كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أمس، أن طائرة شحن عسكرية أذرية هبطت وأقلعت مرتين في إحدى القواعد الجوية الإسرائيلية أثناء جولة القتال الأخيرة بين الجيش الأذري والأرمن في ناكورني كاراباخ.
وكانت الحكومة الأرمنية قد احتجت رسمياً على المساعدات العسكرية الإسرائيلية لأذربيجان، والتي تجسدت أساساً باستخدام طائرات هجومية من دون طيار ضد الأرمن. وتوصف العلاقة بين إسرائيل وأذربيجان بـ “التحالف الاستراتيجي”، وهناك معطيات تشير إلى أن صادرات إسرائيل من الأسلحة والمعدات العسكرية لأذربيجان بلغت خمسة مليارات دولار منذ العام 2012.
وأشارت صحيفة “هآرتس” إلى أن طائرة شحن عسكرية كبيرة أقلعت من باكو، وحطت مرتين مؤخراً على ما يبدو في مطار “عوفدا” العسكري في النقب. وتظهر معطيات الطيران المدني أن المرتين اللتين هبطت فيهما الطائرة الأذرية في إسرائيل كانتا قبل أسبوعين، أي في ذروة جولة القتال الأخيرة بين الجيش الأذري والأرمن في كاراباخ.
وبحسب معطيات الطيران الدولي فإن طائرة شحن من طراز “أليوشن 76″ حطت في إسرائيل في الرابع من نيسان الحالي للمرة الأولى ثم في السادس من نيسان. وحملت الطائرة نداء سلاح الجو الأذري ” AZAF8 “، وطارت فوق الأجواء التركية ثم القبرصية قبل أن تدخل المجال الجوي الإسرائيلي من جهة تل أبيب.
ووفق المعطيات الدولية أيضاً فإن الطائرة لم تهبط في مطار اللد، وإنما واصلت تحليقها شرقاً نحو غور الأردن ثم جنوباً نحو إيلات، وخفضت السرعة وانخفضت قبل أن تختفي عن شاشة الرادار على بعد عشرات الكيلومترات من مطار “عوفدا” العسكري. وفي المرتين اللتين هبطت فيهما الطائرة في إسرائيل، لم تمكث على الأرض أكثر من ثلاث ساعات قبل أن تقلع عائدة إلى باكو.
وتظهر معطيات الطيران أن هذه الطائرة الأذرية التي تحمل التسجيل “4 K-78131” توجد منذ أول أيلول 2014 ضمن ملكية وزارة الدفاع الأذرية. ولكنها قبل ذلك كانت ملكاً لشركة “SilkWay” الأذرية المتخصصة في نقل الشحنات الكبيرة والأعتدة الهندسية والحاويات والمواد الخطيرة. وتعمل هذه الشركة مع وزارة الدفاع الأذرية ووزارات دفاع مختلفة في أرجاء العالم، ولديها خط طيران دائم للشحن بين مطاري باكو واللد تستخدم فيه طائرتي “بوينغ 747” تهبطان وتقلعان كل أسبوع.
وتوصف العلاقة بين إسرائيل وأذربيجان بالتحالف الاستراتيجي، وتقوم أساساً، من جانب إسرائيل، على قاعدة مجاورة أذربيجان لإيران. وتستغل إسرائيل هذا الجوار كقاعدة استخبارية متقدمة لمتابعة ما يجري في إيران، التي نظرت إليها طوال العقد الماضي على أنها الخطر الأكبر الذي يتهددها بسبب مشروعها النووي. لكن أذربيجان كانت أيضاً أحد أهم مصدري النفط لإسرائيل، وفي المقابل كانت أحد أهم مستوردي السلاح من إسرائيل. وبحسب معطيات دولية فإن إسرائيل باعت أذربيجان أسلحة وأعتدة حربية بحوالي 5 مليارات دولار خلال السنوات الأربع الماضية. وفي أيلول العام 2014 زار باكو وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون بهدف تعزيز التعاون الأمني بين الدولتين.
وكان المعلق الأمني لصحيفة “معاريف” يوسي ميلمان كتب قبل أسبوعين مقالة حول “الغرام القوقازي” القائم بين إسرائيل و “حليفتها الشيعية”، أظهر فيها معالم التعاون الاستخباري وكيف غدت هذه الدولة “أفضل صديق لإسرائيل” في آسيا الصغرى. وأفاد ميلمان أن العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان بدأت مع استقلال هذه الدولة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، وقد تعززت إلى مستوى “التحالف الاستراتيجي” الذي تعزز بسبب إيران والحرب في كاراباخ. وتقود هذا التحالف من الجانب الأذري عائلة علييف، من الأب إلى الإبن التي تسيطر على مقدرات تلك الدولة بفضل الفساد.
وأشار ميلمان إلى أنه وفق منشورات أجنبية تعمل في أذربيجان محطة كبيرة للموساد، تستغل الحدود المشتركة مع إيران لرصد ما يجري في الجمهورية الإسلامية. وكانت وثائق “ويكيليكس” قد كشفت برقية أميركية من السفارة في باكو تقتبس عن الرئيس إلهام علييف الإبن قوله إن “العلاقات الثنائية بين أذربيجان وإسرائيل أشبه بجبل الجليد. تسعة أعشاره تحت السطح”. وكان السفير الإسرائيلي في باكو أرثر لانك قد كشف لزميلته السفيرة الأميركية هناك، في العام 2007، أن هناك اتفاقاً للتعاون الأمني بين الدولتين، وأن مستشار علييف وصل لإسرائيل لإجراء محادثات أمنية مع نائب وزير الدفاع موشي سنيه وممثلي الموساد.
وكتب ميلمان أن التجارة المتبادلة بين إسرائيل وأذربيجان هائلة، وتقدر بمليارات الدولارات، وتعتمد أساساً على تبادل النفط والسلاح. وأوضح أن العلاقات الأمنية في مطلع التسعينيات كانت محدودة، لكن الأمر تطور لتغدو قيمة هذه العلاقات مؤخراً بمليارات الدولارات، ما يجعل من أذربيجان أحد أهم أسواق السلاح الإسرائيلي، لتغدو في المرتبة الثانية في آسيا بعد الهند.
وعدا عن تحديث الطائرات الأذرية وبناء سفن لصالح البحرية هناك، كشفت “واشنطن بوست” في حمى الجولة الأخيرة من القتال مع أرمينيا عن صورة طائرة من دون طيار تابعة للجيش الأذري تهاجم حافلة “متطوعين” أرمن في ناكورني كارباخ. وكانت وزارة الدفاع الأرمنية قد أعلنت عن مقتل سبعة من الأرمن في هذه الغارة التي نفذتها طائرة “هاروف”، من إنتاج الصناعات الجوية الإسرائيلية. وقد وصلت مثل هذه الطائرة لأذربيجان ضمن صفقة وقعت في العام 2012 بقيمة 1.6 مليار دولار مع الصناعات الجوية الإسرائيلية.
وفي حينه نشرت الصحف الإسرائيلية عن قيام السفير الأرمني غير المقيم في إسرائيل أرمان مالكونيان بتقديم احتجاج رسمي من حكومة بلاده لإسرائيل على حادث الطائرة هذا، وعلى صفقات الأسلحة التي تزود أذربيجان بها.
بقلم: حلمي موسى | نقلا عن السفير