دخلت سورية في أيار 2017 مرحلة حاسمة من عمر الصراع فيها وعليها ليس لجهة النتائج التي تمخضت عنها مفاوضات “الأستانة 4” و”جنيف 6″، على الرغم من أهميتها، بل لدخول الصراع منعطفاً جديداً إطاره الظاهري السيطرة على الحدود السورية العراقية بين فريقي واشنطن وموسكو وأفقه الخفي – المعلن تقاسم سورية “المفيدة” و”الغنية” بينهما وقطع خطوط تواصل طهران مع حزب الله في لبنان برياً، وهو ما أكدت عليه زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض في 20 أيار من العام نفسه.
وتمكنت الدول الضامنة لمفاوضات أستانة (روسيا وإيران وتركيا) من الاتفاق على مذكرة خاصة بإنشاء أربع مناطق “خفض التصعيد” أكبرها في إدلب وجزء من حماة وحلب واللاذقية وقع عليها في اجتماع “أستانة 4” الختامي في 4 أيار، وسرى مفعولها في اليوم التالي ولتصمد في وجه الخروقات وبناء الثقة نزولاً عند رغبة الفرقاء في انتظار جولات جديدة من المفاوضات.
ولم يفلح الاتفاق في تمهيد الأرضية للجولة السادسة من “جنيف” التي انتهت بعد 4 أيام في 20 الشهر نفسه بنتائج خجولة تمخضت عن عقد اجتماعات تقنية ناقشت “قضايا دستورية” ومن دون خروقات يبنى عليها في تحقيق تقدم سياسي حقيقي أو حتى التحلي بروح الواقعية السياسية بعدما سعى المبعوث الأممي دي ميستورا إلى طرح الدستور للنقاش من دون تلقف مسعاه، ما أدى إلى تهميش باقي السلال وهي الإرهاب والانتخابات والحكم التي كان منوي إحراز تقدم فيها وفق رؤية الجولتين السابقتين من “جنيف” وعلى أمل إحراز تقدم جديد في “جنيف 7”.
وفي موازاة تحقيق مصالحات في غوطة دمشق الشرقية وفي محيط دمشق عززت أمن العاصمة، برز صراع جديد بين معسكري واشنطن وموسكو وجه الأنظار نحو الحدود السورية العراقية وانتقل من إعداد الحشود من طرف الحدود الأردنية إلى العمل على الأرض للسيطرة عليها حيث حقق الجيش السوري وحلفائه تقدماً ملموساً على طريق دمشق بغداد باتجاه التنف للوصول إلى البوكمال ودير الزور وهو ما عارض خطة “تحالف واشنطن” لتحقيق الهدف ذاته وإقفال الحدود في وجه تقدم “الحشد الشعبي” العراقي من الجهة المقابلة منها.
وبدا أن المشهد الإقليمي والدولي يتأزم في سورية على الرغم من قرب أفول نجم “داعش” بمحاصرة عاصمة خلافته الرقة من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، ذات الأغلبية الكردية والمدعومة أمريكياً، بعد استعادتها للطبقة وسد الفرات من قبضته وطرده من معظم مساحة ريف حلب الشرقي علي يد الجيش السوري.
ومرد ذلك الامتيازات والاتفاقات التي وقع عليها ترامب في السعودية، والتي تقدر قيمة عقودها وخصوصاً العسكرية منها بحوالي 400 مليار دولار، لجهة تأجيج الصراع بين الرياض وطهران على الأرض السورية والمضي في خطط واشنطن في السيطرة على حدود سورية مع العراق وتأمين منطقة نفوذها في شرق سورية على يد حليفتها “قسد” وفصائل مسلحة متحالفة معها لاستكمال إقامة المزيد من قواعدها العسكرية والسيطرة على سورية “الغنية” التي تحوي منابع النفط والغاز والسلة الغذائية، وهو المصطلح الذي راج مقابل مصطلح سورية “المفيدة” التي لموسكو الذراع الطولى فيها والتي تشمل العاصمة دمشق وحمص والساحل وصولاً إلى الحدود اللبنانية وحلب التي انضمت إليها ومن غير المعروف أهي مفيدة أم لا!.
وواقع الحال وما خفي عن جميع المتصارعين على سورية وفيها أن سورية لا يمكن أن تكون إلا موحدة وإن فرضت القوى الداخلية والخارجية تقسيمها كمناطق نفوذ على الأرض لأن إرادة غالبية السوريين ضد هذا التوجه الذي يملى عليهم بقوة السلاح وكأمر واقع لوقف الاقتتال وكمخرج “واقعي” لإنهاء الأزمة التي ستتأجج وستكلف السوريين أكثر في حال التقسيم مقارنة بخيار التوحيد.
كما خفي على أولئك حقيقة أن سورية كلها “مفيدة” و”غنية” بنسيجها الاجتماعي الفريد من نوعه عالمياً والمتآلف والمنسجم مع بعضه بعضاَ خلال عقود قبل أن تحدث الحرب السورية شرخاً فيه، وغاب عنهم أن جميع مناطق سورية “مفيدة” وغنية” بمواردها البشرية وخبرة أبنائها وإرثهم الحضاري الذي أثراهم على مر العصور كشعب واحد استطاع التغلب على الأزمات مهما بلغ وعلى شأنها.