شريط ضخم صوّرت مشاهده بين لبنان، مرسيليا، أرمينيا، حيث تدور الأحداث وتتصاعد على مدى 134 دقيقة مع فريق متماسك وسيناريو عميق ومؤثر جداً، وضعه المخرج الأرمني روبرت غيديغيان مع جيل توران، عن سيرة خوسيه أنطونيو غوريران، بما يعني أن الحيثيات التي نتابعها حقيقية.
(une histoire de fou) أو ( don’t tell me the boy was mad) فيلم يغطّي القضية الأرمنية سياسياً، إجتماعياً، عسكرياً، ما بين مكان الإقامة لجالية أرمنية كبيرة جداً في مرسيليا منذ أوائل القرن الماضي، وبعد المجزرة التي حصلت قبل مئة عام ضد أجدادهم من الأتراك، وأرمينيا الدولة التي ضمتهم جميعاً كمرجعية وطنية، وصولاً إلى لبنان الذي يعمل الفيلم حسابه من خلال توفير التدريب للفصائل الأرمنية المسلحة في مناطق نائية من البقاع تحت سلطة ميليشيات وأجهزة مخابراتية، ومن ثم إلى مخيمات فلسطينية في بيروت تؤمن للعناصر الأرمنية المسلحة غطاءً وملاذاً، وفق ما يشير إليه السياق المحدد للأحداث في الفيلم.
ربما لا يقول: قصة مجنونة، جديداً حين يشير إلى إرتباط وثيق بين الأرمن كشعب وقضيتهم، لكن الحماسة تبلغ ذروتها مع إستعدادهم لمناقشة حرة ومباشرة لواقع القضية بمنطق القوي من دون حرج، خصوصاً من خلال القصة المجنونة التي يبني الفيلم عليها ثقله، عندما يقبل مناضل مسلّح لقاء أحد ضحاياه من الفرنسيين البريئين جيل تيسييه (غريغوار لوبرنس رينغيه) والذي أصيب في رجليه خلال تنفيذ آرام (سيروس شهيدي) عملية تفجيرية لإغتيال السفير التركي في فرنسا.
آرام يختصر في شخصه وذويه جوانب وتداعيات القضية الأرمنية، فوالده صانع الحلويات هوفانس ألكسندريان ( سيمون أبكاريان ) الذي لا يؤيد العنف أبداً، ويعتقد أن بالإمكان بلوغ المراد بوسائل أخرى غير الأسلحة التي تجرّ على الأرمن سمعة سلبية، وكان دائم الشجار مع زوجته آنوش ( آريان أسكاريد ) التي تؤيد إغتيال أكبر عدد من المسؤولين الأتراك، لكي يجبروا في وقت ما على الإعتراف بالمجازر التي إرتكبوها بحق الشعب الأرمني، وكانت تدعم مشاركة آرام في كل التظاهرات والحراكات الأرمنية للتذكير بالقضية وضحاياها، إلى أن “وقع الفاس في الراس” وغادر آرام البيت وفرنسا، وإلتحق بإحدى الجماعات المسلحة التي أوكلت إليه تنفيذ عملية إعتيال السفير التركي في فرنسا، وفوجئ لحظة التفجير بتوقف شاب وسيم منطلق إلى جانب سيارة السفير، فإنتظر إبتعاده للحظات ولم يفعل، ففجر العبوة وطار الشاب جيل عن دراجته الهوائية، وأصيب في رجليه، وباشر العلاج الصعب مصاباً في معنوياته فطرد خطيبته طالباً الوحدة.
آنوش قصدت المستشفى الذي يعالج فيه جيل، وإعتذرت منه على ما أصابه عن طريق الخطا بإسم الشعب الأرمني، وعند الباب صارحته بأن إبنها هو الذي نفّذ العملية وتطلب منه الصفح، وتترك له عنوان منزلها ورقم الهاتف لتفاجأ بعد أيام به جالساً على كرسي متحرك يقرع الباب طالباً لقاء آرام، وعندما أبلغ أنه غادر إلى لبنان، رغب في دخول غرفته والتعرف على حاجياته ثم بات ليلته في سريره.
وتلعب آنوش دور المحفز على الفوز بلقاء يجمع جيل ب آرام، ولأنها ستحظى بفرصة لقاء إبنها ولو لمرة واحدة، لذا سافرت وجيل بغية لقاء آرام في البقاع، وتمّ إبلاغها أنه أصبح في أحد المخيمات الفلسطينية في ضواحي بيروت بعدما إختلف مع المسؤول العسكري عن التدريبات فروج (اللبناني رودني الحداد الذي يتحدث الفرنسية في الفيلم) وهرب أمام الجميع في شاحنة صغيرة وإلتحق بأحد المخيمات، و تأمن اللقاء عبر أحد أصدقاء آرام، ووصل آرام إلتقى والدته، وتحدث إلى جيل الذي سجّل الحوار كصحفي لكي ينشره، وودعهما، وبينما هو يبتسم لهما وهو يصعد إلى سيارته ليخاطبه شاب ويطلق النار عليه ويرديه أمام والدته وجيل.
في الفيلم ثلاثة لبنانيين رودني الحداد ودور جيد على محدوديته، وقد أبلغنا أن هناك عدة عروض خارجية سينمائياً لن يعلن عنها إلاّ حين يوقّع عقوداً. وتبرز الممثلة الجميلة والمتمكنة والرائعة رزان جمّال كبطلة حقيقية ومميزة في دور أناهيت المقاتلة الأرمنية التي تقع في غرام آرام، والثالث هو عمر ميقاتي الذي يظهر كسائق تاكسي في بيروت، وفي لقطة واحدة يستطيع أي كومبارس تصويرها.
شريط صادق، جريء، ويشرح جوانب القضية الأرمنية بتوازن ومنطق.
بقلم: محمد حجازي، كاتب وناقد فني.
نقلا عن قناة الميادين.