حلّت قبل يومين الذكرى الـ 25 لـ«بيان طهران»، المؤتمر الذي جرى بوساطة إيران وشكّل خطوة حاسمة نحو تسوية مسألة إقليم قرة باغ العالقة والتي شكّلت أحد النزاعات المسلحة التي عاناها الاتحاد السوفياتي سابقاً. والجدير بالذكر أن هذا الخلاف بين أرمينيا، الدولة ذات الأغلبية المسيحية الأرثوذكسية، وأذربيجان، الدولة ذات الأغلبية الشيعية، يتخطى التنميط الديني الذي غالباً ما يستخدمه المستشرقون والإسلاميون الرجعيون في توصيفهم للشرق الأوسط والقوقاز والبلقان ووسط وجنوب آسيا. ولعلّ ذلك هو سبب عدم تغطية هذا النزاع في الإعلام الغربي والخليجي.
فقضية إقليم قرة باغ (أو أرتساخ كما يُعرف في أرمينيا) تعود إلى القرن التاسع عشر، عندما بدأت القبائل التركية البدوية بالاستقرار في هذا الإقليم التابع لأرمينيا منذ آلاف السنين، على نحو شبيه بالاستيطان الصهيوني في فلسطين. وتماماً كما جرى في فلسطين، سعت القبائل التركية التي استوطنت المنطقة إلى ممارسة التطهير العرقي ضد السكان الأصليين وتغيير الواقع الديموغرافي الإثني للمنطقة. ولكن في حالة أذربيجان، تمّ طرد المحتل بالقوة. لذا، من غير المستغرب أن تكون إسرائيل وأذربيجان قد بنتا علاقة وطيدة، نظراً إلى مساعيهما للهيمنة الإقليمية وإخضاع الشعوب الأصلية والقضاء على كل من يقف في وجههما. واليوم، يتمتع الطرفان بعلاقة مميزة قائمة لا على العداوة تجاه إيران فحسب، بل على كره الشعب الأرمني أيضاً. وفي الواقع، فإن المجموعات الصهيونية، مثل «لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية» (أيباك) و«رابطة مكافحة التشهير» اليهودية، تبدي حماسة أكثر من الحكومتين التركية والأذربيجانية في تمويل جهود إنكار المذبحة الأرمنية، كطريقة لتأليه المحرقة اليهودية وتكريسها كـ«حديث تاريخي فريد من نوعه».
ولكن العلاقة بين إسرائيل وأذربيجان لا تقف عند هذا الحد، بل إن تل أبيب باعت النظام الأذربيجاني أسلحة بمليارات الدولارات، كانت قد جربتها ضد المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين، من ضمنها طائرات من دون طيار «انتحارية» إسرائيلية الصنع، استخدمتها أذربيجان في عدوانها الأخير الفاشل في قرة باغ في نيسان/ أبريل 2016، وطائرات تجسس من دون طيار، استخدمتها باكو نيابة عن تل أبيب محاوِلة اختراق منشأة نطنز النووية في إيران عام 2014، قبل أن يسقطها الحرس الثوري. واللافت أن علاقة الصداقة الإيرانية ــ الأرمنية وصلت إلى مستويات لم تكن لتبلغها لولا كل هذه العوامل، بالتوازي مع السماح بتغلغل الفكر الوهابي بدعم من السعودية (خرج الكثير من الجهاديين الذين ذهبوا للقتال مع تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» من مسجد أبو بكر في العاصمة باكو)، ومن دون أن ننسى أن أذربيجان تبقى أحد أهم موردي النفط إلى إسرائيل.
لا بل إن الصداقة بين الشعبين الأرمني والإيراني تعود إلى ما قبل الإسلام والمسيحية، عندما كانا بلداً واحداً، وقد استمرت العلاقات الطيبة بينهما مذذاك وحتى الحقبة المعاصرة. فعندما كان العثمانيون الأتراك يمارسون المجازر بحق الأرمن، لجأ هؤلاء إلى إيران، إضافة إلى لبنان وسوريا وفلسطين والعراق. فضلاً عن ذلك، يعتمد البلدان بعضهما على بعض للبقاء والاستمرار في الحقبة المعاصرة، وخصوصاً أن أرمينيا، من جهة، تتعرض لحصار غير قانوني من تركيا، العضو في حلف شمالي الأطلسي «الناتو»، وأذربيجان، ما يجعل إيران مصدراً لا غنى عنه للطاقة؛ وإيران، من جهة أخرى، تتعرض لعقوبات شديدة من الأنظمة الإمبريالية، ما يجعل أرمينيا البلد المستقر الوحيد على حدود إيران ومصدراً مهماً للبضائع الغربية.
وقد توطّدت الصداقة بين إيران وأرمينيا في السنوات الأخيرة بسبب تدهور العلاقات بين إيران وتركيا على خلفية العدوانية التركية تجاه سوريا، ودعم أرمينيا الثابت والصلب لحليفها الرئيس السوري بشار الأسد، إضافة إلى تنامي العلاقات بين روسيا وإيران. وقد برزت مقالات عدة في الصحافة الإسرائيلية والأذربيجانية تنتقد الحلف الإيراني ــ الأرمني، مدعية أن الشعب الأرمني بطبيعته معادٍ للسامية، وهي تهمة توجَّه ضد كل من يقف ضد السياسة التوسعية الصهيونية، وأن الأرمن في القدس الشرقية يحرّضون على العنف عبر استنكارهم للنهب الذي تتعرض له أراضي الكنيسة الأرمنية في القدس على يد الاحتلال كجزء من مساعي تهويد المدينة. ولكن بالرغم من التحريض الإسرائيلي والأذربيجاني، من المستبعد أن تفتر العلاقات بين إيران وأرمينيا قريباً، وخصوصاً مع إلغاء الحاجة إلى تأشيرات الدخول بين البلدين ومد خط غاز من إيران إلى أرمينيا لمواجهة العقوبات التي تفرضها باكو وأنقرة. وفي الواقع، مع مرور الوقت، يُحتمل أن نرى أرمينيا تحتل موقعاً رسمياً في محور المقاومة.
بقلم: الأكاديمي الإيراني كايسي أدغاريان
نشر في جريدة الأخبار يوم ٩ مايو/أيار ٢٠١٧