21800.jpg

مجموعات موالية لأردوغان: يجب تهجير الأرمن من جديد

مجموعات موالية لأردوغان: يجب تهجير الأرمن من جديد

الكاتب والصحفي التركي أرمني الأصل هرانت دينك، الذي قضى نحبه على يد شاب تركي قومي في 2007 كان يؤكد أن العنوان الصحيح لتسوية قضية الإبادة الجماعية التي تعرضت لها الطائفة الأرمنية في أواخر العهد العثماني هو الأراضي التي وقعت عليها تلك الجريمة، ومجلس الأمة التركي، لا مشاريع قانون الاعتراف بهذه الإبادة التي تعدها البرلمانات الأجنبية، وذلك بناء على الأمل الذي بعثه التغيير السياسي الحادث في بدايات الألفية الثالثة وعملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. فهو كان يأمل ويعتقد بأن تركيا قادرة على إجراء التغيير اللازم من أجل حل مشكلتها اعتمادًا على مقوماتها الذاتية.

إلا أن النقطة التي وصلنا إليها اليوم مختلفة تمامًا عن تلك السنوات. فمع أن قرار مجلس النواب الأميركي الذي وصف عملية تهجير الأرمن عام 1915 بـ”الإبادة الجماعية“، أزعج تركيا كثيرًا، لكنها لم تتنمر كما كانت تفعل سابقًا بل حاولت كتمان غضبها تجاه الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنها قالت “يجب ترك هذا الموضوع لعلماء التاريخ”، إلا أنها أسندت مهمة الهجوم إلى مجموعات موالية لها.

أحدثُ مثال على ذلك أن مجموعة تدعى “المحامون القوميون في إسطنبول” قامت بالترحيب بإبادة الأرمن عام 1915 في نشرتها الشهرية، ونشرت مقالاً يهدد الأرمن بالتهجير مرة أخرى.

بيان المجموعة حمل عنوان “نساند اليوم تهجير الأرمن في 1915 كما ساندنا أمس”، وقال إن “التهجير” يجب تطبيقه على الذين لا يزالون يصفونه بـ”الإبادة” باعتباره “أدنى تدبير” في هذا الصدد.

هل يمكن أن يكون المحامي قوميا؟ وهل يمكن أن يهدد أي اتحاد محامين طائفة من الناس بالتهجير كأخفّ تدبير أو عقوبة؟ أليس المحامي هو الشخص الذي يحمل الصفات القانونية التي تخوله للقيام بإرشاد الراغبين في قضايا الحق والتظلم والإجراءات الرسمية، والبحث عن حقوق الآخرين لدى السلطات والهيئات الرسمية وحمايتها؟ هل المحامي هو الغيستابو / البوليس السري؟

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار الواقع التركي فإنه يمكن لنا أن نرد على كل هذه الأسئلة بـ”نعم”.

هذا البيان الإجرامي الصادر من مجموعة المحامين القومية ليس الأول من نوعه؛ فبعدما قام بعض المحامين الذين جاءوا إلى المنصة في الجمعية العامة العادية لرابطة المحامين في إزمير 2016-2018 بإحياء ذكرى مقتل رئيس نقابة المحامين في ديار بكر ذات الأغلبية الكردية طاهر ألجي، كان يوسف أوزمن، وهو من المحامين القوميين، صعد المنصة وقال: “الزموا حدودكم، فهذا منصة المحامين. من أنتم حتى تتجرؤوا على الحديث عن طاهر ألجي في هذه المنصة؟ من هو طاهر ألجي؟ هل هو محامٍ أم إرهابي انفصالي؟ هذه المنصة ليست مكانًا يمكن للانفصاليين أن يقولوا كلمتهم. الذين يرغبون في بثّ أفكار انفصالية عليهم أن يذهبوا إلى ديار بكر. طاهر ألجي ليس شهيدَ الوظيفة ولا من زملائنا”.

وكذلك ظهر المحامون القوميون أنفسهم في الجمعية العامة العادية الـ65 لنقابة المحامين في أنقرة في أكتوبر 2018، وعملوا إشارة “الذئب الأغبر” الخاصة بالقوميين الأتراك، بالإضافة إلى أنهم لم يترددوا في إظهار السلاح الذي كان بحوزتهم. كما شنّوا هجومًا على مجموعة المحامين الليبراليين المعاصرين الذين كانوا شاركوا في الجمعية العامة ذاتها التي احتج فيها المحامون الليبراليون على وصف قادة الحركة الطلابية اليسارية من أمثال دنيز جيزميش، ويوسف أصلان، وحسين إنان الذين تم إعدامهم في مايو عام 1972 بـ”الإرهاب”، وقالوا: “إنهم ناضلوا ضد الإمبريالية.. عاشت الأخوة بين الشعبين الكردي والتركي”. عندها أطلق المحامون القوميون هتافات قومية مناهضة لحزب العمال الكردستاني وضربوا المحامين الآخرين أمام أعين أفراد الأمن.

