سقطتْ ثلاث تفاحات من السماء، واحدة للذي يحكي، وواحدة للذي يسمع، وواحدة للذي يفهم. هذه كلمات داليتا جيتزويان، حفيدة إحدى الناجيات من مذابح الأرمن، وهي تحكي في فيلم تسجيلي 2015 “رحلة الأرمن من اليأس إلى الرجاء في رود أيلاند”، قصة جدتها مارغريت دير مانويليان. الحضارة الأرمنية ضاربة في التاريخ، وكانت ممتدة عبر الأناضول، وفي عام 1915 استطاعتْ الإبادة الجماعية إنهاء هذه الحضارة. جدتي مارغريت كانت من القلائل اللاتي قُدِّر لهن النجاة. إبادة الأرمن كانت أول إبادة جماعية في العصر الحديث، وأرستْ قواعد جديدة لاستخدام وتطويع التكنولوجيا في القتل الجماعي. فبينما كان العالَم يحتفل باختراع القطار والتليغراف آنذاك، كان العثمانيون الأتراك يوظفون الاختراعات لإرسال أوامر عبر الأناضول، لقتل وتهجير الأرمن. إبادة الأرمن بدأتْ بغطاء الحرب العالمية الأولى. ملايين القتلى في العالَم كله. هناك فرصة للإبادة. تسعة ملايين من القتلى هي فاتورة الحرب العالمية الأولى. مليون ونصف المليون قتيل من الأرمن. في 24 (نيسان/إبريل) 1915، تم القبض على 200 من النخبة الأرمنية في القسطنطينية، إسطنبول، وفي الأسابيع التالية، اعتقل العثمانيون مئات آخرين، وأرسلوهم إلى سجون أناضوليا، وقُتل عدد كبير منهم، والأحياء تم إرسالهم إلى معسكرات العمل. هكذا كانت البداية ثم تصاعدتْ حدة الإبادة في الشهور اللاحقة، فأجبر العثمانيون الآلاف من العجائز والأطفال والنساء على ترك منازلهم في الأناضول، وقتلوا وخطفوا ورحَّلوا كثيرين في الصحراء دون طعام أو ماء. غالبية الأرمن ماتوا في صحراء دير الزور فيما بين 1915 و1918، وتبقى القليل منهم على قيد الحياة.
بعد قيام الجمهورية التركية، أمر مصطفى كمال أتاتورك، بالتخلص نهائياً من أعداد الأرمن القليلة الباقية في الأناضول، وبوصول التاريخ لعام 1923، توقفتْ حضارة الأرمن عن الوجود، وهي التي عاشتْ ثلاثة آلاف سنة تقريباً. 1,500,000، مليون ونصف أرمني ماتوا على يد الأتراك. جميع المنازل والقرى والمدارس والكنائس والشركات الأرمنية سُرِقتْ ودُمِرتْ. هرب الناجون من الأرمن في جميع أنحاء العالَم. وعلى الرغم من تأكيد المؤرخين على حدوث إبادة جماعية للأرمن إلا أن الدولة التركية ما زالتْ تُنْكر حدوث تلك الإبادة الجماعية للأرمن، وأصدرتْ حكومة رجب طيب أردوغان في سنة 2004، قانوناً يُجرِّم مناقشة الإبادة الجماعية للأرمن. معظم الناجين من الإبادة ماتوا الآن، وما زالتْ عائلاتهم تُطلب من المجتمع الدولي اعترافاً بهول ما تعرضوا إليه من إبادة. في عام 2015 كانت جدة داليتا في عمر 92 سنة. شهدتْ مارغريت دير مانويليان، بداية المذبحة 1915، وكانت في سن 8 سنوات. عاشتْ مارغريت مع عائلتها في قرية أوزونوفا الصغيرة بديار بكر. أخذوا كل النساء والأطفال في قاعة كبيرة. قتلوا رجال الأرمن أولاً. أي فتاة كبيرة كانت تؤخذ خارج القاعة، يغتصبونها ثم يأتون بها للقاعة مرة أخرى. أمّا الأطفال فقد كان الأغا التركي، يأتي إلى القاعة، ويأخذ ثلاثة من الأطفال أو أربعة، ويتصرف فيهم كيفما شاء. لمدة عشر سنوات بقيت مارغريت من غير حذاء، في الصيف أو الشتاء. واعتادتْ المشي حافية القدمين، وكان جلد كعبيها السميك يتشقق بالدماء من قسوة الثلج.
السلطان عبد الحميد الثاني، ومعه ثلاثة باشاوات من حركة تركيا الفتاة، وهم مدحت باشا، وطلعت باشا، وجمال باشا، هؤلاء الباشاوات هم مَنْ خططوا ونفذوا برنامج التطهير العرقي بحق مَنْ كانوا من غير المسلمين الأتراك، وبحسب بعض المؤرخين لم يتعد عدد الأرمن المليون ونصف المليون. التطرف القومي التركي هو الذي صوَّر لنفسه أن الأرمن سيتحدون مع الروس ضد تركيا التي تؤكد أن ما حدث في الأناضول كان حرباً أهلية رافقتها مجاعة راح ضحيتها 300000 ألف أرمني. تحاول تركيا دائماً خفض عدد القتلى من الأرمن. شارك الأكراد في إبادة الأرمن، واليوم تريد تركيا الإخوانية، إبادة الأكراد كما أبادت الأرمن. وفي فيلم تسجيلي لقناة الجزيرة بعنوان دال، ومُوجَّه لغسل سمعة الأتراك، وهو “ذاكرة الألم المشترك” 2012، أي أن الأتراك والأرمن يشتركان في ألم واحد، وأن الذنب يرجع لأجواء الحرب العالمية الأولى. تأخذ القناة وجهة نظر الدولة التركية، وتحاول جاهدة، تصوير الأرمن بأنهم انفصالون موالون لروسيا، وهم الذين بدأوا بالتمرد، وأن الإبادة الجماعية، اتهام قاس لتركيا، وما حدث هو تهجير منظم حضاري، يخضع للجان تحصر الممتلكات، وتحفظها من النهب، وأن التهجير في الحروب الكبرى، أمر معروف، ولا بد منه. ويصل الانحياز الأيديولوجي بقناة الجزيرة التي لا تكف عن ادعاء الموضوعية، إلى سرد روايات عن حماية كانت ملحوظة من الشعب التركي للأرمن. مثل “س” من الأتراك خبأ عائلة أرمنية في بيته، و”ص” من المسؤولين رفض أن يُغيِّر أرمني ديانته المسيحية الأرثوذكسية حتى يستطيع العيش.