لطالما خلق موضوع امتلاك الأرمن أبجديتهم الخاصة قبل قدوم العالم اللغوي ميسروب ماشدوتس في القرن الخامس جدلاً خاصةً بين الأوساط الأرمنية, فهل بالفعل كان للأرمن أبجديتهم قبل اعتناق المسيحية؟ هل كان ميسروب ماشدوتس قد اخترع الأبجدية بوحي إلهي كما تقول الأسطورة أم انه قام بإعادة احياء الأبجدية المدفونة؟
هذا السؤال تم طرحه من قبل صفحة تاريخ الأرمن على الفيسبوك والتي كتبت أيضا:
يعود بنا المؤرخ كيفورك نازاريان إلى واحدة من السجلات الكلاسيكية عن وجودة أبجدية أرمنية تعود للفيلسوف اليهودي الإغريقي فيلون الاسكندري (20-50 ق.م) حيث كتب عن اعمال الفيلسوف و المؤرخ الإغريقي الشهير ميرتودوروس سكيبيوس (145-70 ق.م) عن الحيوانات التي تمت ترجمتها آنذاك إلى الأرمنية. ميرتدوروس كان صديق مقرب للملك الأرمني ديكران الكبير و مؤرخه أيضاً. و من بين اعماله العديدة ميرتودوروس كتب عن حياة ملك الملوك ديكران الكبير.
مؤرخ و لاهوتي آخر في الفترة الممتدة بين 170-235 بعد الميلاد (قبل ماشدوتس بقرنين) و هو هيبوليتوس و بينما كان في وقائعه يكتب عن سيرة احد حكام عصره و هو الإمبراطور آليكساندر سيفيروس, و من البصرة ذكر بأن الأرمن هم من خمس أمم كان لهم لغتهم المكتوبة الخاصة و ذلك عندما كان يتحدث عن الأمم التي تستخدم لغات مكتوبة أخرى.
فيلوستراطوس الآثيني, فيلسوف القرن الثاني و الثالث ميلادي الإغريقي الشهير و في كتابه المعروف (حياة آبولونيوس التيانائي) ذكر أنه في ذلك الزمن تم القبض على فهد على جبال طوروس و هو يحمل 211 طوقاً ذهبياً منقوش عليه بالأرمنية حيث كانت كهدية مقدمة من الملك آرشاك إلى الآلهة نييس.
وفقاً للمؤرخ الأرمني الذي برز في القرن الخامس موفسيس خوريناتسي, قام مؤسس التيار الغنوصي برديصان الأوديسي (145-222 م) بزيارة القلعة الأرمنية في آني و هناك قرأ عن اعمال احد الكهنة الوثنيين الأرمن يدعى -فيوغامب- المكتوبة بالخط الميثراني الخاص بالمعابد الأرمنية خلال فترة ما قبل اعتناق المسيحية و وفقاً لبعض الأحداث الواردة في كتاب فيوغامب تم ذكر واقعة قيام الملك الأرمني ديكران السابع و الذي حكم بين 144-186 ميلادي حيث قام الملك المذكور بتشييد نصب تذكاري على قبر شقيقه -ماجان- الكاهن الميثراني الكبير لمملكة أرمينيا الكبرى. موفسيس خوريناتسي ذكر بأن الباحث المعروف برديصان ترجم هذا الكتاب من الأرمنية إلى السريانية و لاحقاً إلى اليونانية.
بكل الأحوال الإدراك العميق لضرورة الوعظ و نشر المسيحية في أرمينيا حصراً بالأرمنية, دفع ماشدوتس في القرن الخامس إلى اقناع الكاثوليكوس ساهاك بارتيف (بعد اعتناق أرمينيا للمسيحية) بضرورة الإقدام على ايجاد حل لذلك, و كلاهما نجح في الحصول على موافقة الملك الأرمني فارامشابوه. و تم ارسال بعثة إلى سوريا بهدف البحث عن الأبجدية الأرمنية التي فقدت على مر العصور. وفقاً لكوريون “تلميذ ماشدوتس” في كتابه “حياة ماشدوتس” ذكر بأن ميسروب ماشدوتس كان على بينة من وجود لغة أرمنية مكتوبة تعود لحقبة ما قبل المسيحية توجد عينة محفوظة منها لدى راهب سوري يدعى “دانيال” و مؤرخين آخرين عاصروا فترة ماشدوتس مثل لازار باربيتسي و موفسيس خوريناتسي ايضاً كتبوا شهادات ممثالة حول هذه المسألة و هو دليل على أن المؤرخين و الباحثين الأرمن خلال القرون الوسطى كانوا على بينة جيدة من وجود أبجدية أرمنية مدفونة.
و ثمة دليل آخر هام على وجود أبجدية أرمنية قبل قدوم ماشدوتس و هو حقيقة أن مجمع الآلهة الأرمن كان يضم إله عرف باسم “تير” و الذي كان إله الكتابة و العلم و الذي يكتب الأعمال السيئة و الخيرة لكل إنسان يوم الحساب بعد الموت, و آنذاك كان يسمى الإله تير بـ “كروغ” أي الكاتب بالأرمنية.
في القرن الثالث عشر ميلادي, ذكر المؤرخ الأرمني فارتان آريفيلتسي أنه خلال حكم الملك الأرمني ليو العظيم (1219-1187 م) عثر على قطع أثرية تحمل نقوش أرمنية لملوك العصور القديمة الوثنيين.
يضيف المؤرخ و الباحث في الأرمنيات كيفورك نازاريان, أن معظم القطع الأثرية القديمة اما فقدت أو دمرت جراء ويلات الزمن على أرمينيا و يجب أن نتذكر بأن ما لدينا اليوم و ما نعرفه هو مجرد القليل من الكم التراثي و الثقافي المتراكم من آلاف السنين.. الأمر ليس سوى مسألة وقت حيث سنتلقى دلائل بما في ذلك على قطع آثرية و ربما نقوش محتملة تعود لفترة ما قبل ماشدوتس. نص “ميهيان” المكتشف من شأنه أن يسلط المزيد من الضوء على هذا الموضوع الهام ليتم استكمال الأدلة المكتوبة و التي هي حالياً تحت تصرفنا و التي تتحدث عن وجود أبجدية أرمنية قبل ماشدوتس.