وإذا أصبحت لديكم فكرة عن هؤلاء المحامين القوميين، فيمكننا المتابعة والحديث في البيان المكون من ست نقاط الذي وصفه المحامي القومي مصطفى شاليك بـ”بيان التهجير”.

1) “نتمنى الرحمة لجميع الشهداء الذين فقدوا أرواحهم أثناء المذابح التي مارسها الأرمن على الأتراك والسعادة الأبدية لهم في الجنة الأعلى”.

(هناك تراجع كبير في قضية الاعتراف بأحداث 1915 التي تعرض لها الأرمن، إذ كانت البيانات القديمة تبدأ بتقديم العزاء للأرمن الذين لقوا حتفهم في عام 1915 ولو كان رياءً، أما اليوم فنرى أن الأمر انقلب رأسًا على عقب).

2) “ننحني بالاحترام أمام جميع أعضاء جمعية الاتحاد والترقي، خاصةً الغازي والشهيد الكبير أنور باشا الذي طرح لأول فكرة تهجير الأرمن، والشهيد العظيم طالات باشا الذي نفذ الفكرة، والسيد بهاء الدين شاكر، ونقبَل أياديهم الميمونة”.

(المحامون القوميون الذين يمدحون دائمًا مصطفى كمال أتاتورك عند أردوغان يبدو أنهم لا يعلمون أن أتاتورك كان حاكَمَ هؤلاء الباشوات الذين يزعمون أنهم جديرون بتقبيل أيديهم).

3) “إذا كان تهجير الأرمن جريمة فإن الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها جمعية الاتحاد والترقي عبارة عن منع وقوع الكارثة التي وقعت في البلقان في شرق الأناضول أيضًا”.

(في حين أن المحكمة التي نظرت الدعوى المرفوعة ضد قادة الاتحاد والترقي في 1919، بتهمة سوء إدارة البلاد أثناء الحرب وارتكاب جرائم حرب، اعتبرت هذه الممارسات على الأرمن جريمة، إذ كانت الجرائم المسندة إليهم تتضمن التخطيط لتهجير الأرمن وتطبيق ذلك).

4) “دافع أجدادنا أثناء كارثة الحرب العالمية عن مقدساتهم ووطنهم وشرفهم وعرضهم. والنضال الذي قادوه، بدءًا من ساريكاميش إلى حملة الدردنيل/معركة جناق قلعة ومن تهجير الأرمن إلى حرب الاستقلال شرف لنا وتاج رؤوسنا.. وسوف نحمل بفخر واعتزاز هذا التاج فوق رؤوسنا إلى الأبد”.

(الإبادة الجماعية جريمة ضد الإنسانية ولا بد من الاعتراف بها لمنع تكرارها. وقد وقعت تركيا في 31 يوليو 1951 على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقب عليها، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر عام 1948).

5) كل من يصف “التهجير” بـ”الإبادة الجماعية” يجب عليه أن يعرف جيدًا أننا سنعتبر ذلك عداء مباشرا و”إعلان حرب علنية”.

(الإبادة الجماعية للأرمن معترف بها من قبل العديد من المنظمات الدولية، و29 دولة بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا. وليس من السهولة بمكان إعلان حرب على هذا العدد الكبير من الدول).

6) إذا اقتنعنا بأنه لا توجد وسيلة أخرى للدفاع عن وطننا ووجودنا القومي، فإن أدنى تدبير سنتخذه سيكون التهجير أيضًا مهما كان العنصر الذي يقف أمامنا”.

(المحامون القوميون يقصدون بعبارة “العنصر” مواطني تركيا مثلهم. وإذا كان التهجير أخفّ وأدنى التدابير فتصوروا ما هو الأكبر منه).

وبما أن أرمن تركيا لم يعودوا يرفعون أصواتهم، فإن “المحامين القوميين” يعنون بهذه العبارات الأكراد بأغلب الاحتمال.

لقد جاءت هذه التصريحات في الأيام التي وافقت فيها وزارة العدل على التحقيق مع كل من الرئيس السابق لنقابة المحامين في ديار بكر وأعضاء مجلس إدارتها بسبب البيان الذي أصدروه في 24 أبريل 2018، لتبادر بعد ذلك محكمة باتمان الجزائية إلى فتح تحقيق في حقهم بتهمة “تحريض الشعب على الكراهية والعداء وإهانة مجلس الأمة الأعلى”.

الدولة التي لا تترك التاريخ لعلماء التاريخ تلجأ إلى المحامين القوميين وتأمل أن تستفيد منهم. وإذا كان المحامون يدلون بمثل هذه التصريحات التي ترفض الحقائق التاريخية وتدعو للحرب وتتباهى بالجرائم المرتكبة في الماضي، فأين وكيف سيبحث المظلومون عن سبل لاسترداد حقوقهم المسلوبة وتحقيق العدالة.. وهذا هو الأدهى والأمرّ.

بقلم: ألين أوزينيان
نقلا عن صحيفة آحوال التركية المعارضة

scroll to top