كوميداس رجل له مساهمة عملاقة في التطور التاريخي لثقافة الموسيقى الأرمنية وهو مخلّص وجامع ومبدع الغناء والموسيقى الأرمنيين اللذين يعتبران من القيم الغالية للشعب الأرمني. كوميتاس هو مؤلف موسيقي، اختصاصي في الأعراق، عالم، معلم، قائد موسيقي، مغنٍ وفنان ذو حماسة اجتماعية كبيرة.
كان كوميداس الأول من بين الموسيقيين الأرمن الذي اكتشف المنابع المؤملة لتميز الفن القومي وبحث وكشف عن معايير ذلك التميز. دافع كوميتاس عن فكرة استقلالية الموسيقى الأرمنية.
وكان تراكم الأفكار الفنية العائدة لعهد النهضة القومية الانجاز الأكبر لكوميتاس فبوضعه المثل الجمالية واستناده على دراسة معمقة وشاملة للموسيقى الأرمنية، أثار الأطروحة المهمة لاستقلالية الموسيقى الأرمنية وأسس بنشاطاته متعددة الجوانب الموسيقى الكلاسكية القومية.
ولد سوغومون سوغوميان (وهو نفسه كوميداس) في عام 1869 في عائلة الحِرفي كيفورك سوغومونيان وتاكوهي هوفهانيسيان. فقد والدته في عامه الأول وبعد عام فقد والده.
إن الصوت الجميل هو الذي حدد مستقبل الفتى فعند اختياره طفلاً له صوت جيد من أجل الكلية الدينية في اتشميادزين، أفرد الأسقف ديرتساكيان سوغومون من بين 20 صبياً يتيماً. ولكن التأثير الأكبر عليه تركه الغناء والموسيقى في القرية الأرمنية وفي أعوام دراسته كرّس نشاطه لتوثيق الأغاني والموسيقى الشعبية الأرمنية.
في عام 1893 أنهى دراسته في اتشميادزين وعُين مدرساً للموسيقى في الكلية وقائداً لفرقة الغناء. وحصل على إسم كوميتاس أثناء رسامته كاهناً في نفس العام.
بهدف الحصول على تعليم أفضل في اختصاصه تتلمذ لدى ماكار يكماليان في تبليسي منذ خريف عام 1895 ومن ثم توجه الى المانيا. وبفضل كوميتاس تعرف الموسيقيون الالمان على فن الموسيقى الأرمني المميز. وبعد إنهاء دراسته عاد كوميتاس الى اتشميادزين وإستأنف نشاطه بحماسة كبيرة. وأدخل العليم في الموسيقى الأرمنية تحسينات عالية المستوى على الأغنية الشعبية الأرمنية أدتها فرقة الغناء التابعة للكلية الدينية.
زار كوميداس مدناً في جنوب القوقاز وفي اوروبا الغربية (وهي تبليسي، باكو، باريس، برن، لوزان وجنيف) لإلقاء المحاضرات وإقامة الحفلات.
كانت الجولات الفنية لكوميتاس تهدف الى تعريف المجتمعات بالموسيقى الشعبية الأرمنية والدراسات في ذلك المجال. وكان أداؤه الجميل للأغاني الشعبية يرافق المحاضرات التي يلقيها. كان يؤدي بانفعال داخلي عميق تراتيل وأغان وأناشيد ويرأس فرق الغناء التي يشارك فيها الشباب المحليون.
في عام 1910 أقام كوميتاس في القسطنطينية التي أصبحت مصيرية بالنسبة له فنشاط كوميتاس أحدث تحولاً في الحياة الفنية للأرمن وغيرهم من السكان.
كان كوميداس يحلم بتأسيس مدرسة للموسيقى للشباب الأرمن ويأمل في تحقيقه في القسطنطينية، ولكن بدلاً عن مدرسة الموسيقى، وبعد بذله المزيد من الجهود، تمكن كوميداس من إنشاء فرقة “كوسان” للغناء مؤلفة من 300 شخص ساعد في تنظيمها الشباب الأرمن ومحبو الفن.
والى جانب نشاطات قائد الفرقة والمدرس الموسيقي كان كوميتاس يخصص وقتاً وحماسةً للعمل الإبداعي.
في يونيو حزيران عام 1914 شارك كوميداس في مؤتمرٍ للجمعية الدولية للموسيقى انعقد في باريس الى جانب ناشطين في المجال الموسيقي من 20 دولة. وبموجب البرنامج قدم كوميتاس تقريرين عن الموسيقى القروية الأرمنية وكتابة النوتات القديمة والحديثة في الموسيقى الروحية الأرمنية. حظي التقريران بقبول كبير وإقترح على كوميداس تقديم تقريره الثالث عن الوقت والوزن والتشديد والعروض في الموسيقى الأرمنية. وهكذا أصبحت الموسيقى الأرمنية لأول مرة في تاريخها الذي يمتد الى آلاف الأعوام ملكية الثقافة العالمية بفضل كوميداس.
وكان مؤتمر باريس آخر مناسبة لظهوره علناً، لأن الأحداث المأساوية لعام 1915 والعذابات الصامتة التي عاشها خلال مسيرة الترحيل أوصلته الى حالة نفسية صعبة. في عام 1919 رقد في مستشفى خاص للأمراض النفسية في باريس حيث بقي حتى مماته في 22 اوكتوبر تشرين الأول 1935. بعد عام واحد نُقل رفات كوميداس الى يريفان ودفن في مدفن العظماء في الثقافة الأرمنية.
لم تقتصر نشاطات كوميداس على دراسة فن الموسيقى الأرمني فقط فقد درس موسيقى الشعوب في الشرق الأوسط وجعل الأغنية الشعبية الكردية معروفة.
لقد أثّر فن كوميتاس على الثقافة الموسيقية الأرمنية بأكملها وتبنت أجيال أرمنية عديدة المبادئ الفنية لكوميداس.