إنه تاريخ شعب مارس حقه المشروع في تقرير المصير. لقد عبّر الشعب في كاراباخ الجبلية عن إرادته بحرية، وهو مستمر لمدة قرن من الزمن تقريباً في مواجهة عدائية مع الذين يطمعون الى فرض سيادتهم عليها.
نظرة تاريخية
لقد كانت كاراباخ (التي سميت بأرتساخ لعدة قرون) جزءاً لا يتجزأ من الممالك الأرمنية، ويؤكد على ذلك مؤلفات المؤرخين من العصور القديمة أمثال (سترابون، بلينيوس الأكبر، كلاوديوس بطليموس، بلوتاركوس، وديون كاسيوس)، بالإضافة إلى إثباتات مختلفة لشهادات تاريخية وثقافية للوجود الأرمني (من كنائس وآثار ومقابر وغيرها).
أعلنت كل من أرمينيا وجورجيا وأذربيجان استقلالها في عام 1918 بعد انهيار الامبراطورية الروسية. وكان لكاراباخ الجبلية الوضع السيادي بحكم الواقع بين عامي 1918 و1920، كون غالبية سكانها من الأرمن، بنسبة حوالي (95 %) .
وبدأت أذربيجان آنذاك بالمطالبة بهذا الإقليم، وحاولت أن تستولي عليه بالقوة. وقامت بارتكاب مجازر وجرائم عديدة بحق الأرمن ابتداءاً من مايو 1918 حتى ابريل 1920، حيث قتل حوالي 20 ألف أرمني فقط في مارس 1920، وجرى تهجير 20 ألف آخرين من شوشي، عاصمة كاراباخ آنذاك، وتم التأكيد على عدم شرعية تلك الأعمال من قبل عصبة الأمم والتي رفضت بدورها مناشدة أذربيجان للحصول على العضوية بسبب استحالة تحديد حدودها.
وبعد أن أضحت جمهوريات القوقاز تحت إمرة الاتحاد السوفياتي فتح أمام قادة أذربيجان الضوء الأخضر لاحتلال أرتساخ (كاراباخ). وقرر المكتب القوقازي للحزب الشيوعي الروسي، تحت ضغط مارسه جوزيف ستالين، في الخامس من تموز عام 1921 تسليم كاراباخ إلى أذربيجان.
ومن الجدير بالذكر أن هذا المكتب لم يكن لديه سلطة اتخاذ القرارات على صعيد النزاعات الاقليمية بين الدول الأخرى، خاصة وأن اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية لم تتشكل بعد، كما أن أرمينيا وأذربيجان كانتا جمهوريتان مستقلتان قانونياً.
لقد تمادت باكو بعد انتهاء مخططها الاستعماري. وعلى الرغم من أن المكتب القوقازي للحزب الشيوعي كان قد خطط لإنشاء إقليم حكم ذاتي في كافة مناطق كاراباخ الجبلية، إلا أن جزءاً من هذه الأراضي فقط أدرج في إقليم كاراباخ الجبلية ذات الحكم الذاتي. ونتيجة لذلك تحولت إلى مقاطعة، وحرمت من حدودها العام مع أرمينيا.
حاولت السلطات في أذربيجان خلال الحقبة السوفياتية أن تعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة، وذلك عبر تطهير عرقي أو مصادرة وتدمير التراث الثقافي الأرمني والآثار الأرمنية. ولقد اعترف الرئيس الأذري السابق حيدر علييف في إحدى المقابلات أنه بذل قصارى جهده من أجل تغيير ديموغرافية كاراباخ الجبلية لصالح أذربيجان. وفي الواقع، بلغت في عام 1921 نسبة عدد السكان الأرمن 94,4%، إلا أنها لم تتجاوز 76.9 % في عام 1989.
لم يتأقلم شعب أرتساخ أبداً مع سياسة السلطات الأذرية في منعهم من حقهم في تقرير مصيرهم، ولقد عرضوا قضيتهم مراراً وتكراراً على السلطات السوفياتية المركزية، حيث تم إرسال عرائض والعديد من الطلبات إلى موسكو للطلب في إعادة النظر في القرار الذي صدر عام 1921، وضم أرتساخ إلى أرمينيا.
