تحتل منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي مكانة بارزة في السياسة الخارجية لجمهورية أرمينيا، إنما لسورية اعتبار ومنزلة مختلفة؛ لعدة أسباب أهمها وقوف الشعب السوري إلى جانب الأرمن أثناء عمليات التهجير القسرية في الإمبراطورية العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. أما بعد استقلال أرمينيا عام 1991، وانطلاقاً من الروابط التاريخية والاجتماعية بين البلدين، وسعياً إلى تطوير العلاقات الثنائية وفق مبادئ وأهداف ميثاق هيئة الأمم المتحدة، كانت سورية أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع أرمينيا، لرغبة البلدين في تطوير علاقات الصداقة والتعاون في مجال السياسة والاقتصاد والتجارة والتعليم والثقافة.
فالعلاقات التاريخية العريقة بين سورية وأرمينيا هيأت المناخ المناسب لإقامة علاقات دبلوماسية على مدى 25 عاماً من التعاون والمصالح الإستراتيجية التي جعلت من العلاقات السورية الأرمينية قوة كبيرة تؤهلها لتلعب دوراً أساسياً في النطاق الإقليمي والدولي.
في العقود الأخيرة، ولاسيما مع التطورات السياسية في المنطقة، ارتبطت العلاقات بين سورية وأرمينيا بعدة عناصر: أولها، أن أرمينيا هي الجارة المباشرة لمنطقة الشرق الأوسط، ولاسيما سورية، بذلك لن تكون بمنأى عن الوضع السائد في المنطقة. ثانياً، أرمينيا هي أيضاً جزء من منطقة الشرق الأوسط، فكما يرى المراقبون أن الزعزعة في المنطقة ستشكل تحدياً للحفاظ على السلام الهش في منطقة القوقاز الجنوبية. وثالثاً، التطورات في الشرق الأوسط لها انعكاساتها في السياسة الدولية، ولذلك أرمينيا لن تكون خارج إطار هذه الأحداث.
هناك عنصر رابع، وهو الأهم، الوجود التاريخي للأرمن في الشرق الأوسط، ولاسيما في سورية، ومساهمتهم الفعالة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية في سورية. وهذا ما أكده الرئيس بشار الأسد، في كلمة خلال مأدبة العشاء التي أقيمت على شرفه في يريفان خلال الزيارة الرسمية التي قام بها والسيدة عقيلته إلى جمهورية أرمينيا في حزيران 2009، حيث أكد أن هذه الزيارة ليست سوى خطوة على طريق ترسيخ وتعميق العلاقات بين البلدين، وأنها امتداد لعلاقات تاريخية لا تنحصر فقط في مجال احتضان سورية لمواطنين من أصول أرمنية، بل إن الشعب الأرميني أثبت أنه شعب عريق يتحلى بأسمى القيم الأخلاقية وهذا ما سهل اندماج أبنائه في جميع المجتمعات التي وجدوا فيها حيث استحقوا شرف المواطنة في سورية وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع السوري الذي يعتبر مثالاً للتنوع والاندماج الحضاري. ولفت سيادته إلى أن هذا الاندماج الثقافي من دون ذوبان هو الرد على ما يروج من أفكار وأيديولوجيات وممارسات عنصرية روجت لبروز بدايات لصراع الحضارات والثقافات والأديان والأمم، الأمر الذي أدى إلى زعزعة الأمن والسلم العالميين في مناطق كثيرة من العالم، ولاسيما في منطقتي الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا.
يجد البعض في أرمينيا أن الحرب في سورية منذ عام 2011 كانت تحدياً جدياً بالنسبة لأرمينيا، على حين لمس البعض الآخر الوجهة الإستراتيجية لأرمينيا باتجاه دول الشرق الأوسط، ومنها سورية، فقد باتت الحرب في سورية من القضايا المدرجة على جدول أعمال الحكومة الأرمينية، وهي الحاضرة في أولويات وزارة الشتات في أرمينيا.
لم يغب عن المحللين في أرمينيا، أن تركيا وأذربيجان، تستغلان أطر المنظمات الإسلامية، وتحاولان خلق عداء بين أرمينيا والعالم الإسلامي والوطن العربي، الأمر الذي استحال بفضل العلاقات الطيبة والمتينة لأرمينيا مع العديد من الدول العربية، ولاسيما مع سورية، ويركز العديد من الباحثين في شؤون الشرق الأوسط والبلاد العربية في أرمينيا على ضرورة الاستمرار في تطوير العلاقات مع الدول العربية وسورية.
أرمينيا كانت واضحة في مواقفها تجاه سورية في مكافحة الإرهاب، وقد تجلت تلك المواقف في اتجاهين: السياسي والإنساني، فعلى الصعيد السياسي، برز موقف أرمينيا في المنابر الدولية، وحتى على المستوى الرئاسي، وتحدث رئيس جمهورية أرمينيا سيرج سركيسيان في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2014 عن الوضع في سورية، وأشار إلى الأحداث الأليمة التي تعصف بسورية، لافتاً إلى أن المجموعات التكفيرية تستهدف الأقليات الإثنية والدينية، وأوضح أن الإرهابيين قاموا بتفجير كنيسة الشهداء للأرمن في دير الزور، التي كانت مكرسة لذكرى شهداء الإبادة الأرمنية، حيث كان يتم حفظ رفات الشهداء، معتبراً ذلك عملاً إجرامياً خارج إطار الإيمان، وأن ما يجري في حلب وغيرها من المدن السورية هو جريمة بحق الإنسانية، وينبغي العمل بشكل جماعي من أجل منعه. وفي حوار في المعهد الحكومي للعلاقات الدولية في موسكو في 14 آذار 2017 أوضح الرئيس سركيسيان أن العمليات الإرهابية تشكل تهديداً لأمن المنطقة، مشدداً أن الحرب في سورية كان لها تأثير هدام على السكان السوريين، ومن بينهم السوريون الأرمن، حيث تم تدمير الكنائس الأرمنية والصروح الثقافية الأرمنية، ما أدى إلى لجوء نحو عشرين ألف أرمني إلى أرمينيا.
