في العام 1915 كان هناك طائر يحلّق خارج السرب…الطائر هو السير هنري مورغنتاو سفير الولايات المتحدة الاميركية في استنبول والسرب هو الماسونية العالمية التي قررت ان على الشعب الارمني ان يكون الجزء الاكبر من وقود المحرقة التي تستعر في جنبات الارض بسبب الحرب العالمية الاولى التي شنها الألمان بتحريض ودعم من الماسونية اليهودية العالمية وجرّوا اليها جماعة الاتحاد والترقي الذين آلت اليهم السلطنة العثمانية بعد انقلابهم الذي أطاح بالسلطان الأحمر عبد الحميد ظلّ الله على الارض، آلت اليهم السلطنة وكل ما فيها من الشعوب المسلمة لمعاونة الالمان في انتزاع النصر، وكان معنى النصر بالنسبة للماسونيين هوعملقة الصناعة الالمانية وايجاد سوق عبودية وتصريف بضائع وعمالة مجانية تمتد من حدود النمسا في الشرق وتصل الى ابعد نقطة مسكونة بعد موسكو.
وما كان من قيصر ألمانيا فيلهالم الثاني إلا أن قرر زيارة السلطنة فزار استامبول والتقى عصابة الاتحاد والترقي وأدّوا له التحية العسكرية الالمانية كونهم اجزاء اساسية في امبراطورية الهوهنزليرون الالمانية المقدسة على الرغم من انه يدرك انه امام حثالات سيؤوا العقيدة وسيؤوا التسليح ومعدوموا الانضباط العسكري وكان يعرف انه يقامر على رقم خاسر ولكن قضي الأمر فلقد وضع يده بيد الماسونية العالمية التي يديرها الماسونيون بمالهم وذهبهم وسيطرتهم المُحكمة على العالم أجمع وألمانيا منه…فانجرف القيصر مع الهرج والمرج وطلب من امهر الصنّاع الألمان صنع ما سمّي بقوص المجد وهو قوص من الذهب الخالص صنعه أمهر الصيّاغ الالمان وهو على شكل غصنين متداخلين من اوراق الغار الذهبية وعلى القوص كتابات تحوي تمجيد لصلاح الدين الايوبي…وطلب القيصر زيارة دمشق بعد زيارة استمبول ليكون له شرف وضع هذا الرمز المصنوع من الذهب الخالص على قبر صلاح الدين…وفعل هذه المراسم في دمشق وضمن حفل مهيب وكان الهدف…حضّ السلطان على اعلان الجهاد المقدس وتوقع القيصر ان اعلان الجهاد المقدس ضد اعداء السلطنة من الفرنسيين والانكليز والروس سيؤدي الى تأليب كل الجيوش المؤلفة من الجنود المسلمين، المنضوية تحت اعلام دول الحلفاء ضد هؤلاء خاصة وان أغلب هذه الجيوش التي تحارب مع الحلفاء هي من مسلمي الهند وباكستان وافغانستان ومصر والسودان والسنغال ومعظم دول افريقيا وكل الوطن العربي وكل مسلمي روسيا فقدّم قيصر المانيا هذه الرشوة على هذا الاساس فتمّ اعلان الجهاد المقدس وانتظر الالمان ومن خلفهم اسياد الماسونية العالمية ولكن لم يحدث شيء ولم يتحرك مسلم واحد ولم يستجب أحد لإعلان الجهاد.
وخطر لقيصر روسيا أن يبحث عن مجد بلاده الضائع فلقد كان ولا زال يعتبر انه الوارث الوحيد لمجد بيزنطه وعاصمتها القسطنطينية فانخرط هو وجيشه في صفوف الحلفاء وبدأ يجتاح بجيشه القوي الجبهات الشرقية للسلطنة.
وانقذ الجنود الارمن وزير الحربية التركي أنور باشا من الوقوع في الاسر فلقد قرر القيصر الروسي ان يتم شوي انور باشا وتناول لحمه مع جنوده الكوزاك…ضمن حفل يتم فيه تبادل انخاب الفودكا ولكن الارمن كسروا الحصار الروسي حول مبنى القيادة التركي وحملوا وزير حربيتهم كالأرنب وهربوا به الى الخطوط الخلفية وانقذوه من حفلة الشواء هذه، وحرموا القيصر من التمتع بها…والجدير بالذكر أنه ولا ارمني واحد خارج مجموعة انقاذ انور باشا سمع أو عرف بهذه الحادثة الرهيبة لولا أن انور باشا وزير الحربية نشرها في مذكراته وقال ان جماعة من الأرمن المقاتلين انقذوه من موت محقق بعد ان كان على بعد خطوة واحدة من الأسر، وأن شرفه العسكري كضابط تركي يمنعه من إخفاء هذه الواقعة أو التستر عليها.