لقد قدمت سياسة البيريسترويكا التي أطلقها ميخائيل غورباتشوف عام 1985 فرصة ملائمة لإعادة فتح القضية، حيث قامت الحركة الشعبية لضم كاراباخ الجبلية الى أرمينيا بتوسيع نطاقها في عام 1988، وناضلت في سبيل الحصول على حق تقرير المصير والتخلّص من حكم القيادة الأذرية، من أجل #التحرير والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات الأساسية.
وفي العشرين من شهر فبراير عام 1988، أصدر مجلس ممثلي شعب كاراباخ، #البرلمان المحلي، قراراً يطالب به السلطات السوفياتية بضم إقليم كاراباخ الجبلي ذات الحكم الذاتي إلى أرمينيا.
وجاءت ردة فعل أذربيجان السوفياتية بطريقة فجائية، حيث اندلعت موجة جديدة من سياسة التطهير العرقي ضد الأرمن في كل من أرتساخ والأماكن ذات الغالبية الأرمنية في أذربيجان. وفي فبراير 1988 شهدت مدينة سومغاييت مجزرة قتل فيها عشرات الضحايا، وسرعان ما انتقلت هذه الأحداث إلى العاصمة باكو، وكيروفاباد ومدن وقرى أخرى، حيث تم قتل مئات الأرمن في هذه المذابح، وأدى إلى هروب أكثر من 400 ألف شخص ولجوئهم إلى أرمينيا وروسيا والجمهوريات السوفياتية الأخرى.
الجوانب القانونية
في 3 ابريل 1990 أقر قانون جديد في الاتحاد السوفياتي يعطي الحق للكيانات المستقلة والمجموعات العرقية المدمجة في الجمهوريات السوفياتية لتقرر بحرية وضعها القانوني في حال الانفصال عن منظومة اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية. وبعد إعلان استقلال أذربيجان السوفيتية في 30 اغسطس 1991، بادرت كاراباخ الجبلية الى إجراءات قانونية مماثلة بإعلان استقلالها، وفي 10 ديسمبر 1991 جرى في كاراباخ الجبلية استفتاء عام، صوّت سكانها بأغلبية ساحقة (أكثر من 99%) لصالح الاستقلال بحضور مراقبين دوليين.
جرى الاستفتاء حين كانت كاراباخ الجبلية جزءاً من اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية وبشكل يتوافق تماماً مع الدستور السوفياتي. ومنطقياً، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تشكل كيان دولتين على أراضي جمهورية أذربيجان السوفياتية الاشتراكية هما: جمهورية كاراباخ الجبلية وجمهورية أذربيجان.
وخلال السنوات، تبنى #البرلمان الأوروبي عدة قرارات تدعم نضال حق تقرير مصير كاراباخ الجبلية. وتم التشديد في القرار الذي صدر في 21 يونيو 1999 على أن “إقليم كاراباخ الجبلية ذات الحكم الذاتي أعلن استقلاله في أيلول 1991، بعد إعلانات مماثلة قامت بها الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي”.
إن حق تقرير المصير للشعوب هو مبدأ أساسي منصوص عليه في ميثاق منظمة الأمم المتحدة ومثبت في العديد من المواثيق الدولية الأساسية. لقد حاولت باكو تقديم القضية على أنها نزاع إقليمي بين أرمينيا وأذربيجان، في ظل غياب أية حجة قانونية ضد استقلال كاراباخ الجبلية.
النزاع وعملية التسوية السلمية
وبسرعة، تحولت التصفية العرقية التي نفذتها السلطات الأذرية على الأراضي ذات الغالبية الأرمنية في كاراباخ الجبلية والمحيطة بها الى عمليات عسكرية واسعة النطاق، وأسفرت عن عشرات الآلاف من الضحايا ودمار كبير. كانت أذربيجان تستخدم في هذه الحرب مرتزقة لهم اتصالات قوية مع المنظمات الإرهابية المشينة، وبشكل أساسي من الأفغان والشيشان.
لم يخفى على المجتمع الدولي تلك الانتهاكات للقانون الدولي، حيث أدان الكونغرس الأمريكي بين الأعوام 1988-1991 عدة مرات العنف ضد السكان المدنيين الأرمن من قبل أذربيجان. والأكثر من ذلك، وافق في عام 1992 على البند 907 من معاهدة دعم الحريات، الذي ينص على الحدّ من دعم الولايات المتحدة الأمريكية لأذربيجان، في إشارة الى سياسة العنف الذي تمارسها أذربيجان، وحصار أرمينيا وكاراباخ الجبلية.
