على يافطة بذلت فيها العناية للظهور بمظهر يخدم الفكرة كتب واحد من قتلة هرانت دينك ومعه من معه من وصمات العار على جبين الانسانية العبارة الآتية:
نحن بصدد الاحتفال بالذكرى المقدسة التي تجلّت بتطهير أراضينا من “الأرمن” كم نحن فخورون بأجدادنا…يقصد كم نحن فخورون بأجدادنا الذين نفذوا حملة التطهير هذه، ولكنه توقف هنا لأن في البقية اعتراف.
وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ الْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ. وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ. فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟». فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ»
نعم ايها السيد ان المكان الذي وضعت فيه يافطتك مقدس، والمكان الذي تقف فيه مقدس، والمكان الذي أعطى أجدادك فيه دروس الهمجية هو مكان مقدس.
وصل أجدادك الذين تفخر بهم الى الأرض المقدسة الى أرمينيا على شكل جائحة وكانت رائحتهم تنبئ عنهم، وصلوا ووصل الموت والدمار والقتل والنار وصلوا كالجراد من منابع الهجرات سهول منغوليا بعد القحط وندرة الأمطار فاجتاحوا ارمينيا وعقروا بطون الأطفال الذين خرجوا لإستقبالهم بالملابس البيضاء والورود الحمراء فصارت ملابسهم حمراء.
كل كتب التاريخ كانت تقول بلاد فارس في الشرق وعاصمتها المدائن، والروم في الغرب وعاصمتها القسطنطينية، وبلاد الارمن في الوسط، أرمينستان أو أرمينيا، وضربتم الأرمن وبلادهم وعاصمتهم وكل مدنهم وقراهم، وضربتم الروم وعاصمتهم فقضيتم على الحضارة.
من بلاد الروم وما حولها ظهرت الاغريقية وهي اساس ابجديات كل العالم المتقدم وظهرت بشائر العلم من الحساب والجبر والرياضيات والفلك والمثلثات والكيمياء وشعاع المعرفة والأدب والتاريخ والفلسفة، تلك المعرفة التي أوصلت البشرية الى ما هي عليه اليوم.
أما أجدادك الذين تفخر بهم فلقد استباحوا اناتوليا كلها وأحرقوا زرعها وضرعها وشجرها وحجرها واغتصبوا كل صغيرات القسطنطينية على هيكل كنيسة آجيا صوفيا.
بذل الشعب الارمني الجهد المضني للأخذ بيد المخلصين لتطوير السلطنة وتحديثها بعد أن تجاوزها الزمن وصارت في آخر ركب الحضارة وتجاوزته الى الوراء، فوضع أوديان دستور الأمة التركية ووصل المخلصون من ابناء الأمة الارمنية الى مجلس المبعوثان والى مجالس الوزراء وبحت حناجرهم هناك وقالوا لا شأن لنا بشطحات خيال بسمارك وليس لدينا قصبة في امبراطورية الهوهنزليرون ولا شأن لنا بمطامع ألمانيا الاستعمارية، إن دخول السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الاولى سيمزقها ويقضي عليها… وكانت المكافأة هي تهجير هؤلاء وسوقهم حفاة عراة في الصحراء وسحق جماجمهم بالحجارة من قبل أجدادك.
وضاعت اراضي السلطنة في الغرب وتم تهجير اتراك اوروبا فعادوا وعبر مضائق البوسفور الى استمبول وأضنه وزحفوا باتجاه الشرق فكان لا بد من ايوائهم في بيوت الارمن وتشغيلهم في اراضي الأرمن ومحلاتهم، هؤلاء الارمن اصحاب الأرض الفعليين الذين تكدست أجسادهم على رمال دير الزور والرقة ومرقدة في خط الموت الممتد من ماردين الى البصرى ما ما يعرف بطريق الابادة الذي يفتخر به أجدادك.
