تجاوزت العلاقات التركية الأمريكية العديد من المخاطر بشأن القضية الأرمينية. وكانت أسوأ تلك المخاطر في التاريخ القريب هي تلك التي حدثت في 2007. استدعت الحكومة سفيرها في واشنطن إثر تصويت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي حول “مشروع قانون مذابح الأرمن” ثم أرسلته وهو يحمل مظروفاً سرياً مختوماً.
وقد احتوى المظروف على بعض المعلوات ومنها أنه في حال موافقة الإدارة الأمريكية على مشروع قانون مذابح الأرمن فللسفير كامل الصلاحية في اتخاذ مجموعة من الإجراءات الفورية. ومنها منع الأمريكيين من استخدام قاعدة إينجيرليك الجوية كما ذُكر ونوقش كثيرا. لكن لم يتم تصديق أو تكذيب هذه المعلومة. وقد عمل الرئيس الأمريكي حينها جورج بوش على عدم الموافقة على مشروع القانون ونجح في ذلك. كما تحدث بوش عن أهمية المصالح الاستراتيجية في تركيا.
أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما فقد خاطب الناخبين الأرمن قبيل انتخابات 2008 ووعدهم بأنه سيعترف بأن أحداث 1915 هي مذبحة بحق الأرمن لكنه غير رأيه بعدما اصطدم بالوقائع المؤلمة في العالم حين تسلم زمام الأمور في بلاده. واستخدم أوباما عبارة “ميدس يجهرن” باللغة الأرمينية والتي تعني “الكارثة الكبرى” وبذلك أصبح كمن تلفظ بالعبارة ولم يتلفظ بها في الوقت نفسه، ولم يضطر لمواجهة النتائج السياسية والقانونية الناجمة عن ذلك.
إلا أن الوضع هذا العام مختلف جدا، ويبدو أن امتحان 24 أبريل/ نيسان صعب للغاية. يَعتبر الأرمنُ في العالم يوم 24 أبريل/ نيسان 1915 رمزا له دلالاته عندهم بسبب التعليمات التي أصدرها طلعت باشا عبر التلغراف لتهجير الأرمن بسبب تعاونهم مع قوات الاحتلال الروسي ضد الدولة العثمانية في هذا التاريخ، وهم يرجون اعتراف الكونجرس والإدارة الأمريكية بيوم 24 أبريل/ نيسان.
وهذا العام هو الذكرى المئوية لتلك الأحداث والأرمن الآن غاضبون أكثر من أي وقت مضى وهم الآن أكثر تعاطفا واهتماما. الرئيس الأرميني سرج سركيسيان دعا جميع زعماء العالم لحضور مراسيم ذكرى 24 أبريل / نيسان في العاصمة الأرمنية يريفان. ووافق العديد من كبار مسؤولي الدول على حضور هذه المراسيم. ولم يوافق حتى الآن أحد على دعوة رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان لحضور مراسيم ذكرى حرب جناق قلعة أو أنه لم يعلن أحد عن ذلك. وكرد على ذلك قام سركيسيان بمطالبة البرلمان بإلغاء بروتوكول التطبيع الموقع عليه عام 2009 بوساطة سويسرا.
كما أن لأمريكا مكانة مهمة في الحملة المئوية لأرمينيا. ولذلك فقد عيَّنت أرمينيا أحد أبرز سياسييها سفيرا في أمريكا وهو تيجران سركيسيان.
وإن رئيس الوزراء الأرميني كان رئيسا للبنك المركزي، وهو شخص معروف في السياسة الدولية. وأول إجراء مهم قام به في زيارته لأمريكا هو إقناع الجالية الأرمينية بنبذ الخلافات الداخلية هذه العام والتوحد حول هدف واحد.
