(1) مضت ستون عاماً كاملة على أول فيلم سينمائى للفنان المصرى العالمى عمر الشريف.
إذا كان السؤال: هل نجح عمر الشريف فى أن يكون أشهر فنان عربى على مستوى العالم؟ فالإجابة: نعم، لكن إذا كان السؤال: هل نجحت الدولة المصرية فى استثمار عمر الشريف ضمن قوتها الناعمة؟ فالإجابة: لا.
كان عمر الشريف إضافة كبرى للفن المصرى والعالمى طوال الوقت، ولكنه لم يكن إضافة للقوة الناعمة المصرية فى أىّ وقت.
إذا كان السؤال: وهل يتحمل عمر الشريف مسئولية ذلك؟ فالإجابة: لا.. ليس عمر الشريف هو المسئول بل الدولة المصرية التى لا تزال عاجزة عن إدراك القوة السياسية والاقتصادية للقوة الناعمة، وأن القوة «الناعمة» قد تحقق ما لا تحققه «القوة الصلبة».
(2) يمثل الأرمن «لوبى» قوياً فى الولايات المتحدة وأوروبا، والقضية الأساسية لهذا اللوبى هو دفع العالم لإدانة المجازر التركية بحق أجدادهم فيما يُعرف تاريخياً بـ«مذبحة الأرمن».
نجح لوبى «الأرمن» فى استثمار عمر الشريف فى قضيته، وكان ناتج هذا الاستثمار الفيلم الشهير «مايريك»، وهو فيلم لمخرج أرمنى جَمَعَ عمر الشريف وكلوديا كاردينالى لعرض مذبحة الأرمن على العالم، وعنوان الفيلم «مايريك» وهي كلمة أرمينية معناها «الأم».
(3) يبلغ الفنان المصرى العالمى الثالثة والثمانين من العمر، وتخرج فى مدرسة «فيكتوريا كوليدج» الأرستقراطية بالإسكندرية. بدأ الفن نجماً بارزاً، حيث ستة أفلام مع السيدة فاتن حمامة وحدها، ثم نجماً عالمياً، بدأ فى «لورانس العرب» وواصل حتى «المحارب الثالث عشر».
بدأ أول أفلامه فى مصر فى الثانية والعشرين من عمره، وأول أفلامه خارجها فى التاسعة والعشرين، ليصبح اسماً عالمياً معروفاً منذ نصف قرن.
(4) هناك سببان أساسيان لعدم استثمار «عالمية عمر الشريف».. الأول هو عدم إيمان الدولة بأهمية استثمار ذلك، سواء ما يخص عمر الشريف أو ما يخص نجيب محفوظ، أو أحمد زويل، أو أى قيمة عالمية، والثانى هو الصورة المرتبكة لعمر الشريف لدى الجمهور والإعلام فى مصر، سواء ما يخص الدين أو السياسة.
(5) نشأ عمر الشريف مسيحياً لأبوين مسيحيين، كان جدّه لأمه يهودياً، لكن أمه كانت مسيحية، ووُلِد عمر مسيحياً كاثوليكياً.
وفى عام 1955 اعتنق عمر الشريف الإسلام، وتزوج من السيدة فاتن حمامة. لكنه سرعان ما غادر مصر، ولمع اسمه فى السينما العالمية، ثم كان دوره الشهير فى فيلم «فتاة مرحة»، وكانت البطلة المشاركة يهودية صهيونية، قالت صحيفة هآرتس إنها كانت مؤيدة بقوة لإسرائيل.
(6) وكانت الصدمة من نشر صورة حميمية تجمعه مع البطلة «الصهيونية» وذلك فى أعقاب هزيمة 1967 مباشرة، وهو ما كان موضع سخط وغضب شديد فى مصر، ممّا جعل البعض يطالب بسحب جنسيته، وآخرون يتحدثون عن عودته لليهودية رغم أنه لم يكن يهودياً فى أى يوم.
ومن الاستياء الوطنى إلى الشك الدينى، راحت الصحافة تتحدث عن عمر الشريف، وجده اليهودى وبطلته اليهودية.
حَسَمَ عمر الشريف ذلك الأمر عدة مرات، حيث قال قاطعاً: أنا مسلم، وأسرتى مسلمة، وفى عام 2007 زار عمر الشريف المسجد الحرام فى مكة المكرمة وأدى مناسك العمرة.
(7) لم يزرْ عمر الشريف مصر بعد خروجه طيلة عهد الرئيس عبدالناصر، رغم أنه لم يكن ممنوعاً من ذلك، وقد عاد بعد أن التقاه الرئيس السادات فى البيت الأبيض فى حفل أقامه الرئيس كارتر، وقال له السادات: لن أسلّم عليك حتى تأتى إلى مصر.
من وقتها عاد عمر الشريف، وشارك فى أعمال وفعاليات مصرية، وقد التقيتُه فى حفل جامعة المستقبل قبل أسابيع، وكان أثر السنين على وجهه أقوى من أى أثرٍ آخر.
(8) ضاعت الفرصة تماماً، فلم يعد ممكناً عمل الكثير فيما يخص عمر الشريف، لكن شيئاً واحداً لا يزال بالإمكان، تغيير اسم «مدينة الإنتاج الإعلامى» إلى «موليوود.. مدينة السينما المصرية»، وإقامة حفل عالمى لإطلاق الاسم الجديد، وبذل المستحيل لأن يُلقِى عمر الشريف كلمة التدشين.
سيسأل القارئ: وماذا تعنى «موليوود»؟ ولماذا «موليوود»؟ وهل تعتقد أن تغيير الاسم كافياً لانطلاق صناعة السينما؟ وأن المشكلة هى تغيير الاسم؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها، أحيل القارئ الكريم إلى مقالى فى عام 2010 «خريف موليوود.. ربيع السينما الحمراء»، ومقالى فى عام 2014 «موليوود.. السينما والقوة الناعمة فى مصر».
إننى واثق تماماً أن انطلاق «موليوود» على غرار «هوليوود» فى أمريكا، و«بوليوود» فى الهند سيحدث ذات يوم، ولكن قبل أن تأتى النخبة القادرة لإطلاق ذلك، وإعادة تسيَّد القوة الناعمة المصرية.. كم أتمنى استثمار عمر الشريف وعادل إمام معاً فى تدشين ذلك الحلم.. سينما مصرية ذات مكانة عالمية. حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
بقلم: أحمد المسلماني – نقلا عن elwatannews.com