تعد جماعات الضغط الأرمنية أو اللوبي الأرمني على مستوى العالم قوة لا يستهان بها، فهو صاحب الفضل الأول في التعريف بقضية الأرمن واكتساب هذا التعاطف العالمي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يشكل الأرمن جالية كبيرة في أميركا، ولهم الكثير من الجمعيات مثل “اللجنة الوطنية للأرمن بأميركا”، وهي أكبر منظمة أرمنية في أميركا. كما أن هناك أكثر من مليون ونصف المليون أميركي أرمني، ولديهم عضوان في مجلس النواب، وعدة صحف تصدر باللغة الإنجليزية، وبالتالي فهم أكبر تأثيرا من أي جالية أخرى بعد الجالية اليهودية على السياسة الأميركية.
وفي فرنسا، هنالك نحو نصف مليون أرمني بات لهم نواب في البرلمان ووزير أو اثنان في كل حكومة يجري تشكيلها، وقد نجح اللوبي الأرمني في فرنسا في استصدار عدة قرارات لصالح القضايا الأرمنية.
يقصد باللوبي الأرمني (جماعات الضغط الأرمنية) مجموعة الأعمال والنشاطات التي يقوم بها الأرمن (أفراد ومنظمات) في دول الشتات للتأثير على السياسة الخارجية لدولهم بالشكل الذي يتناسب فيه مع مصالح الأرمن وأرمينيا.
يحتل اللوبي الأرمني في الغرب مرتبة متقدمة رغم حداثته مقارنة مع باقي اللوبيات العاملة في تلك الدول منذ عقود طويلة. فبحسب المعطيات الأمريكية مثلا يحتل اللوبي الأرمني المرتبة الثانية بعد اللوبي الإسرائيلي اليهودي في الولايات المتحدة بعد تنافس شديد مع اللوبي الكوبي الذي أصبح ثالثا.
يعود لـ اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة الفضل الأكبر في إصدار الكثير من القرارات التي تخدم مصالح الأرمن وأرمينيا ومثال ذلك الـ 90 مليون دولار أمريكي المقدمة من الولايات المتحدة إلى أرمينيا كمساعدات سنوية صادرة من واشنطن. وأيضا السبب الأكبر لتقليص المساعدات الأمريكية لأذربيجان يعود لضغوط اللوبي الأرمني. كما نجح اللوبي في تأجيل عدد كبير من الاتفاقيات العسكرية التي وقعتها واشنطن مع أنقرة ومنعت توقيع عددا منها. ولا ننسى أن أي توتر في العلاقات الأمريكية التركية يكون سببه الرئيسي اللوبي الأرمني ومساعيه لإنتزاع الحقوق الأرمنية.
في وقت يصف فيه البعض اللوبي الأرمني بالفشل في تحقيق الهدف الأساسي الذي من أجله نشأ قبل 25 عاما وهو إعتراف الولايات المتحدة رسميا بالإبادة الجماعية الأرمنية، إلا أن اللوبي الأرمني يفخر بقدرته على إنتزاعه عشرات الإعترافات من مختلف دول العالم – من بينها دول أوروبية لا تقل أهمية عن الولايات المتحدة – بالإبادة الجماعية الأرمنية لا بل تم تجريم إنكارها في البعض منها إضافة إلى إعتراف 44 ولاية أمريكية بالمأساة الأرمنية وهو إنجاز أيضا يسجل للوبي الأرمني. ففي دولة بعظمة الولايات المتحدة لا تستطيع أن تصدر قرارا يخدم مصالح دولة أوخرى إلا إن كان لواشنطن منفعة مباشرة من هكذا قرار، وجميعنا يعلم أن إعتراف الولايات المتحدة رسميا بالإبادة الأرمنية فيه ضرر لواشنطن على الأقل من الناحية السياسية والاقتصادية. بالتالي ما حققه اللوبي الأرمني حتى اليوم يعتبر إنجاز بحد ذاته حسب العديد من المراقبين.
أضف إلى كل ما سبق أن مسؤولوا اللوبي يعتبرون أن هدفهم ليس فقط إنتزاع إعترافات دول العالم بالإبادة الأرمنية بل أيضا الأهتمام بجعل القرارات الصادرة من تلك الدول متوافقة مع المصالح الأرمنية بالدرجة الأولى وبالتالي هم يدعمون الإقتصاد في أرمينيا بشكل أو بآخر ويسعون إلى إزدهار هذه الجمهورية.
