آن أوان الاعتراف بان ما يسمى “الربيع العربي” كان خريفاً على وطننا العربي بل وبالاً عليه وأن “منجزاته” لم تكن في خدمة شعوبه بمقدار ما خدمت أجندة الدول الساعية لتفكيكه والهيمنة على مكوناته وأثنياته بحيث غدا لكل دول حصة في الداخل الذي ثار لنيل حقوقه فغدا تابعاً للخارج وممثلاً لمصالحه، وسورية مثال جلي على ذلك.
هناك جدوى لأن نقر بهزيمتنا أخوتي المسلمين سنة وشيعة عرباً وأكراد والمسيحيين سريان وآشوريين وأرمن وكلدان… ربيعنا قد شاخ ومستقبلنا قد افل ولم يتبق لنا سوى أن ننتفض من جديد على أنفسنا قبل ان نلفظ حكامنا فالمشكلة في أنفسنا ونرجسيتنا لأن في داخل كل واحد منا حاكم طاغ ومستبد وفي عقولنا حب التسلط والتفرد في السلطة.
ما معنى أن ربع النزاعات في العالم ترتكز في أرضنا خلال ست سنوات من “ربيعنا” العربي مع أن عدد سكان المنطقة خمسة بالمئة من سكان العالم لكن يظل أملنا معلقاً إلى شبابنا لوقف التشظي والاحتراب مع أنهم أقحموا كوقود لـ “الثورات” من دون الالتفات لتطلعاتهم ومستقبلهم.
فمن أكثر الأخطاء الفادحة فتكاً إقصاء الحكام للشباب، الذين شكلوا ٣٠ بالمئة من السكان العرب، عن المشاركة في الحياة السياسية وفي عملية التنمية ليدفعوهم إلى التظاهر طلباً للحرية والديمقراطية ولتحسين ظروف حياتهم ولرفع الظلم عنهم ثم إلى أحضان التطرف على الرغم من نبذهم له ثم زاد “الربيع” انخراطهم في الحرب بعد أن رفع معدلات البطالة بشكل مخيف، ما يعني أن موجات من المد والجذر للعنف ستتكرر مستقبلاً.
أوليس من الواضح أن وجهة ثورات “ربيعنا” بمخاضاته ما هي إلا محاولات بل من مخططات لإعادة رسم خريطة المنطقة من اللاعبين الكبار شبيهة بما حدث في “سايكس بيكو” حين تلاعب البريطانيون بالملوك العرب لرسم حدودنا المصطنعة الراهنة وبالدم العربي؟.
أصاب تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام ٢٠١٦ والصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عندما اعتبر أن اندلاع “الربيع العربي” وأحداثه أثبتا أن عدم التصدي لمعالجة أسباب مطالب التغيير وحصرها بالتعامل الأمني يؤجل دورات الاحتجاج ولا يقلل فرص تكرارها لأنه يحقق استقراراً مؤقتاً ينفجر بأشكال أكثر عنفاً.
ولم يعد خافياً على أحد أن زلازل “الربيع” أدت إلى طمس القضية المركزية فلسطين ودفن العروبة وتهجير المسيحيين العرب وتعزيز الإسلاموفوبيا في الغرب وتدمير دول عربية مركزية وتأجيج الفتنة السنية الشيعية وغيرها من الخسائر التي لا تعد ولا تحصى مع احترامنا وتقديرنا للنتائج الإيجابية التي أفرزها “ربيعنا” الذي نتمنى أن يزهر يوماً ما.