في عام 1993، وافق مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة على أربعة قرارات، ودعا الأطراف المعنية، بما فيها مشاركة كاراباخ الجبلية، الى وقف العمليات العسكرية وفتح قنوات التواصل، وإعادة بدء مفاوضات السلام.
رداً على ذلك، رفعت أذربيجان من وتيرة الهجمات العسكرية. لكن ميزان القوى لم يرجح لصالحها في ميدان القتال، ولم يكن لأذربيجان أي خيار آخر سوى طلب وقف اطلاق النار من كاراباخ الجبلية.
في مايو 1994، تم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار بين كاراباخ الجبلية وأذربيجان، وانضمت إليه أرمينيا أيضاً. وفي فبراير 1995، تم التوقيع على اتفاق ثلاثي جديد حول تعزيز وقف اطلاق النار، إلا أن أذربيجان تخرق باستمرار تلك الاتفاقيتين.
منذ منتصف التسعينيات، يتم تحقيق مفاوضات السلام بوساطة فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، رؤساء مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
في بداية المرحلة كانت مفاوضات السلام تضم ثلاثة أطراف: أرمينيا وأذربيجان وكاراباخ الجبلية. لكن في نهاية التسعينيات خرقت أذربيجان الحوار مع كاراباخ الجبلية. وبهدف الحفاظ على عملية السلام استمرت أرمينيا بالمفاوضات لاقتناعها بأن كاراباخ الجبلية على الأكيد ستنضم لاحقاً.
في الحقيقة، من المستحيل الوصول إلى التسوية الدائمة دون مشاركة كاراباخ الجبلية، والرؤساء المشاركون في المجموعة يشاطرون هذا الرأي.
إن رؤساء مجموعة مينسك لا يوفرون جهداً في تنظيم مفاوضات دورية على مستوى رفيع، وزيارات الى باكو واستيباناكيرت ويريفان. ولكن جهودهم المبذولة باتجاه السلام، لا تعطي أية نتائج، لأنه يتم إفشالها من قبل أذربيجان.
في عام 2001 اقتربت الأطراف المفاوضة في باريس الى تسوية النزاع، لكن للأسف، رئيس أذربيجان حينها ووالد الرئيس الحالي حيدر علييف تراجع عن الاتفاقات التي أحرزت في العاصمة الفرنسية.
المبادئ الأساسية
لقد قدم الرؤساء المشاركون خلال المجلس الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في مدريد في شهر تشرين الثاني من عام 2007 المبادئ الأساسية لتسوية نزاع كاراباخ الجبلية، والذي أصبح يعرف لاحقاً باسم “مبادئ مدريد”.
رفضت جمهورية أذربيجان في البداية علناً حتى وجود الاقتراحات التي قدمت في مدريد، وسعت باكو لاحقاً إلى تزييف جوهر الوثيقة وتحريف مضمون عملية السلام، مما أجبر رؤساء البلدان الثلاث على تعميم المبادئ الأساسية التي تضمنتها وثيقة مدريد، والتي تنص على المبادئ الأساسية الثلاثة من القانون الدولي، وهي: عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة، حق الشعوب في تقرير مصيرها، ووحدة الأراضي.
وتم نشر العناصر الرئيسية للمقترحات وهي: تحديد الوضع القانوني النهائي لكاراباخ الجبلية من خلال التعبير القانوني الملزم لإرادة سكان كاراباخ الجبلية، وتحديد وضعاً وسطياً لكاراباخ الجبلية حتى تنظيم التعبير الحر عن إرادة الشعب، وضمانات أمنية متعددة بما في ذلك عملية حفظ السلام حول كاراباخ الجبلية، وإعادة الأراضي المحيطة بكاراباخ الجبلية، وتحديد ممر يربط كاراباخ الجبلية بأرمينيا، وحق عودة جميع اللاجئين والمهجرين داخلياً إلى أماكن إقامتهم السابقة.
لقد رفضت أذربيجان كل المقترحات المقدمة من قبل الرؤساء الثلاثة، ليس فقط من أجل سعيها وراء تغيير جوهر عملية التفاوض، بل لتشويه طبيعة الصراع في مختلف المحافل الدولية، وتضليل المجتمع الدولي دون تردد، وذلك من خلال تقديم عواقب الصراع على أنها الأسباب المؤدية إليه.
