متصرفية جبل لبنان هو نظام حكم أقرته الدولة العثمانية وعُمل به من عام 1861 وحتى عام 1918، وقد جعل هذا النظام جبل لبنان منفصلاً من الناحية الإدارية عن باقي بلاد الشام، تحت حكم متصرف أجنبي مسيحي كاثوليكي عثماني غير تركي وغير لبناني (غالبا ما كان يكون إما أرمنيا أو يونانيا) تعينه الدولة العثمانية بموافقة الدول الأوروبية العظمى الست آنذاك (بريطانيا وفرنسا وبروسيا وروسيا والنمسا وإيطاليا) والتي ضغطت على الباب العالي لتحقيق شكل من أشكال الاستقلال الذاتي لجبل لبنان. وقد استمر هذا النظام حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وإعلان الانتداب الفرنسي.
جاء هذا النظام في عهد التنظيمات الإدارية التي بدأها السلطان عبد المجيد الأول في محاولة لانتشال الدولة العثمانية مما كانت تتخبط فيه من المشاكل الداخلية، وقد أقرّ بعد الفتنة الطائفية الكبرى لعام 1860 وما نجم عنها من مذابح مؤلمة في جبل لبنان ودمشق وسهل البقاع وجبل عامل بين المسلمين والمسيحيين عمومًا، والدروز والموارنة خصوصًا؛ ما استدعى الدول الأوروبية للتدخل والضغط على السلطان بشكل يحمي حقوق الأقليات المسيحية العربية في تلك منطقة كانت غالبا ما تشهد مناوشات في الأطراف المتنازعة بسبب الخلافات الدينية والإيديولوجية.
تميز عهد المتصرفية بانتشار الوعي والعلم والثقافة بين اللبنانيين، وذلك لأسباب عديدة منها: انتشار المدارس في جميع القرى والبلدات والمدن، وافتتاح جامعتين كبيرتين ما تزالان من أقدم جامعات الشرق الأوسط وأعرقها، ألا وهي الكليّة السورية الإنجيلية، التي أصبحت الجامعة الأمريكية في بيروت، وجامعة القديس يوسف. كذلك تميز عهد المتصرفية ببداية الهجرة اللبنانية إلى مصر ودول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية والجنوبية، حيث أصاب عدد من المهاجرين نجاحًا كبيرًا لم يعرفه في وطنه الأم، وقد ساهم كثير من هؤلاء المهاجرين بإحياء اللغة العربية والأدب العربي بعد جمود استمر سنين طويلة، وساهموا في إذكاء الروح القومية العربية والوعي السياسي لدى العرب سواء في لبنان أو في دول الجوار.