تثير أي أخبار من أرمينيا إهتماما كبيرا ومناقشة نشيطة داخل الشتات الأرمني في سوريا على الرغم من استمرار الحرب في البلاد وفي وقت يشارك فيه العديد من الأرمن في الدفاع عن منازلهم بوضع الأسلحة في أيديهم. نحن نتابع عن التطورات في وطننا التاريخي وبطبيعة الحال تعتبر الانتخابات البرلمانية المقبلة في أرمينيا حدثا هاماً للأمة الأرمنية كلها المتناثرة في مختلف أنحاء العالم.
من المعروف أن لجنة الانتخابات المركزية قد سجلت خمسة أحزاب للمشاركة في الانتخابات وهي: الحزب الجمهوري الحاكم، الحزب الشيوعي الأرمني، حزب الطاشناق (الاتحاد الثوري الأرمني)، حزب “الديمقراطيون الأحرار” وحزب “الانبعاث” وأربعة تحالفات تحالف “مخرج”، تحالف كاكيك تساروكيان، تحالف متألف من حزب “الكونغرس الأرمني الوطني” و”حزب الشعب الأرمني” وتحالف “أوهانيان-هوفهانيسيان-أوسكانيان”.
يبقى مستوى التوتر في المجتمع الأرمني المنقسم سياسيا مرتفعاً للغاية. فلا تزال في الذاكرة الاحتجاجات التي طال أمدها عام 2015. وعلى خلفية رغبة المجتمع في التغيير الجذري يستعد كثر من الناخبين للاستماع إلى الشعارات الأكثر شعبوية في حين تحتاج البلاد بشكل عام إلى مناقشة برنامج سياسي بناء ومدروس بشكل عميق.
في الآونة الأخيرة يواجه الحزب الجمهوري الحاكم الاتهامات العديدة من إساءة استخدام الموارد الإدارية. ليست هذه الاتهامات من المستغرب لأحد لأن السلطات تسعى للحفاظ على مكانتها بأي وسيلة. وتعتبر هذه الظاهرة مألوفة للعديد من البلدان ولا سيما في الديمقراطيات الناشئة. ومع ذلك كل الحقيقة المكشوفة تثير جدل واسع النطاق لا تنفي جهود البيروقراطيين فحسب بل تضر أكثر مما تنفع مرتين لأن شعبنا يدرك جيدا للقيمة الحقيقية للعدالة.
يحظى السياسي كاكيك تساروكيان بشعبية كبيرة ومع ذلك انتقد المعارضون السياسيون تساروكيان على العمل في روسيا والتلاعب السياسي لصالح الحزب الجمهوري. ألم يعمل الكثير لصالح أرمينيا وآرتساخ؟ أثبت تساروكيان في الواقع أنه يعرف كيفية جذب الاستثمارات وكيفية خلق فرص العمل. تتعلق إرادته للتفاوض مع الحزب الجمهوري على الناخبين!
تشكل المعارضة التقليدية تحالف متألف من حزب “الكونغرس الأرمني الوطني” وحزب الشعب الأرمني”، تحالف “مخرج” وحزب “الديمقراطيون الأحرار” التي تصر على سياسة التقارب مع الغرب. ومن المعروف أن هذه القوى السياسية تتمتع بتعاطف الجاليات الأرمنية في الولايات المتحدة وأوروبا ولا يخفي الأميركيون والأوروبيون على المستوى الرسمي رغبتهم في تغيير النخبة السياسية في أرمينيا.
يخلق التحالف الجديد “أوهانيان-هوفهانيسيان-أوسكانيان” دسيسة سباق انتخابات هذا العام، وهو أمر مثير للاهتمام لأنه يترأس هذا التحالف وزير الدفاع السابق سيران أوهانيان ووزيرين الشؤون الخارجية السابقين فارتان أوسكانيان ورافي هوفهانيسيان. يعرف جميع المحاربين أوهانيان بأنه الجنرال المقاتل وبطل آرتساخ الذي دافع عن مصالح بلدنا بأمان. وكانت مشاركته في الانتخابات مفاجأة سيئة للنخب الحاكمة.
على عكس الكثير من السياسيين، قبل انتخابات الجمعية الوطنية كرس سيران أوهانيان حياته لخدمة الوطن. ارتفع من وظيفة قائد السرية إلى وزير الدفاع الأرميني وشارك بنشاط في المعارك من أجل حرية آرتساخ. وكان في كثير من الأحيان موجوداً على الخطوط الأمامية، وشارك مع سكان المناطق الحدودية مخاوفهم وتوقعاتهم وإنه يعرف عن مشاكل السكان والنظام القائم في السلطة جيداً.
تمكن أوهانيان من إنشاء تحالف مشوق جمع عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات العامة، بما في ذلك منظمات قدامى المحاربين التي تضم قادة من ذوي الخبرة والجنود. أنا لا أعرف ما إذا شعبيته تقارن مع الحب والاحترام الذي فاز بطل الأرمن السوريين وراعي الشتات الأجنبية اللواء آرام كارامانوكيان، ولكن من الواضح بالضبط أن أوهانيان يعتبر شخصا محترما للناس ولا تستطيع السلطات تجاهل أوهانيان تماما.
علينا أن نتوقع موقفاً حازماً لأوهانيان في السياسة الخارجية على سبيل المثال أذربيجان لا تكون قادرة على تحقيق أي تنازلات من سيران أوهانيان الذي هدر دماءه في آرتساخ. وتعرب السلطات التركية قلقاً واضحاً لأنها تعتبر أوهانيان مصارع عنيد من أجل الاعتراف الرسمي بالإبادة الجماعية الأرمنية. إن الأتراك يعرفون بالضبط أن هذه السياسة يمكن أن تجلب كثير من المشاكل لأنقرة. جورجيا كذلك يجب أن تفكر عنه أيضا. إذا تحولت السلطات من التصريحات الشعبوية إلى حماية حقيقية للمصالح الأرمن في المنطقة هذه يكون إخواننا وأخواتنا في سامتسخه-جافاخيتي قادرين على التنفس بحرية أكبر.
يفرض الشتات الأرمني في سوريا بشكل عام بعض الآمال على الانتخابات المقبلة وبطبيعة الحال ترتبط آماله بالموقف الحاسم للسياسيين حول مسائل المواطنين لا سميا الأرمن العائدين إلى وطنهم التاريخي بما في ذلك من سوريا. في كثير من الأحيان يفر الناس من الحرب من دون أي من المستلزمات المعيشية وبالتالي يحتاجون المسكن وفرص العمل والضمان الاجتماعي. للأسف حتى الآن السلطات اكتفت بالهتمام بهم عبر التصريحات الصاخبة بدلاً من تشغيل البرامج الفعلية.
إذا فرضنا كل الخيارات السياسية يمكننا القول بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة يبقى الأهم وثم الأهم ما سيقدمه هؤلاء للبلاد وللأمة .. ليس فقط في أرمينيا وإنما في الشتات أيضا.
بقلم: أرمين أفانيسيان، صحفي حر