أعلن رؤساء مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في قمة آستانا في عام 2010 أن “هذه العناصر المقترحة قد صممت كوحدة متكاملة وأي محاولة لاختيار عنصر دون الآخر من شأنها أن تجعل الوصول إلى الحل مستحيلاً”.
وساهم الرئيس الروسي السابق ديميتري ميدفيديف إلى حد كبير في عملية السلام من عام 2008 إلى عام 2011، فقد نظم جملة من المفاوضات الثلاثية بمشاركة رؤساء روسيا وأرمينيا وأذربيجان، حيث اعتمدت الأطراف أربعة بيانات. اعتمد رؤساء الدول الثلاثة خمسة بيانات لدعم الجهود المبذولة من أجل التسوية السلمية. ولقد تم اعتماد بيانات بشأن تسوية نزاع كاراباخ الجبلية ضمن إطار القمم في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي ومؤتمرات القمة الوزارية لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
رحبت أرمينيا بكل هذه البيانات، وأعربت عن استعدادها لتسوية النزاع اعتماداً على المقترحات الواردة في تلك البيانات. ولكن أذربيجان لم ترفض فقط تأييد هذه البيانات، إنما رفضت أيضاً كافة خيارات المبادئ الأساسية لتسوية نزاع كاراباخ الجبلية المقترحة من قبل رؤساء مجموعة مينسك، بما في ذلك المقترحات المقدمة في مؤتمرات القمة في كل من سانت بطرسبورغ (يونيو 2010)، استراخان (اكتوبر 2010)، سوتشي (مارس 2011) وكازان (يونيو 2011).
إن مشاركتنا في اجتماع كازان، الذي نظمه الرئيس ميدفيديف بدعم من الرئيسين أوباما وساركوزي، جاءت ضمن أجواء إيجابية، على أمل أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق بشأن المبادئ الأساسية. ولقد استخدم كل من الرئيسين الأمريكي والفرنسي سلطتهما للإعراب عن دعمهما للقاء المذكور.
قبل اللقاء، صرح الرئيس الأرمني سيرج سركيسيان خلال خطابه في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في ستراسبورغ، أنه من الممكن الحصول على نتائج إيجابية إذا لم تقترح أذربيجان تعديلات جديدة. لكن مرة أخرى لم يبلغ مؤتمر كازان الذروة رغم الآمال المرجوة. حيث تراجعت أذربيجان في اللحظة الأخيرة، واقترحت عشرة نقاط جديدة كتعديل على النص المتفق عليه. وقد كان هذا تكراراً للسيناريو المتداول في اللقاءات السابقة.
أعقاب مؤتمر قمة كازان
لقد أعقب قمة كازان عامان متتاليان من الجمود في عملية السلام، حيث تم إفشال المفاوضات وزعزعة الوضع في ميدان النزاع بسبب موقف أذربيجان الغير بنّاء، مما أدى إلى مضاعفة انتهاكات وقف إطلاق النار من قبل أذربيجان، وكذلك الأعمال الاستفزازية على خط التماس بين كاراباخ الجبلية وأذربيجان، والحدود بين أرمينيا وأذربيجان.
ويتمتع الرؤساء الثلاث بتفويض دولي لتسهيل عملية السلام، ولحفظ نظام وقف اطلاق النار وتعزيزه، واقترحوا عدداً من التدابير المتعلقة بتعزيز الثقة والأمن، من أجل نظام وقف إطلاق النار، وانسحاب القناصة من خط التماس، وإنشاء آلية للتحقيق في حوادث انتهاكات نظام وقف إطلاق النار.
وقد حظيت كل هذه المقترحات بالتأييد من قبل عدد من المنظمات الدولية الرئيسية فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة. وتم قبولها من قبل أرمينيا وكاراباخ الجبلية، إلا أن هذه المقترحات تم رفضها من قبل باكو.
رفضت أذربيجان أيضاً ما تم الاتفاق عليه من قبل الرئيس علييف من أجل إنشاء آلية للتحقيق، (الذي صدر في بيانات مؤتمر سوتشي في الخامس من مارس عام 2011 والثالث والعشرين من يناير 2012 )، حتى أن أذربيجان هددت باستخدام حق النقض ضد الميزانية الكاملة لمنظمة الأمن والتعاون لعام 2012، إذا تم تخصيص أي تمويل لإنشاء هذا النوع من آلية التحقيق.