ولا يمكننا الحديث عن أن الجانب التركي أيضاً يتمتع بروح الوحدة ويسعى لتوحيد القوى في هذا الصدد مثل نظيره الأرميني. وكان السفير الأمريكي في أنقرة جون باس زار وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في نوفمبر/ تشرين الثاني فقال له الوزير: “إذا تمت الموافقة على مشروع القانون فإنني سأعيد النظر كليا في علاقتنا بأمريكا”. هذا ما كان عليه أن يفعله ولكن ينبغي في الوقت نفسه النظر إلى الحالة السيئة خلف الكواليس.
أولا علينا أن نرى أن العلاقات التركية الأمريكية ليست في عصرها الذهبي حاليا. فثمة مجموعة من المشكلات، بدءاً من الموقف التركي إزاء روسيا بشأن الأزمة الأوكرانية وطريقتها في مكافحة المجموعات الإسلامية الراديكالية والمشكلات القائمة مع حكومات سوريا ومصر وإسرائيل.
علما بأن اللوبي الإسرائيلي أو كما هو معروف لدينا باسم اللوبي اليهودي هو من أقوى المجموعات في الكونجرس الأمريكي قد وقف ضد الأطروحات الأرمنية في صالح تركيا لعشرات السنين، وبذلك كان هذا اللوبي أكبر قوة داعمة لتركيا. وقد شاهدنا دعم اللوبي العربي أيضا في السنوات الأولى من حكومة العدالة والتنمية. أما الآن فقد أصبحت تركيا غير قادرة على استضافة سفراء إسرائيل ومصر وسوريا بالإضافة إلى قبرص وأرمينيا في عاصمتها.
أي أن تركيا لم تفقد دعم اللوبي اليهودي فحسب بل فقدت دعم اللوبي اليوناني واللوبي العربي. وقد لايكون من الخطأ إذا قلنا إن السفير التركي سردار كليتش هو من أسوأ السفراء حظا في واشنطن. لأنه قد لا يحصل حتى على دعم اللوبي التركي في الكونجرس. ومن إشارات ذلك هو إلغاء جيري كونولي (عضو بارز في اللوبي التركي) لموعد عشاء معه دون تقديم أي مبرر.
لكن اللوبي التركي الذي قطع علاقاته مع الشركات الكبرى التي كانت تخدم تركيا منذ سنوات عديدة أطلق دعاية سوداء وحملة تشويه ضد كونولي، وقد أثر ذلك في جميع المجموعات التركية تأثيرا بالغا. فعلى سبيل المثال نشروا معلومات مفادها أن كونولي رجل يهودي وهو يعمل لصالح فتح الله كولن، والحقيقة أنه إيرلندي وكاثوليكي.
وقد وقع 41 عضواً من المجموعة التركية التي تضم 131 عضوا على عريضة تندد بالاعتقالات التي نُفذت في جريدة” زمان”، وذلك من أجل لفت أنظار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري (علما بأن 88 من الموقعين الذين وصفهم أردوغان بالمأجورين كانوا من أعضاء المجموعة التركية).
وكأن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو يدفع فاتورة أنشطته خارج تركيا وفعالياته في الكونجرس بواسطة وقف “رومي” التابع لحركة الخدمة التي يرشدها فتح الله كولن.
ولذلك نرى أنه كلما اقترب شهر أبريل/ نيسان يتخلى أردوغان وداود أوغلو عن فعاليات اللوبي ويسعيان لاستخدام ورقة المصالح الاستراتيجية لتركيا وهي الورقة الأخيرة بيديهما.
وهذا يعني أن أمريكا طلبت بعض الأشياء من تركيا من أجل مصالحها، وقد يكون ذلك من أجل إلغاء مشروع قانون المذبحة الأرمينية. ومهما كانت تلك المطالب فهل يمكن أن تكون في صالح تركيا والشعب التركي؟ ذلك غير واضح حتى الآن كما أن نتائج هذه المساومة غير مضمونة…
بقلم: مراد يتكين | نقلا عن صحيفة زمان عربي التركية