وبالطبع لم يبق ولا ارمني واحد من مجموعة الانقاذ المشار اليها ليحدثنا بالقصة إلا مذكرات أنور باشا، أما هؤلاء الارمن فلقد ماتوا جميعاً بعد أن زجّ بهم في الخطوط المتقدمة.
دخل الجيش الروسي بحجة حماية المسيحيين الارمن، ولكنه وصل متأخراً جداً ففي فان وحدها لم يتم العثور على ارمني واحد على قيد الحياة فلقد كان ارتفاع جثث الشهداء يساوي او يزيد ارتفاع المتاريس والخنادق معاً، وكان دخول قيصر روسيا الحرب بهذا الزخم غير متوقعاً فدبّر الماسونيون للقيصر حفلة مروعة في موسكو فلقد استخدموا البلاشفة بقيادة لينين لسحب البساط من تحت قدمي القيصر وتم اعدامه هو وكل عائلته بطريقة مروعة…ولكن قبل اعدامه ضرب الماسونيون ومعهم الاتحاديون الاخماس بالاسداس…فماذا لو فشلت الثورة البلشفية؟؟؟ سيتحد عبدة الصليب من الارمن مع عبدة الصليب من الروس ويقضون على تركيا…ولذلك لا بد من فعل استباقي وهو ابادة كل الارمن، وبالطبع فلقد استعار الاتراك من رب العالمين ميزة العلم بالغيب وقرروا ان الارمن سيخونون الاتراك وبالتالي يجب ازالتهم من الوجود…وتم قتل 1.5 مليون ارمني لا يعرفون سبب قتلهم وشمل القتل كل الارمن في كل ارجاء السلطنة من اقصى الغرب حيث استامبول الى اقصى الشرق حيث حدود ارمينيا الحالية، حيث لا خيانة حدثت ولا جيوش القيصر بقيت لأنها انسحبت كلها وغادرت الحرب…في هذه الاثناء ادرك اثرياء الارض من الماسون بأن المانيا ستخسر الحرب فسارعوا الى سحب الاموال والذهب وقطعوا التمويل وافرغوا البنوك من كل شيء…وسارعوا الى اغلاق خزنات روتشيلد فقضوا على عصب الصناعة الحربية الالمانية وتوقف كل شيء وصارت الناس تدوس على المارك الالماني في الشوارع لأن قيمته صارت تعادل الصفر المطلق واعطى اليهود اسرار اسلحة التدمير الشامل للإنكليز فتم انتاج ملايين الكالونات من الخردل القيت كلها على الجيش الالماني في الجبهات ففقد هتلر الذي كان يعمل كمقاتل برتبة عريف في جيش القيصر بصره وظل أعمى لشهور طويلة، وبقية القصة معروفة، فلقد صار بقدرة قادر مستشار المانيا وانتقم من اليهود انتقام ما بعده انتقام…ولكنه كان غبياً لأن كل اليهود الفاعلين والمأثرين اخذوا بيوت اموالهم ومصارفهم وصناديق مالهم وذهبهم وألماسهم وهربوا الى اميركا، ولم يبق في المانيا إلا اليهود الذين 90% منهم لا يعرفون ما حدث…ولا يعرفون سبب ابادتهم…وصدقنا يمنعنا من التستر على عدد الضحايا من اليهود في المانيا النازية الذي وصل الى ما يفوق الـ 6.5 مليون ضحيّة…ونعتقد ان الرقم اكثر من ذلك بكثير اذا تم اضافة يهود بولونيا ويهود الخزر والجيتان أو الغجر ويهود اوروبا كلها…
لنعد الى الطائر الذي كان يغرد خارج السرب وهو السفير هنري مورغنتاو فلقد استطاع جمع معلومات هائلة عن الابادة الارمنية بواسطة قناصله المنتشرين في انحاء السلطنة والذين ابرقوا له بتقارير تحوي كل ما حدث للأرمن…والرجل كان خارج السرب لأنه من اصول يهودية ويفترض به ان لا يكون من حارج السرب…كان يهودياً نعم، ولكنه لم يكن ماسونياً ولا صهيونياً بحال من الأحول…وكان بدوره يرفع كل البرقيات الى واشنطن ويستلمها وودرو ويلسون وتتم ارشفتها في البيت الابيض…وتدخل مورغنتاو بشكل شخصي وقابل طلعت باشا ولكن طلعت باشا سخر منه وقال له: اطالب اميركا بكل اموال عقود التأمين على الحياة التي ابرمها الارمن مع شركات اميركية، لأن هؤلاء الارمن ماتوا جميعاً وقتلنا حتى ابنائهم وبالتالي ليس لهم ورثة ومبالغ التأمين على الحياة هي حق مشروع لحكومة تركيا…وتباهى طلعت باشا بعجرفة لا حدود لها عندما قال لطلعت …انهيت القضية الارمنية بثلاثة اشهر في حين لم يتمكن السلطان عبد الحميد من انهائها في ثلاثين سنة.