في الشرق ذهب الغازي أنور باشا ومعه من معه من النخبة لقتال قيصر روسيا ومع القيصر النخبة من القوزاك في صاري قاميش وكانت هناك أمنية للقيصر وهي أسر أنور باشا وشيّ جسده على النار والتمتع بسهرة دافئة يأكل فيها الحملان ويشرب الفودكا … وتم أسر أنور باشا وهرع بعض المقاتلين الأرمن وحرروا انور باشا من الأسر وحملوه الى الخطوط الخلفية وكان أنور شهماً وذكر هذا في مذكراته وكانت مكافأته لمنقذيه عظيمة…فلقد نقلهم الى معركة أخرى ووضعهم في الخطوط الأمامية فقتلوا جميعاً…أما مكافأة الجندي الأرمني الذي حمل انور باشا على ظهره وهرب به فلقد كانت أعظم بكثير فلقد قتل في الخطوط الأمامية وتم ارسال من تم ارسالهم الى قرية الشهيد ودخلوا على الفرن حيث يعمل والد الشهيد فقيدوه على محفة وأدخلوه الى بيت النار.
في الجنوب مضى جمال باشا ليحارب الانكليز في معركة الترعة وأخذ معه مئات الآلاف من شبان بلاد الشام والعراق وفلسطين، وذهب الجميع الى قدرهم المحتوم ولم يعد منهم أحد على الرغم من انهم لم يطلقوا طلقة واحدة، لقد ماتوا من الجوع والعطش في صحراء سيناء فلقد كان الغازي يعتقد ان الطعام والماء في الصحراء ليس من الاساسيات إلا في خيمة القيادة.
وبعد ذلك على أي شيء تستند يا صاحب اليافطة في الفخر بأجدادك وعلى أي أساس ومن أجل أي شيء؟
وضاعت افريقيا وبالاحرى تحررت من نير عبودية أجدادك ومثلها الحجاز وبلاد الشام وفلسطين والاردن والعراق…تعال وحدثني عن أي اعتزاز وعن أي فخر كتبته في يافطتك.
اجدادك قالوا عنّا أننا الأمة المخلصة وقالوا أنهم ضيوفنا وان الذي حدث في الماضي يجب نسيانه… ودخلنا في هذه اللعبة وتم جمع شبابنا لخدمة المعركة فجردوا من سلاحهم واقتيدوا الى كتائب السخرة فحفروا الخنادق الدفاعية دون ان يعلموا ان اخوتهم في السلاح سيطلقون عليهم النار من الخلف ويرمونهم في قبورهم الدفاعية التي حفروها.
وضاعت ارضنا وجبالنا وسواحلنا وشواطئنا ودجلة والفرات ومزارع القمح وبيارات الرمّان والبرتقال والمشمش وكروم العنب وضاعت مزارعنا كلها وثروتنا النباتية وغاباتنا ومحارثنا وقطعاننا، وضاعت مدارسنا وبيوتنا وكنائسنا وأديرتنا ونوادينا وتحولنا الى مهاجرين نضرب في الصحراء ثم في جهات الارض الأربعة ولم نزل.
ليتكم عدتم الى سهول منغوليا…لو عدتم لبقي الشرق زهرة الأرض…أو على الاقل ليتكم بقيتم ضيوفنا نحن اصحاب البلاد الأصليين قبل ترويعكم لنا…لو بقيتم ضيوفنا (والضيف غريب والغريب أديب) كان سيكون الآتي:
ستتقدم البشرية ألف عام وستتوقف النزاعات والمذابح فلا يونان يموتون ولا سريان ولا أشور ولا أرمن ولا عرب ولا أتراك، ستتسابق الوفود للصعود الى جبال اراراد لأن الله يوزع عطاياه هناك وسنختار الحب والموسيقى والجمال، وستظهر أنغام حلوة من أشجارنا وسترتوي البشرية بمياهنا العذبة الزلال.
ستبدأ غابات الورد من سفوح جبال آراراد الى أورمية وأذربيجان وناخيتشفان شرقاً والى جورجيا وروسيا شمالاً ثم الى ارزروم وسامسون وآني وفان وماراش الحبيبة الغالية والى ملاطيا وانطاكيا وسيس وأضنه والى استمبول وبالاحرى القسطنطينية حيث قبر هرانت دينك لو انكم بقيتم ضيوفنا لملأنا العالم حب ومحبة…فكرّ بيافطتك يا صاحب يافطة العار فكر ملياً لتعرف إن العار يخجل منها.
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
24 02 2015