10091.jpg

قبرص، أرمينيا وأوكرانيا… ساحات جديدة للحرب الباردة بين روسيا وتركيا

إسطنبول ـ «القدس العربي»: تتوسع دائرة الصراع غير المباشر المتصاعد سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بين موسكو وأنقرة منذ حادثة إسقاط طائرات حربية تركية مقاتلة السوخوي الروسية لتشمل أوراق البلدين في الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا، والقضية القبرصية، بالإضافة إلى أوكرانيا والقرم في مشهد يمكن توصيفه ببدايات «حرب باردة» طويلة الأمد بين الإمبراطورية الروسية وتركيا المدعومة من حلف شمال الأطلسي «الناتو»، ليضاف ذلك لساحة الصراع الأساسية في سوريا.

وبالإضافة إلى العقوبات السياسية والاقتصادية المباشرة التي أقرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد تركيا، بدأت الحكومة الروسية باستخدام أوراقها الدولية لتشكيل مزيد من الضغط على الحكومة التركية في ظل استبعاد اللجوء إلى الخيار العسكري المباشر.

أرمينيا وأذربيجان.. الجيش الروسي على حدود تركيا

على مقربة من الحدود التركية، أعلنت وزارة الدفاع الروسية نشرها المزيد من الطائرات الحربية في إحدى قواعدها في أرمينيا، بالتزامن مع ارتفاع حدة التوتر والاشتباكات بين أذربيجان (حليفة تركيا) وأرمينيا (حليفة روسيا) خلال الأيام الماضية.

وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن الجيش نشر 8 طائرات «ميك»24 وحوامات «مي 8»، في القاعدة الروسية المتواجدة بالقرب من العاصمة يرفان، على أن يتم إرسال المزيد من التعزيزات إلى القاعدة حتى نهاية العام الحالي، والتي تضم منذ تأسيسها في العام 1995، مقاتلات «ميغ 29» الروسية، حيث تمتلك موسكو قاعدة أخرى بالقرب من مدينة «غومرو» ثاني أكبر المدن الأرمينية الواقعة بالقرب من الحدود التركية.

وتنضم تلك المروحيات العسكرية إلى أسراب من المروحيات فضلا عن القوات الروسية التي تتمركز في القاعدة الجوية الروسية، فضلا عن تواجد قوات روسية في مدينة «غيومري/ Gyumri» شمالي أرمينيا، حيث نصبت موسكو صواريخ اعتراضية من طراز (S-300)، ومقاتلات من طراز «ميغ -29» وطائرات من دون طيار، حيث كثفت روسيا من تحركاتها العسكرية بأرمينيا بالتزامن مع تفاقم حدة الاحتقان مع الغرب على خلفية الأزمة السورية والحرب في أوكرانيا.

ومنذ أيام تتواصل الاشتباكات، بين أذربيجان وأرمينيا، على خط الجبهة، بعد خرق وقف إطلاق النار، من قبل الجانب الأرميني، حيث ذكرت وزارة الدفاع الأذرية، أن «الجيش الأرميني انتهك وقف إطلاق النار، 98 مرةً، خلال 24 ساعة الماضية»، موضحًا أن «القوات الأرمينية، أطلقت 82 قذيفة هاون، باتجاه مواقع القوات الأذرية، واستهدفتها بالأسلحة الثقيلة، بينما رد الجيش الأذري واستهدف 104 مواقع ودمر عربة مصفحة للجيش الأرميني». وذلك عقب مقتل ضابط أذري.

وتتهم أذربيجان جارتها أرمينيا باحتلال إقليم «قره باغ»، منذ عام 1992، حيث نشأت الأزمة بين البلدين عقب انتهاء الحقبة السوفيتية، وتدعم الحكومة التركية الرواية الأذرية بينما تقف روسيا بجانب أرمينيا، وتعد روسيا حليفا عسكريا لأرمينيا، وتنشر الآلاف من جنودها في هذه الجمهورية السوفيتية السابقة.

ومنذ بداية الأزمة مع روسيا أعلنت حكومة أذربيجان وقوفها بجانب تركيا ووقع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الذي زار أذربيجان اتفاقية كبير لشراء الغاز الطبيعي ليكون بديلاً عن الغاز الروسي في حال قطعه.