لجنة الإجراءات السياسية الأمريكية الأرمنية، وهي لجنة أسسها السيد ألبيرت بوياجيات، هي من المنظمات التابعة للوبي الأرمني ولكن هدفها ينصب على حماية قضايا الأرمن الأمريكيين إضافة إلى العمل على تعزيز الديموقراطية في جمهورية أرمينيا ومساندة ناكورني كاراباخ في تقرير مصيره وتكثيف الفعاليات الخاصة بإحياء الذكرى السنوية للإبادة الجماعية الأرمنية.
أما الجمعية الأرمنية في أمريكا فتسعى إلى تعزيز علاقات الولايات المتحدة مع كل من جمهورية أرمينيا وجمهورية آرتساخ (ناكورني كاراباخ) إضافة إلى تقديمها للدعم الكبير للإعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية وهو ما تفخر هذه الجمعية بإنجازه في العديد من الدول الغربية.
فيما يلي دراسة مقدمة من المحامي اللبناني الأرمني هاكوب آبريليان الذي نشره في موقع آزاد هاي قبل سنتين، حيث دخل آبريليان إلي أعماق هذه الجماعات والتقى أساتذة العلوم السياسية لتحليل هذه القضية ودراسة الدور الحقيقي الذي تلعبه هذه اللوبيات وأثره على القرارات التي تتخذها حكومات الدول.
تعريف وخصائص:
خلافا للأحزاب السياسية ,فان جماعات الضغط لا تسعى الوصول إلى السلطة. وهذا ما يميزها عن الأحزاب السياسية. وفي المقابل، فإنها تتدخل في السياسة دفاعا عن أفكارها ومصالحها الخاصة.
من هنا، لكي نستطيع، في نظر علم السياسة، أن نعتبر تجمعا ما جماعة ضاغطة، يجب على هذه الجماعة أن تتمتع بخصائص معينة، وأن يكون الضغط الذي تمارسه ليس فقط فعليا، بل سياسيا أيضا، أي ضغطا على السلطة السياسية. بهذا المعنى، فالجماعات الضاغطة هي فاعل أساسي في الحياة السياسية من خلال تأثيرها المباشر أو غير المباشر على السلطة السياسية بواسطة المنتخبين والأحزاب والرأي العام إضافة إلى إمكانياتها الذاتية.
تتمتع جماعات الضغط عموما بخصائص ومزايا معينة، أبرزها أربع وهي:
1- التنظيم: أن حداً أدنى من التنظيم هو أمر ضروري لكي يصح اعتبار مجموعة ما مجموعة ضغط.
2- الدفاع عن أهداف خاصة: ينبغي على المجموعات التي تمارس ضغطا سياسيا أن تفعل ذلك من اجل هدف خاص بها .
3- استقلالية القرار: لكي تكون مجموعة ما مجموعة ضغط يجب أن تتمتع باستقلالية القرار، أي أن لا تكون مجرد أداة في يد منظمة أخرى أو وسيلة خاصة من وسائل عمل هذه المنظمة .
4- ممارسة ضغط سياسي فعلي: تتحرك لتأثير في اتخاذ القرارات، أو لتبديل التوجهات السياسية للسلطة في القضايا التي تهم هذه الجماعات.
الولايات المتحدة:
يقول روس فارتيان، مدير الجمعية الأرمنية في أمريكا أن هدف عمل اللوبي الأرمني هو التوجه للمجتمع الأمريكي خاصة أعضاء الكونجرس ومراكز الأبحاث وصانعي السياسة والإعلام مع مراعاة عدم إدراجهم علي لائحة أي من الحزبين الأمريكيين القويين، كي يتمكنوا من الحصول علي الدعم المعنوي من كلا الحزبين.
وهناك أكثر من مليون ونصف المليون أمريكي أرمني ولديهم عضوان في مجلس النواب وعدة صحف تصدر باللغة الإنجليزية، وهم يؤلفون لوبي براجماتي يرفض الانضمام لحزب معين حتى لا يخسر دعم الحزب الآخر، ولكنه يقنع المرشحين من كلا الحزبين بأنه يساند كل واحد منهم.
يؤلف الأرمن جالية كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت أولى هجراتها قبل الحرب العالمية الأولى، ولعل مجازر الأرمن التي ارتكبتها تركيا بعد ذلك كانت دافعاً معززا لأكبر هجرات الأرمن إلى الولايات المتحدة.
