20004-1.jpg

بفضل عائلة أرمنية.. الكشف عن كنز وطني تراثي سوري في حلب

بفضل عائلة أرمنية.. الكشف عن كنز وطني تراثي سوري في حلب

هذا المقال نقلا عن صفحة المحامي علاء السيد.

عندما حمل الشاب الأرمني “أبكر كناجيان” مواليد 1895م صندوقه الخشبي هاربا من المذابح التي كادت تصل إلى مدينته أورفا في عام 1915م، كان يحلم بأن يتم انقاذ موجودات صندوقه كما يتمنى انقاذ زوجته وأطفاله من الموت ذبحا.

غيره حمل مصاغا ذهبيا ليساعده على المعيشة بعدما فقد كل ما يملك أما أبكر فقد حمل صندوقه الخشبي فقط. كان كنزه الوحيد.

الملجأ الوحيد لسكان أورفا التي كانت تابعة لحلب وتعد جزءا من سوريا حينها كان مدينة حلب التي احتضنت الهاربين من المذبحة.

حافظت أسرة “أبكر” على الصندوق مغلقا في مكان أمين وتوارثته أبا عن جد.
عندما توفي أبكر حوالي عام 1940 كان الصندوق أمانة في عنق ابنه أرتين وعندما أنجب أرتين أكبر ابناؤه بيدروس انتقلت الامانة له.

بيدروس هو بكل بساطة أبو أرتين صاحب مطعم وفندق أبو أرتين في جبل أريحا، هذا المطعم الذي اشتهر عالميا بتقديمه وجبه ” اللحمة بكرز” الفريدة من نوعها.

بعد وفاة أبو أرتين حمل ابنه الأكبر أرتين أمانة المطعم ومعها أمانة صندوق جده الأكبر “أبكر”.
تدمر المطعم و الفندق في أريحا وسافر معظم أفراد العائلة وقبع الصندوق بانتظار من يعيده للحياة.

الحفيدة الجميلة “سونا تاتويان” عادت بعد اغتراب طويل لتبحث عن صندوق جدها.

عندما طرحت “الأمانة السورية للتنمية” مشروع اعتبار كراكوز وعيواظ جزءا من التراث السوري الانساني واستطاعت البدء بمشروع ادراجه على لائحة اليونسكو للتراث العالمي . تواصلت سونا مع الأمانة التي قدمت لها كل التسهيلات.

حان الوقت لكي تبحث “سونا” عن موجودات الصندوق وتظهره للعالم.

الجد “أبكر” كان من أهم صانعي دمى مسرح “كراكوز وعيواظ” في المنطقة ، هذه الدمى التي تصنع من جلد الجمل الذي يعالج حتى يصل لمرحلة الشفافية للضوء ثم يقص على شكل رجال ونساء وحيوانات و يلون بألوان طبيعية يدويا.

وتتميز هذه الدمى بوجود مفاصل حركة لها، تجعلها تتحرك بسهولة بعد تعليقها بعصي خشبية لتقدم عروضا مسرحية شعبية ، كانت في حينها االبديل الوحيد عن السينما ولاحقا التلفزيون اللذين لم يكونا قد اخترعا بعد.

لا يوجد في العالم أجمع مجموعات باقية من هذه الدمى تتجاوز عدد الأصابع.

توجهت “سونا” عندما وصلت حلب بعد غياب طويل إلى حارات مدينتها القديمة، وأشعلت شمعة في مقام”مارجرجس الخضر” في باب النصر داعية الله لمساعدتها بالعثور على صندوق جدها الخشبي.

تكللت عملية البحث بالعثور على الصندوق الخشبي وفيه ما يزيد على المائة وخمسين قطعة سليمة تماما من هذه الدمى الفريدة التي لا تقدر بثمن.
كانت الدموع تسيل على وجهها وهي تخرج دمى جدها من الصندوق لترى الضوء مجددا، كانت تشعر أن جدها قد عاد للحياة.

تشكل مجموعة المتنوعة الدمى هذه دليلا دامغا على “سورية مسرح كراكوز وعيواظ” وعلى تنوع شخصيات هذا المسرح مما يؤدي لتنوع قصص مسرحياته.

كانت الفكرة السابقة عن هذا المسرح أنه مؤلف من أربع أو خمس شخصيات فقط وأن عدد مسرحياته محدود باثني عشر نص مسرحي شعبي فقط.

مجموعتي الشخصية النادرة من هذه المسرحيات المسجلة بالصوت الاصلي للخليلاتي الحلبي محمد الشيخ والتي تعود لعام 1915 م كانت اثني عشر تسجيلا فقط.

عندما سألت “سونا” – التي تحمل عدة جنسيات عالمية ( الأرمنية والأمريكية ) وتقيم في الولايات المتحدة حاليا- هل تعتبرين تراث “كراكوز وعيواظ” الذي حفظه جدك “أبكر” أرمنياً؟

أجابت بكل بساطة: نحن سوريين، وأول ما فعلته عند وصولي لسوريا هو تقديم طلب لاستلام هويتي الشخصية السورية.

scroll to top