيجانية، بما في ذلك ناغورنو كاراباخ.
وفي عام 2020، شنت أذربيجان حربًا على كاراباخ بدعم مباشر من تركيا ومساعدات عسكريّة من إسرائيل، ما أودى بحياة المئات وسمح الى أذربيجان باستعادة جزء من كاراباخ، وانتهت الحرب بعد 44 يوماً من القتال العنيف من خلال التوقيع على ثلاث إتفاقيّات بين روسيا وأذربيجان وأرمينيا.
المصدر : jusur.com