بعد سقوط السلطنة العثمانية واعتقال كادر الاتحاد والترقي ورميهم في السجن ثم تحريرهم ضمن مهزلة لم يحدث مثلها في التاريخ…
كان وودرو ويلسون رئيساً لعصبة الأمم المتحدة وكان دور اميركا في الرئاسة…وكانت الدراسات حول اعادة الحقوق للدول التي تم الاعتداء عليها من قبل دول المحور وانصاف شعوبها وتعويضها…وتم تفويض وودرو ويلسون كمحكّم في قضية الارمن والاتراك فاقترح الرجل حدوداً لجمهورية أرمينيا آخذاً بعين الاعتبار ضمّ المحافظات التي تحوي نسبة عالية من السكان الارمن الى ارمينيا وعمل طبوغرافيو البيت الابيض خريطة تترجم تحكيم ويلسون وبلغت مساحة ارمينيا وفق هذا التحكيم 150 الف كم مربع ، وتم مهر هذه الخريطة بختم حكومة الولايات المتحدة ووقع عليها ويلسون ووافق عليها اعضاء عصبة الامم ومنهم تركيا … ولكن الماسونية العالمية استخدمت هذه المسألة كورقة ضغط لا غير لإخضاع تركيا وزعيمها الجديد أو ابوها الروحي كمال اتاتورك فنجحت الماسونية العالمية في احكام الطوق حول تركيا فصارت دولة المواجهة الاهم ضد الاتحاد السوفياتي وتم بيع الارمن وقضيتهم بأبخس الاسعار وصارت مساحة ارمينيا 30 الف كم مربع فبلعهاالاتحاد السوفياتي.
والذي لم يتوقعه مورغنتاو هو ان يتم استدعائه الى واشنطن ليكتشف بأنه اقيل من عمله وتمت ايضاً تنحية الرئيس وودرو ويلسون والسبب هو الحركة الماسونية التي كانت تقود اميركا وتطمح لقيادة العالم والتي لم يكن في قاموسها الحد الادنى من الانسانية والنظر بعين الرأفة للشعوب المظلومة ولا يهمها احقاق الحق ولا تطبيق الديمقراطية ولا الحرية…كانت هذه الجماعات التي خلقت الشيوعية كمبدأ سياسي واستخدمته للقضاء على القيصرية تفكر في امكانية تعملق هذا المبدأ السياسي وانتشاره وان تفلت زمام الامور من يدها، وبالتالي لا بد ان تكون لها مواقع تدخل قريبة من الاتحاد السوفياتي، وخلقت له اعداء وقضت على آمال الشعب الارمني وعلى امال كل التحرريين من امثال مورغنتاو وودرو ويلسون ورفعت شعار “الأولوية لمصلحة اميركا وشعبها” وقضت على الحد الادنى من آمال الشعب الارمني ولو على مستوى استعادة جزء بسيط من الارض الارمنية السليبة او حتى الاعتراف بالذي حدث او التعويض…وحذت بريطانيا وفرنسا حذو اميركا وصار شغل الجميع الشاغل خيانة ارمينيا وشعبها، ارمينيا التي لم يبلغ عددها سكانها بعد 100 سنة من الابادة العدد الذي كان عليه قبلها !!!