وبقيت أرمينيا داعمة لتنفيذ تدابير تعزيز وبناء الثقة والأمن، فنحن نؤمن بأن هذه التدابير ستساعد على خلق ظروف مواتية للتفاوض، لكن أذربيجان لها وجهة نظر معاكسة لكل ذلك، ولن توافق على تنفيذ هذه التدابير ما لم يتم إحراز تقدم في موضوع التسوية. وكل هذا لا معنى له، لأن من الواضح أنه إذا تمكننا من التوصل إلى حل لن تكون هناك حاجة لهذه التدابير، ولأنه من دون الثقة المتبادلة بين الطرفين لا يوجد حل ممكن.
أرمينوفوبيا في أذربيجان
تشجع باكو علناً الكراهية ضد الأرمن، حيث أعلن الرئيس الأذري أن الأرمن في جميع أنحاء العالم هم “العدو الأول” لأذربيجان. ووصلت حملات الترويج المعادية للأرمن إلى ذروتها مع بدء قضية سافاروف، حيث قتل هذا الجندي الأذري ضابطاً أرمنياً بالفأس وهو نائم في عام 2004 خلال دورة تدريبية تقيمها الناتو في المجر، وذلك فقط بسبب الهوية القومية.
لقد تمت إدانته في المجر حيث سجن لفترة ثم تم ترحيله في عام 2012، وبعد عودته الى أذربيجان، على الفور تم الإعفاء عنه وتكريمه، وجعلت منه القيادة الأذرية رمزاً للفخر القومي ومثالاً لجيل الشباب لمتابعة أفعاله، فكسب بذلك استنكار العالم بأسره.
لقد شدد مجلس المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان على أن “تمجيد وتكريم مثل هذا الشخص يتناقض مع كل المعايير المنصوصة حول حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون”. كما أعرب رئيس #البرلمان الأوروبي ورئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا عن قلقهما أيضاً. وصرح المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه “يجب إدانة وشجب هكذا نوع من الجرائم الخطيرة القائمة على الكره ذات الدوافع العرقية، وإلزامها بالعقوبة المناسبة، وليس تكريمها علناً”.
مع ذلك لا تزال السلطات في باكو تصر رغم هذه التحذيرات على أن ما فعلته “هو أمر ممتاز وصحيح”، وتتجرأ لانتقاد موقف المجتمع الدولي بحدة.
لقد تم استئناف الحوار على مستوى رفيع بين الرئيسين الأرميني والأذري في فيينا في شهر نوفمبر من عام 2013 وذلك بفضل جهود الرؤساء الثلاث، بعد فترة من “قضية سافاروف” المشينة، حيث كان هناك أمل أن تسجل المفاوضات تقدماً. إلا أن هذه التوقعات لم تتحقق مرة أخرى، وذلك لما فعلته أذربيجان لزعزعة الوضع في منطقة النزاع، حيث قام الجانب الأذري بعدة هجمات مما أدى إلى سقوط ضحايا عديدة، وزاد التوتر في منطقة النزاع على نحو كبير.
وتم القبض على مزارع أرمني ضلّ طريقه وأصبح في الأراضي الأذرية، فاعتقل، وقاموا بإذلاله وتعذيبه أمام كاميرات التلفزيون وأعدموه في اليوم التالي بأسلوب تستخدمه المنظمات الإرهابية.
يتعرض الصحفيون والناشطون في المجتمعات المدنية والمثقفون للاضطهاد والملاحقة في أذربيجان، ويتهمون بأنهم “جواسيس أرمينيا” أو”أعداء الأمة”، لمجرد دفاعهم عن السلام والمصالحة. فقد تم ملاحقة الكاتب الأذري أكرم أيليسلي لنشر روايته التي يتكلم فيها عن المذابح ضد الأرمن في باكو وسومغاييت. وتم حرق كتبه علناً مما اضطره الى مغادرة البلاد بسبب التهديدات الكثيرة على حياته.