على مستوى وزارة الخارجية، أكد وزير الخارجية الأرميني إدوارد نالبانديان ضرورة تعزيز الأمن والسلام في سورية وإدانة الإرهاب الدولي، وذلك في رسالة التهنئة التي بعثها إلى نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم في آذار 2017 بمناسبة الذكرى الـ25 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين سورية وأرمينيا، حيث نقل أيضاً تقدير الشعب الأرميني للرعاية الإنسانية الكبيرة التي جسدها الشعب السوري في احتضانه الأرمن الناجين من جريمة الإبادة، على حين أكد الوزير المعلم أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تجسد الروابط التاريخية بين الشعبين، كما أنها تعبر عن رغبة مشتركة في تطوير العلاقات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، كما عبر الوزير المعلم عن تقدير سورية، حكومة وشعباً، لمواقف أرمينيا إزاء العدوان الإرهابي الذي تتعرض له سورية، مؤكداً ثقته في جميع الأصدقاء، الذين وقفوا إلى جانب سورية أثناء العدوان، في مساعدتها لإعادة بناء ما دمرته الحرب.
ومن على منبر دولي آخر، اعتبر وزير خارجية أرمينيا إدوارد نالبانديان في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوزاري الدولي الذي عقد في مدريد في 25 أيار 2017 تحت عنوان «ضحايا العنف العرقي والديني في الشرق الأوسط» أن الأزمة في سورية وتداعياتها عمقت الانقسامات في الشرق الأوسط وأماكن أخرى في العالم، موضحاً أن بلاده مستمرة في الدعم الإنساني ومد يد العون للناس الذين يحتاجون إلى ذلك في سورية، ووصف ما يجري في سورية والشرق الأوسط بالجرائم بحق الإنسانية، مؤكداً أن الحفاظ على التنوع والعيش المشترك في الشرق الأوسط له دور مهم في إعادة الأمن إلى المنطقة.
أما على الصعيد الإنساني، فقد حاولت أرمينيا الإسهام في تخفيف المعاناة عن الشعب السوري وتعرضه للعقوبات، ودخلت في مرحلة عملية حيث أرسلت المساعدات الإنسانية إلى سورية، وحسب الاتفاق الذي جرى بين وزارتي الدفاع في جمهورية أرمينيا وروسيا الاتحادية، وبأوامر صادرة عن رئيس جمهورية أرمينيا تم إرسال مساعدات إنسانية للسكان السوريين المتضررين في سورية في منتصف شهر شباط من العام الجاري، وتم تنفيذ ذلك بجهود وتعاون بين وزارتي الدفاع في روسيا وأرمينيا، إلى جانب وزارات الزراعة والطوارئ والشتات والتطوير الاقتصادي والخارجية، بالتنسيق مع مكتب الرئاسة في أرمينيا، وفي بداية شهر حزيران، تم إرسال الشحنة الثانية من المساعدات الإنسانية، وبلغت نحو 18 طناً من المواد الغذائية والملابس، حيث كانت المساعدات تصل إلى مطار حميميم في اللاذقية، وتوزع إلى عدة محافظات في سورية.
من اللافت في هذا الصدد الحديث الذي جرى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأرميني سيرج سركيسيان خلال لقائهما في منتصف آذار 2017، أثناء تطرقهما إلى الوضع في الشرق الأوسط وسورية، فقد أعرب الرئيس سركيسيان عن شكره للجانب الروسي لدعمه في عملية نقل المساعدات الإنسانية المقدمة من أرمينيا إلى الشعب السوري، وبدوره قال الرئيس بوتين: «نحن ممتنون للأصدقاء الأرمن، لتعاونهم في إرسال المساعدات إلى سورية، وقد تم نقل المساعدات من أرمينيا إلى سورية عبر القوات الجوية الروسية».
من جانب آخر، لقد تجلى موقف أرمينيا من سورية بالقرار السياسي في إبقاء ممثلية جمهورية أرمينيا في سورية رغم أوضاع الحرب، فقد تابعت السفارة في دمشق والقنصلية العامة بحلب أعمالهما لتثبت المتانة في العلاقات بين البلدين، ما يؤكد أن أرمينيا كانت جازمة في رؤيتها بخصوص الحل السياسي في سورية، ودعمها لسورية في مكافحة الإرهاب، وهذا يقودنا إلى أن نطمح لتفعيل العلاقات بين سورية وأرمينيا في كل المجالات، بمن فيها اللجنة الحكومية المشتركة والعلاقات البرلمانية في المستقبل القريب، وذلك من أجل تعزيز الصداقة التاريخية ودفع علاقات التعاون بين البلدين الصديقين لترتقي إلى مستوى العلاقات السياسية التاريخية بينهما.
بقلم: نورا أريسيان، عضو مجلس الشعب | نقلا عن صحيفة الوطن السورية