وتؤكد الدراسات الأميركية إن الأرمن هم أهم وأكبر تأثيرا من أية جالية أخرى بعد الجالية اليهودية على السياسة الأميركية، فهم يملكون رؤوس أموال ضخمة ويسيطرون على مشاريع مهمة واستراتيجية عدا عن أن ديانتهم سمحت للكثير منهم الدخول في عصب السياسة الأميركية.
الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا :
بعد سنتين من المثابرة نجح اللوبي الأرمني في فرنسا، في إقناع البرلمان الفرنسي ومجلس الشيوخ الفرنسي بـالاعتراف بعمليات الإبادة التي تعرَّض لها الأرمن عام 1915. وقد أحدث ذلك صدمة في نفوس أهل الحكم التركي الذين توقعوا ألاَّ تصدر مثل هذه الإدانة من جانب فرنسا في لحظة تسعى فيها تركيا اكتساب هويتها الأوروبية الشاملة والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
بلغة الأرقام، هنالك حوالي نصف مليون أرمني في فرنسا، قدِموا إليها على ثلاث موجات، الأولى قبل حوالي 300 سنة والثالثة والأخيرة قبل حوالي 30 سنة وكان سببها الاضطرابات في بعض دول منطقة الشرق الأوسط وبالذات لبنان والعراق وإيران. لكن الموجة الثانية من الهجرة الأرمنية إلى فرنسا التي حدثت في أعقاب المحنة التي عاشها الأرمن عام 1915، كانت هي الأكثر أهمية، ذلك أن أفراد هذه الموجة وبالذات صغار السن بينهم، حملوا معهم معاناة الإبادة وبعد أن اكتسبوا الجنسية الفرنسية حققوا لأنفسهم مع مرور الوقت حضوراً مهماً داخل المجتمع الفرنسي، يشبه في بعض جوانبه الحضور الأرمني في لبنان، حيث بات لهم نواب في البرلمان ووزير أو اثنين في كل حكومة يجري تشكيلها. وفي فرنسا الآن نائبان أرمنيان يتصدران اللوبي الأرمني الذي نجح بفضل المثابر واللعب على التناقضات في أوساط العاملين في حقل السياسة في فرنسا، في استصدار الاعتراف الذي له فعل إدانة لتركيا.
وعند الحديث عن التناقضات والمماحكات والصراعات التي تحتدم، وبالذات في مواسم الانتخابات النيابية والرئاسية، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الكم الملحوظ من الأرمن في فرنسا يثير لعاب أي مرشح للانتخابات الرئاسية وبالذات عندما تبلغ حمى المعركة درجة الخطر على نحو ما حدث في السباق بين شيراك وجوسبان قبل سنوات.
الشرق الاوسط :
بدأت العلاقات الارمنية – الاسلامية منذ الفتح العربي، وقطعت مراحل كثيرة وصولا إلى مطلع قرن العشرين. ازدادت هجرة الأرمن إلى المدن العربية بعد مذابح الأرمن العظمى والتي جرت في أعوام 1915-1923 وأزهقت فيها نفوس مليون ونصف المليون شخص من مواطني الدولة العثمانية. وللأرمن علاقات حسنة ودية مع الدول العربية، يوجد عدد كبير من الأرمن الذي يعيشون في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين والأردن ومصر. يتمتع الأرمن في الدول العربية بالحرية في ممارسة نشاطاتهم الدينية والتربوية والرياضية، وتزيد عليها في لبنان الحرية السياسية.
طاقات الأرمن هائلة في بلدان المشرق لكنها لا تزال تنتظر من يوحدها ويجمع شتاتها ليوظفها في خدمة القضية الكبرى. وبالرغم من ذلك نجد أن جماعات أرمنية في الشرق الأوسط تهدف إلى تقديم الوثائق والأبحاث العلمية الدقيقة المتعلقة بتاريخ الشعب الارمني والقضية الارمنية، وتنوير الرأي العام العربي والإسلامي بحقيقة هذه القضية بأبعادها التاريخية والسياسية والقانونية وتعزيز الصداقة الارمنية العربية والإسلامية، من خلال تشجيع العلاقات الدبلوماسية والثقافية والاقتصادية بين أرمينيا والدول العربية والإسلامية.