وأصبح الرهاب من أرمينيا (أرمينوفوبيا) يحتل مكانه في الحياة السياسية في أذربيجان. وصار كل من يتمتع بالجرأة الكافية ويعارض السياسة الرسمية يختفي بسرعة من الساحة. وقد وصلت الأساليب المستخدمة من قبل أذربيجان لتشويه التاريخ والحملات الترويجية إلى درجة عالية من النفاق حيث تزعم أن أرمينيا ومدينة يريفان القائمة منذ آلاف السنين هي أراضي أذرية منذ القدم.
في العصر الذي يعتبر فيه حماية وتعزيز حقوق الإنسان مفاهيم أساسية، يجب الإدانة بشدة وجرأة التعصب تجاه قيم الحضارات الأخرى، والتدمير المنهجي للتراث الثقافي والديني على أنها بنفس مستوى العنف الممارس ضد الناس.
إن التدمير المنهجي للعديد من الروائع المعمارية والمواقع المقدسة بما في ذلك التدمير الذي حصل في ناخيتشيفان في الأعوام 1998 – 2005 لآلاف الصلبان الحجرية المنحوتة بدقة من قبل الفنانين الأرمن والذي يعود تاريخها الى ما بين القرنين التاسع والسادس عشر، يعتبر دليلاً حياً على هذه الجرائم.
فقد تم تحطيم آلاف المنحوتات من المقابر الأرمنية التي تعود الى القرون الوسطى بأوامر من الحكومة الأذرية، وتحولت هذه المساحة إلى قاعدة عسكرية.
لقد أدان قرار المجلس الدولي السادس عشر للجمعية العامة للآثار والمواقع هذا التخريب بشدة، قائلاً “لم يعد ممكناً نقل هذا التراث الذي كان له مكانة مرموقة بين كنوز التراث العالمي إلى الأجيال القادمة”.
وقامت منظمات دولية عديدة بالتحذير من الحوادث العنصرية الفظيعة وحالات التعصب وانتهاك حقوق الإنسان وسياسة الكراهية ضد الأرمن في أذربيجان.
أشارت اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب بقلق بالغ في تقريرها عن أذربيجان بشأن “العبارات السلبية الموجهة دائماً إلى جمهورية أرمينيا من قبل الأوساط الرسمية والإعلامية”. وأوصت الحكومة الأذرية أن “تتبنى رداً مناسباً لجميع حالات التمييز وخطاب الكراهية ضد الأرمن”.
ورداً على ذلك، قامت باكو بتنظيم مؤتمر مزيّف عن التسامح والحريات سعياً منها لفرض مفاهيمها المشوهة عن حقوق الإنسان على الآخرين.
بما أن أذربيجان تملك تجرية غنية في الفساد على المستوى الداخلي، فهي تسعى إلى نقل هذه “القدرات” إلى أوساط العلاقات الحكومية، حيث تسعى مجموعات الضغط في العواصم الأجنبية والمنظمات الدولية إلى تبرير سياسة أذربيجان العدوانية.
أذربيجان، تهديد للأمن الإقليمي
لقد قام الرؤساء الثلاث لمجموعة مينسك –الرئيس الروسي في سوتشي (اغسطس 2014)، ووزير خارجية الولايات الأمريكية المتحدة في نيوبورت (سبتمبر 2014)، ورئيس فرنسا في باريس (اكتوبر 2014)- بتنظيم قمة رفيعة المستوى بمشاركة رؤساء أرمينيا وأذربيجان لتذليل التوتر ولهدف منع تصعيد الوضع لاحقاً. رفضت أذربيجان مرة أخرى اقتراحات فرانسوا هولاند حول “تدابير بناء الثقة” في قمة باريس.
بعد تلك اللقاءات مباشرة، بدأت قيادة أذربيجان موجة جديدة معادية للأرمن. وصرح وزير الدفاع الأذري من جديد أن بلاده ستحل قضية كاراباخ الجبلية من خلال وسائل عسكرية متفاخراً بزيادة 27 بالمئة من ميزانية أذربيجان العسكرية، حيث تصل الى 4.8 مليار دولار في عام 2015، أكثر بثلاثين مرة من ميزانية عام 2003، حين خلف إلهام علييف قيادة الدولة بعد والده.
وآخر استفزاز جرى في نوفمبر 2014 حين أسقطت القوات الأذرية طائرة مروحية من جيش الدفاع في كاراباخ الجبلية أثناء التدريبات، وقتل ثلاثة جنود شباب. وأبقى الأذريون موقع إسقاط الطائرة تحت النار مدة عشرة أيام، لعرقلة وصول ممثلي منظمة الأمن والتعاون الأوروبي واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى الموقع. كما رفض طلب رؤساء مجموعة مينسك في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي لفتح ممر إنساني بهدف ترحيل جثامين أعضاء الطاقم.