ويتوقع مراقبون أن تواصل روسيا الضغط على الحكومة التركية من خلال تفعيل ما يعرف بـ»المذابح ضد الأرمن» التي يتهم الأرمن الدولة العثمانية بارتكابها بحقهم في تلك الحقبة التاريخية ويسعون لانتزاع اعتراف دولي بها وتعهد بالتعويض من الحكومة التركية قد يصل لعشرات المليارات من الدولارات، وهو ما تنفيه أنقرة وتسعى لإفشال أي تحركات دولية في هذا الاتجاه.

قبرص.. قاعدة عسكرية روسية بالمتوسط

وعلى الجانب الآخر من الحدود التركية، تحركت الدبلوماسية الروسية في مسعى للتسبب بمزيد من الإزعاج والضغط على الحكومة التركية، وسط أنباء عن قرار روسي وترحيب قبرصي بإنشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية في قبرص، وتوقيع اتفاقية كبيرة للتعاون العسكري بين الحكومتين.

وقبل يومين، أعلنت السفارة الروسية بنيقوسيا أنه «يتم في الوقت الراهن بحث منح امتيازات (لروسيا) باستخدام المطارات والموانئ (القبرصية) في حال حصول أمور طارئة»، مشيرة إلى أن «الحديث لا يدور عن أي استخدام عسكري للمنشآت» في الجزيرة.

يأتي ذلك عقب قيام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة خاطفة إلى نيقوسيا وسط تكتم عن الموضوعات التي ناقشتها الزيارة، لكن وسائل الإعلام القبرصية تحدثت عن اتفاق يتم التحضير له سرا لإنشاء قاعدة بحرية روسية ثانية في المتوسط.

ويرجح المراقبون أن يكون قرار إنشاء موسكو قاعدة بحرية في قبرص قد اتخذ، وأن الحاجز الأخير الذي كان يعوق التنفيذ أزيل بعد حادث إسقاط تركيا قاذفة «سو-24» الروسية مؤخرا. وفي فبراير/شباط الماضي، عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مباحثات مع نظيره القبرصي عن شكره لنيقوسيا، وأشار إلى أنه لا توجد أي عوائق تحول دون التعاون بين البلدين على الصعيد العسكري، وأن خير دليل على ذلك إتاحة الجانب القبرصي الإمكانية لدخول السفن الحربية الروسية التي تكافح الإرهاب والقرصنة إلى موانئه.

وترى موسكو في خطواتها ومساعيها لإنشاء قاعدة عسكرية في قبرص انجازاً كبيراً على صعيد توسيع الحضور الروسي في شرق المتوسط وتقديم غطاء لنشاط شركات النفط والغاز الروسية في المنطقة، كما ترى موسكو في هذه الخطوة رداً على حلف الأطلسي الذي أعلن إطلاق خطة انضمام جمهورية الجبل الأسود البلقانية إلى عضويته في إطار سياسة التوسع، الأمر الذي تعارضه موسكو بشدة، إذ سارع الكرملين إلى الإعلان أن روسيا سوف ترد على هذه الخطوة لا محالة.

أوكرانيا.. عدو موسكو اللدود

ولا تبدو الأزمة الأوكرانية وقضية شبه جزيرة القرم بعيدة عن «الحرب الباردة» بين تركيا وروسيا، فأنقرة التي عارضت بشدة ضم شبه الجزيرة إلى روسيا ما زالت تمتلك بعض أوراق القوة هناك، وتتمتع بعلاقات متيمنة مع الحكومة الأوكرانية المعادية لروسيا.

في المقابل تسعى روسيا لتشديد قبضتها على القرم وممارسة مزيد من الضغوط على سكانها الذين يرتبطون بصلاة تاريخية وعرقية بتركيا، ويرى مراقبون أن أنقرة يمكنها تشكيل مزيد من الضغط على روسيا من خلال تعزيز علاقاتها مع الحكومة الأوكرانية. وبإيحاء من موسكو أعلن، الأربعاء، سيرجى أكسيونوف رئيس جمهورية القرم المطلة على البحر الأسود أن 5 مدن في جمهوريته قررت قطع علاقات التآخي مع مثيلاتها في تركيا. وقال: «بلدية مدينة يالطا الشهيرة في جنوب روسيا، اتخذت قرارا بفسخ علاقات التآخي مع أنطاليا التركية التي كان السائحون الروس يتوافدون عليها بكثرة حتى الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى 4 بلديات أخرى».

وكانت الحكومة الأوكرانية تعهدت بسد فجوات محتملة في سوق المواد الغذائية التركية بعد فرض روسيا قيودًا تجارية على تركيا، في أعقاب إسقاط الطائرة.

بقلم: إسماعيل جمال
نقلا عن القدس العربي

scroll to top