لم تكد تمر مئة سنة على مجازر الارمن الشهيرة عام 1915 على يد العثمانيين حتى لاحقتهم لعنة الدم الى بلادهم الثانية في سوريا. في المرة الاولى حمل الارمن ذكرياتهم المرة وصور المأساة والالاف المؤلفة من الضحايا الذين سقطوا غدراً، والتجأوا الى لبنان وسوريا واوروبا والاميركتين طلباً للامان، اما في المرة الثانية، فالتهجير كان نتيجة الحرب الأهلية السورية، ويبدو أنه أقل وطأة بكثير مما سبقه، لكنه في نهاية المطاف اقتلاع لمجموعات بشرية من بيئتها وبلداتها وقراها وبيوتها.
لا ارقام دقيقة لأعداد اللاجئين السوريين الارمن الى لبنان، رغم التنظيم والادارة اللذين تتميز بهما الاحزاب والجمعيات الارمنية، لكن الارجح ان الرقم يبلغ نحو 12 الفاً، واكثر بقليل، قدمت غالبيتهم من مدينة حلب وانحائها الى مجموعات وصلت من دمشق وحمص وانحاء الساحل السوري حيث تعرضت قرى أرمنية للهجمات أسوة بكل القرى والبلدات الاخرى الواقعة عند الحدود السورية – التركية. والفارق الوحيد بين اللاجئين السوريين الارمن وغيرهم من مواطنيهم السوريين انهم وجدوا من يستقبلهم في المجتمع الارمني اللبناني، حيث احتضن ارمن برج حمود وعنجر وزحلة والمتن اخوتهم في القومية والدين، وفتحوا لهم بيوتهم ومنازلهم واسكنوهم مع اولادهم وعائلاتهم، رغم ان غالبية هذه العائلات الارمنية اللبنانية تعاني اوضاعا اقتصادية صعبة.
امكانات لا تكفي
يروي المسؤولون عن ملفات اللجوء الارمني السوري الى لبنان، ان الاثرياء السوريين الارمن من اصحاب الثروات، كانوا يملكون منازل في لبنان وخارجه منذ ما قبل الحرب السورية، وتالياً لم يواجهوا مشكلة، سواء في السكن في لبنان او خارجه. لكن هذا ليس حال الغالبية الساحقة من ابناء الطبقة الوسطى وما دون، الذين توجب تأمين المسكن لهم، سواء بالسكن لدى اقربائهم او من طريق الايجار، مع ما يقتضيه ذلك من تخصيص للمزيد من الموارد والامكانات المادية والمالية، التي يجري العمل على توفيرها من طريق الجمعيات والمؤسسات الخيرية الارمنية او المرجعيات الدينية الارمنية في لبنان والخارج. ويشرح المسؤول عن ملف “مساعدة اللاجئين السوريين الارمن” أفيديس كيدانيان، ان مساعدة اللاجئين تحتاج الى تضافر كل الجهود، وهكذا يتم الحصول على دعم البعثة البابوية والهيئة العليا للاغاثة، اضافة الى ما يقدمه الميسورون الارمن من مساعدات. لكن افضل ما في الامر بحسب كيدانيان، كان قيام مدارس الارمن الارثوذكس العام الفائت باستقبال الطلاب السوريين الارمن وتأمين التعليم لهم، في موازاة قيام الجمعيات بتوفير مستلزمات القرطاسية وخلافه، والعمل على تدبر بعض فرص العمل للقادرين، بغية تأمين سبل العيش الكريم للعائلات.
27 دولاراً في الشهر
يتعاون الجميع على مساندة اللاجئين الارمن، ورغم نمط التضامن الاجتماعي الصلب بين العائلات الارمنية اللبنانية والسورية، المشكلة الاكبر حسب الناشطين في ان العائلات المضيفة تنوء بأحمالها وهذا ما يزيد الامور تعقيداً، خصوصاً ان تقديمات الهيئة العليا للاغاثة ووزارة الشؤون الاجتماعية، على ما يقولون، تقتصر على مساعدات متواضعة تقارب او تكاد، الغياب التام، والدولة اللبنانية تركت الامور على غاربها بدلاً من المزيد من العناية والاهتمام. اما المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة فتساعد من خلال قسائم طعام قيمتها 27 دولاراً اميركياً للشخص الواحد على مدى شهر كامل، ويمكن تخيل كيف يمكن المرء ان يأكل بهذا المبلغ البخس طيلة 30 يوماً. اما الجانب الصحي من رعاية اللاجئين فلقد تراجع تدريجاً لتقتصر مساعدة الامم المتحدة على الاطفال والمسنين والنساء الحوامل دون غيرهم، وكأنه كتب على اللاجئين من الشباب والشابات الا يِمرضوا.
ينفي كيدانيان هجرة الارمن الى أرمينيا، ويقول ان بضعة آلاف منهم انتقلوا من سوريا الى ارمينيا للحصول على جواز السفر وانتظار عودة الهدوء الى سوريا، ويشير الى ان قسماً من هؤلاء انتقل من ارمينيا الى الغرب، “لكن ذلك لا يعني انتقال موجات كبيرة من الارمن الى وطنهم الام”. ويشرح ان الالاف من الارمن لا يزالون في مدينة حلب وآخرين في القامشلي، اضافة الى الحضور الارمني في دمشق، لكنه يؤكد ان احداً لا يستطيع تقديم ارقام دقيقة عن اعداد الارمن الموجودين في سوريا نتيجة الوضع الامني المضطرب. لكن افضل ما يرويه كيدانيان عن ابناء جلدته اللاجئين من سوريا أنهم “يحلمون بالعودة الى سوريا ولا يودون الاستقرار في لبنان او غيره، اما نسبة من يفكرون في الهجرة من بينهم فقليلة، رغم ان من يستطيعون ذلك هم قلة”.
والجيد في اخبار الاغاثة الارمنية أنهم يساعدون السوريين السريان وغيرهم ممن يطلبونها “ونحن لا نميز”.
بقلم: بيار عطا الله | نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية (المصدر)