واضطر جيش الدفاع في كاراباخ الجبلية لتنفيذ عملية نوعية من أجل إخراج جثامين الضحايا، ودخل بذلك في مواجهة لانتهاك سافر لحقوق الإنسان الدولية.
تستمر باكو في معارضة المجتمع الدولي ومجموعة مينسك. فهي لا تتجاهل فقط دعوات تنفيذ تدابير تعزيز الثقة، بل وتعمل ضدها، وبذا تتحمل كامل المسؤولية لتصعيد النزاع.
لقد قامت أذربيجان بكل السبل خلال الأعوام العشرين من أجل تقويض نظام وقف إطلاق النار. فقد أسفرت العمليات العسكرية الجارية على طول خط التماس وعلى الحدود بين أرمينيا وأذربيجان إلى عدد كبير من الضحايا البشرية وتصعيد عنيف للتوتر.
إن تصريحات القيادة في باكو وخطواتها تؤكد أن أذربيجان باتت تمثل خطراً جدياً للأمن والاستقرار في جنوب القوقاز. فهذا البلد فقد شعوره بالواقع، ويبذل قصارى جهده من أجل تقويض مفاوضات السلام. ولهذا رغم جهود رؤساء الدول الثلاث خلال الأعوام الستة الماضية، (حوالي عشرين قمة، وبضعة عشرات من اللقاءات على مستوى الوزراء، وزيارات قام بها الرؤساء إلى المنطقة)، فإنه لم يسجل أي انفراج في عملية المفاوضات.
إن الجانب الأذري يقوم بحملة تنال من هيبة رؤساء مجموعة مينسك. فهو ينتقد باستمرار الممثل الشخصي لرئيس منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، الذي يحاول مع فريقه عدم السماح بأي توتر للأوضاع في المنطقة.
ويحاول المسؤولون الأذريون نقل عملية التسوية من إطار مجموعة مينسك لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي إلى محافل مختلفة.
في الحقيقة، سلطات باكو ليست مهتمة بأي شيء سوى مصالحها الأحادية. وهذا ما يفسر تقويضها عمداً للقمم التي جرت في سانت بيترسبورغ في يونيو عام 2010، وأسترخان في اكتوبر عام 2010، وسوتشي في مارس 2011، وكازان في يونيو 2011.
ترفض أرمينيا هذا النهج، وتعتبر، كما يعتبر الرؤساء الثلاث، أن أية مناورات لتأجيل عملية المفاوضات التي تهدف إلى الوصول لاتفاق حول المبادئ الأساسية غير مقبولة.
هل يمكن التسوية؟
نحن مقتنعون بأن المبادئ والعناصر المطروحة في بيانات رؤساء الدول الثلاث خلال الست سنوات الماضية ممكن أن تشكل بنية أساسية لتسوية النزاع بشكل عادل وطويل المدى.
نحن نشاطر الموقف الذي يؤول الى أنه ينبغي تهيئة الشعوب للسلام وليس للحرب. للأسف، حتى يومنا هذا، القيادة في أذربيجان تفعل العكس تماماً.
ورداً على دعوات رؤساء الدول المشاركة، تقوم أرمينيا خلافاً لأذربيجان، بالتأكيد مراراً على إخلاصها لمبادئ القانون الدولي
نحن متفقون بشكل كلي مع الرؤساء المشاركين على أن استخدام العنف لن يحل النزاع، وإنما يمكن الوصول الى الاستقرار والسلام فقط عبر التفاوض، الذي سيعطي فرصاً جديدة للتعاون الإقليمي والتطور.
كلما أدركت القيادة الأذرية هذه الحقيقة بسرعة، كلما اقتربت تسوية النزاع أكثر. حين تتخلص أذربيجان من أوهامها، وحين تدرك أنها عندما توجه الموارد النفطية لحفظ التوتر العسكري لا يمكنها أن تصل الى تسوية تتوافق مع مصالحها، حينها سيكون التقدم في عملية السلام مرئياً أكثر. أرمينيا لن توفر جهداً لتحقيق تسوية للنزاع، إنما فقط عبر الوسائل السلمية.