حين يسلط الضوء على قاعدة أنجرليك واستخدامها كقاعدة، من المفيد أن نعود بالذاكرة الى تاريخ المنطقة، لتوضيح أن قاعدة “إنجرليك” الواقعة بالقرب من أضنة تقع على أراض أرمنية.
كيف ذلك؟! الإجابة ببساطة تكمن في صلب عمليات التهجير والإبادة التي قامت بها الامبراطورية العثمانية، بالإضافة الى عمليات السلب والنهب التي كانت تجري بحق الممتلكات الأرمنية من كنائس وأديرة وممتلكات شخصية.
فكانت الحكومة التركية آنذاك تقوم بفرض ملكيتها على مباني المستشفيات والمدارس والمسارح الأرمنية، وتستولي على جميع الممتلكات ومراكز الحرف والأراضي الزراعية للأرمن الذين أصبحوا ضحية الإبادة، ويتم إقرار تعيينات ومنحات خاصة بالباشاوات على أساس قانون يتم إقراره من قبل المجلس الأعلى في الامبراطورية العثمانية يضفي الطابع القانوني على الإستيلاء على تلك الأراضي.
وفي عام 1915 تم الإستيلاء على أراض في أضنة تابعة للمواطنين الأرمن ديكران أفندي وكالينه / كارينه خاتون (أصبحت لاحقاً منطقة قاعدة “إنجرليك”)، وشملت تلك المساحة 4 قطع أرض ومبان سكنية ومساحة 496 هكتار، وتم تسليمها إلى البنك الزراعي. أما في عام 1923 أي بعد إعلان تأسيس الجمهورية التركية تم نقل ملكيتها إلى البنك المركزي.
وتقدم أفراد عائلات ديكران وكالينه المقيمون في الولايات المتحدة أليكس باكاليان وآنايس هاروتيونيان وريتا ماهديسيان بدعوى إلى المحكمة الاتحادية في ولاية كاليفورنيا ضد البنك الزراعي التركي والبنك المركزي في تركيا مطالبين بتقديم تعويض لقاء ذلك بمبلغ 100 مليون دولار.
يذكر أن مقدمي الطلب يملكون أوراق ثبوتية وسجلات عقارية لقطعة الأرض في أضنة حول القاعدة العسكرية أنجرليك، وقد أوضحوا في الطلب الذي تم تقديمه إلى المحكمة الاتحادية أنه في الوقت الراهن تشكل ممتلكات آبائهم جزءاً من قاعدة “إنجرليك” الحربية، وتبلغ قيمة 4 قطع أراضي والمنازل السكنية 63 مليون و900 ألف دولار، ولكن ونتيجة الحصول من الجيش الأمريكي على الأجر لقاء شغل تلك المساحة ونسبة الفائدة التي أتت على تلك المبالغ فإن قيمة تلك الممتلكات إزدادت، لذا يجب على تركيا أن تقدم تعويضاً بمبلغ 100 مليون دولار.
وشرعت المحكمة الاتحادية في كاليفورنيا -باعتبارها الطالب الشرعي ضد تركيا حول مسألة التعويض- بالنظر في القضية. إضافة إلى ذلك قدمت المحكمة الطلب بصورة رسمية إلى تركيا للقيام بالدفاع عن نفسها في المحكمة إلا أن وزارة الخارجية التركية زعمت أن واقع السيادة لايمكن أن يسمح لأي بلد بمحاكمة بلد آخر ورفضت طلب المحكمة.
وتحمّل وزارة الخارجية تلك المسؤولية الى البنك الزراعي والبنك المركزي لكي تتهرب من تهديد التعويض. وهكذا قدم المصرفان رسالة جوابية بالدفاع إلى المحكمة الاتحادية في كاليفورنيا.
وذكر في الرسالة أن الأسرة الأرمنية بإشارتها إلى أنه قد تم الإستيلاء على ممتلكات آبائها أثناء فترة الترحيل تحاول وضع المسؤولية على تركيا في حين أن جمهورية تركيا قد تم تأسيسها في عام 1923 لذا فإن قرارات وقوانين الدولة التركية العثمانية ليس باستطاعتها أن تكون ملزمة بالنسبة لتلك الجمهورية. ويعيد المصرفان إلى أذهان المحكمة أن البنك الزراعي تم تأسيسه في عام 1863 والبنك المركزي في عام 1930 مشيرين إلى أنه يوجد لديهم وضع مؤسسات أجنبية لذا فإن المحكمة في كاليفورنيا ليست قادرة على إثارة دعوى ضدهم وخاصة أن ذلك يتعارض مع مطالب الاتفاقية الموقعة بين تركيا والولايات المتحدة حول المطالب المرتبطة بالتعويضات.
في نفس الوقت إن البنوك التركية من وجهة نظر التعويض باعتبارها غير كافية الوثائق التي عرضها أصحاب الطلب على المحكمة وخاصة صور جوازات ديكران أفندي وكارينه خاتون والشهادات الخاصة بالملكية التي تم الحصول عليها من الأرشيفات العثمانية بهدف البرهان على كونهم وريثي تلك الملكية، تطالب بوقف تلك العملية لأن الفترة الخاصة بهذه القضية قد انتهت لقدمها.
ورغم أن مصادر إعلامية تركية نسبت القضية إلى البنكين الزراعي والمركزي، لكن في الواقع أصحاب القضايا ليسوا البنوك بل الدولة التركية وإلا فكانت المحكمة ستطلب من البنوك الدفاع عن نفسها. في الواقع يُعتبر واقعياً الحصول على التعويض أيضاً. وإلا لما كانت هذه البنوك قد قامت عوضاً عن وزارة الخارجية التركية بإرسال أجوبة على تساؤلات المحكمة في كاليفورنيا ولما كان قد أثار القلق لديها مسألة المطالبة بالتعويض ولما كانت قد أشارت بصورة واضحة إلى أن ذلك لم يتم عرضه بإسم الحكومة التركية. rيذكر أن المحكمة الأمريكية طلبت من تركيا عام 2011 مذكرة دفاعية في غضون 21 يوما تجاه دعاوي رفعت ضدها من قبل ثلاثة من الأرمن المقيمين في الولايات المتحدة بخصوص عقارات في تركيا يدّعون امتلاكها بما في ذلك أراض في قاعدة “انجرليك” الجوية المستأجرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد قام الأرمن الثلاثة أحفاد الأرمن الذين تعرضوا لإبادة جماعية من قبل العثمانيين عام 1915، برفع دعاوي ضد كل من الحكومة التركية والبنك المركزي وبنك الزراعة، للمطالبة بعقارات قالوا أنها عائدة لأجدادهم.
وعقب النظر في الدعاوي الثلاثة، طلبت المحكمة الامريكية من السلطات التركية إعداد مذكرة دفاع إزاء الدعاوي الثلاثة.rوالجدير بالذكر الى أن قرارات المحكمة الأمريكية المذكورة لاتمتلك “صبغة تنفيذية” حيال تركيا او اي مؤسسة فيها. أما فيما يخص الحصول على التعويض فمازالت جلسات المحاكمة مستمرة، ويؤكد الحقوقي فارتكس يغيايان صاحب القضية بأنه في حال ربح الدعوى فإن ذلك سيعني أن المحكمة الأمريكية اعترفت بحقيقة الإبادة الأرمنية وتكون ورقة رابحة بيد الأرمن.
بقلم: د. نورا أريسيان | نقلا عن دام بريس