10881.jpg

ناكورني كاراباخ.. صراع الشرق الأوسط الى القوقاز

روح العداء بين “الأرمن” و”الآذر” في منطقة القوقاز قديمة ولها أسبابها العرقية والدينية والتاريخية، لكن بوادر تفجر الصراع في إقليم “ناغورني كاراباخ” تحديدا تعود إلى العشرينيات من القرن الماضي. ولفهم أبعاد الصراع يجدر القول بداية أن هذا الإقليم من الناحية الجغرافية يقع في قلب أذربيجان لكن من الناحية الديمغرافية تسكنه أغلبية أرمينية بنسبة 95%.

صراع “ناغورني كاراباخ”.. امتداد للصراع السوري

يدور الصراع على هذا الاقليم الواقع في قلب “القوقاز” وقريباً من منابع نفط بحر قزوين حيث تتشابك وتتصادم المصالح الإقليمية والدولية بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا فضلا عن اللاعبين الأساسيين في الأزمة أرمينيا وأذربيجان وقادة قره باغ.

هذا الصراع القديم-الجديد، ليس بعيداً عن إشتباك اللاعبين الاقليميين والدوليين في الشرق الاوسط عامة وسوريا خاصة، فعدوى إنهيار الحدود الجغرافية وفي عدد من دول الشرق الاوسط لاسيما الحدود اللبنانية-السورية، والسورية-العراقية وهشاشة حدود اخرى بين اكراد العراق وسوريا وتركيا، ربما أصابت “القوقاز” بمرض رسم حدود جديدة بين الدول وربما نشأة دول اخرى.

تحالفات شرق اوسطية.. الى القوقاز

لفهم التطورات الامنية المتسارعة بين “أرمينيا” و”آذربيجان” والصراع الدائر في إقليم “ناغورني كاراباخ” والتحالفات القائمة في هذه المنطقة علينا معرفة التركيبة الديمغرافية القوقازية، فالتحالف الارمني-الروسي يرتكز على الانتماء “الأرثوذكسي” للبلدين، اما التحالف الأذربيجاني-التركي قائم منذ ايام السلطنة العثمانية والعلاقة الاقتصادية اضافة الى اللغة التركية المشتركة بين البلدين.

أما ازمة الايرانيين تكمن في عدم القدرة على استيعاب أن هناك دولة شيعية لم تنصاع لأوامر الطموح الفارسي، لا بل تروج لمشروع “الجامعة الطورانية” النقيض لمشروع “ولاية الفقيه”، مما دفع ايران الى تحالف مع المحور “الأرثوذكسي” الى جانب روسيا وارمينا لمواجهة “الكفار” الشيعة في أذربيجان المتحالفين مع تركيا.

روسيا تنتقم من اميركا وتركيا

من هذا المنطلق نرى ان سبب الصراع له وجه دولي مرتبط بالصراع الروسي-الاميركي، وخاصة بعد زيارة الرئيس الأذري إلهام علييف الى الولايات المتحدة، واجتماعاته مع المسؤولين الأميركيين، ورغبة واشنطن إلى تعميق العلاقات الأذري مع الولايات المتحدة الأميركية. مما أثار تخوف الرئيس الروسي من تطويقه من سوريا الى اوكرانيا، فما كان منه الا اشعال اللهيب في ناغورني كاراباخ، قبل هبوط طائرة الرئيس الأذري في باكو عائداً من واشنطن، وهو إشارة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لعلييف، تهدف إلى ردعه عن التمادي في تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، في وقت يتصاعد التوتر في العلاقات الروسية-التركية الى حدود غير مسبوقة على خلفية الصراع السوري، والاستفزازات الروسية للاتراك.

صراع “ولاية الفقيه” و”الجامعة الطورانية”

ايران تعتبر في صراع “ناغورني كاراباخ” فرصة تاريخية للدخول على خط الصراع، ومحاولة زعزعة أمن الجمهورية الأذربيجانية المروجة لمشروع “الجامعة الطورانية” الكافرة بنظر “ولاية الفقيه”، وضرب النظام الذي تعتبره ايران ديكتاتوري ويدين بالولاء الكامل لتركيا.

ولايران خلفيات كثيرة تدفعها للاطاحة بنظام الرئيس الأذري إلهام علييف، فحسب إحصاءات يشكل الفرس 51% من السكان البالغ عددهم قرابة 70 مليون نسمة، في حين يشكل الأذريون 24% ويتركزون بمعظمهم في منطقة الشمال حيث الحدود المشتركة مع ايران، وبالتالي خطر العرق “الأذري” بالنسبة الى ايران يفوق بكثير تحديات عرب الاحواز الذين لا يتجاوزون 10% من الايرانيين.

لذلك لم تعد ايران تخفي دعمها العلني لارمينا وتعلن استعدادها للمساعدة العسكرية، ومن يدري ربما ترسل لاحقا حرسها الثوري او تطلب من “حزب الله” التوجه الى ارمينيا لحماية “دير خور فيراب” قرب جبل أرارات الذي يعتقد ان سفينة نوح رست عليه، وهكذا يتكرر المشهد الايراني في سوريا تحت ذريعة حماية المراقد الشيعية، ولكن بأسلوب قوقازي يتناسب مع المفارقات الشرق اوسطية، الا ان اسرائيل حاضرة دائما ومن الثوابت القوقازية-الشرق اوسطية بالنسة لبروباغندا الممانعة التي تصر ان اسرائيل والموساد متغلغلان في الجمهورية الأذربيجانية وطريق القدس تمر عبر العاصمة الأذري باكو.

بقلم: طوني بولس | نقلا عن القرطاس نيوز

scroll to top