كنت اجري كل هذه المقاربات في دماغي وأحللها واخرج بنتائج مفادها بأن اميركا لن تعترف بمجازر الاتراك ضد الارمن إلّا بعد حدوث امور عظام لا أعرفها ولم اتمكن من توقعها…وتشاء الاقدار ان تحدث كلها فتقلب اميركا لتركيا ظهر المجنّ اما الأمور العظام فهي التالية:
1 ـ انهيار الاتحاد السوفياتي بقرار ماسوني وانتفاء الحاجة للدولة المدللة المكلفة دولة المواجهة الوحيدة التي لها حدود متقدمة مع الاتحاد السوفياتي.
2 ـ ايقاف بحر المال الذي كان يهدر من اجل لا شيء وإعادة تدجينه في ما ينفع اميركا وشعبها.
3 ـ تحوّل لعبة كراهية إسرائيل التي كان متفق عليها الى مناحٍ جدّية، بعد ان كانت للإستهلاك العام.
4 ـ تعملق تركيا التي صارت لها اطماع اقليمية بالاستناد الى خلفية تاريخية تتعلق بالخلافة الاسلامية واستقطابها لكل المؤمنين بهذا الخط الديني.
5 ـ البدء بالطيران خارج السرب والبدء بايديولوجية التمرّد وهو ما لا تسمح به اميركا التي سارعت لترتيب انقلاب تغلبت عليه السلطة الحاكمة بموبايل
6 ـ انكشاف الاقنعة ومحاولة اميركا تقنين صادرات السلاح الى تركيا ومنع ارسال الاسلحة المتطورة لتركيا
7 ـ رد الفعل التركي الذي اعتبرته اميركا اهانة لا تغتفر وتتلخص بالامر الآتي: دولة من دول الحلف الاطلسي تشتري سلاح من محور وارسو ؟؟؟ !!! ؟؟؟ وتدفع ثمنه.
8 ـ على الرغم من ان صفقة الـ S 400 هي اسلحة دفاعية وليست هجومية فإن امريكا ليست بصدد البحث عن الاسباب التخفيفية لما فعلته تركيا خاصة وان ترامب رجل اعمال ولا يستطيع التخلص من فكرة ان تركيا بادلت اميركا بالعقوق بعد مئة عام كامل من التسليح الاميركي المجاني لدولة لا تستحق هذه التضحية الاميركية.
ـ كل هذه الامور مجتمعة جعلت اميركا تعترف بالابادة الارمنية وجعلت صحف العالم أجمع تنشر اليوم الخبر الآتي:
مجلس النواب الأمريكي يعترف رسمياً بالإبادة الجماعية الأرمنية 1915… اعتمد مجلس النواب الأمريكي يوم أمس بالغالبية العظمى القرار 296 الخاص بالاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية حيث صوت 405 نائب لصالح القرار و11 ضده.
وتذهب وكالات انباء اخرى لنشر نفس المقال ولكن بتفصيل أكثر سيغضب الاتراك بلا شك لأنهم يعرفون حقيقة ما حدث وأكثر من كل أهل الارض…
أقر مجلس النواب الأمريكي في خطوة تاريخية قرارا بالاعتراف رسميا بـ”الإبادة الجماعية للأرمن”، وهي خطوة من شأنها إغضاب تركيا وسط العلاقات المتوترة أصلا بين البلدين.
وعلا التصفيق والهتاف عندما أقر المجلس بأكثرية 405 أصوات مقابل 11 القرار الذي يؤكد اعتراف الولايات المتحدة بالإبادة الأرمنية، وهي المرة الأولى التي يصل فيها مثل هذا القرار للتصويت في الكونغرس بعد عدة محاولات سابقة.
وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي انها تشرفت بالانضمام الى زملائها في “إحياء ذكرى إحدى أكبر الفظائع في القرن العشرين: القتل المنهجي لأكثر من مليون ونصف من الرجال والنساء والأطفال الأرمن على يد الامبراطورية العثمانية”.
نعم…ولكن ماذا بعد ذلك؟؟؟
المتوقع هو اعادة الحياة لتحكيم وودرو ويلسون.
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الارمني
30 / 10 / 2019