ملكون-ملكون.jpg

الإبادة الأرمنية دماء وحبر – الحلقة الأولى

(( سحب أوهان حصانه الأسود، ووضع رجله في الركاب الأيسر. وقبل أن يضع الثانية في الركاب الأيمن وصل الحصان إلى قمة جبل صاصون. هناك وجد حصان دافيد، ابن أخيه، شارداً في الجبال من دون خيّال. ورأى جيش الفرس يملأ السهل كأنه أمواج البحر))
الشاعر هوفهانيس تومانيان (مقطع من أسطورة “دافيد الصاصوني”)

دعونا نرتب قليلاً ما حدث و كيف حدث و لماذا حدث ؟؟
قبل الحرب العالمية الأولى …. خرجت روسيا منتصرة من الحرب ضد تركيا سنة 1878. في 19 شباط انعقدت معاهدة سان ستيفانو بين الطرفين. طلب المؤتمر من تركيا إجراء الاصلاحات اللازمة في الولايات الأرمنية. لكن، وبعد ضغوط الانكليز الذين تسلموا إدارة جزيرة قبرص بعد مفاوضات سرية مع الأتراك، تم عقد مؤتمر آخر في برلين استبدل خلاله البند 16، المتعلق بالإصلاحات الأرمنية ، بالبند 61، الذي أعاد منطقة غارين (المعروفة اليوم بإسم إرضروم) إلى تركيا، وولايات قارس وأرضاهان إلى روسيا. أبقى البند تركيا راضية بحذف كلمة أرمينيا من البند السابق؛ و بذلك لم تعد تركيا مجبرة على القيام بالإصلاحات.

بالفعل وبعد سنتين، راحت السلطات التركية تمنع استخدام كلمة أرمينيا في الوثائق الرسمية. وفي سنة 1844، إنتفض الأرمن في منطقة زيتون ضد الضرائب التركية الخيالية. ثم قامت الحكومة التركية بتقسيم أرمينيا الغربية إلى ولايات وهي: إرضروم، خاربوت، ديار بكير، درسيم، تيفليس، فان، هيكياري، وسيواس ، وفي سنة 1888 أغلقت السلطات التركية الصحف والجرائد الأرمنية في إسطنبول والولايات الأرمنية. وبين 20 و 27 آب من العام 1894، وقعت مجازر كيلي غوزان في صاصون، حيث قتل الأتراك كل الأرمن الأبرياء والمجردين من السلاح… وقد أرغم الجيش التركي السكان الأرمن على مغادرة منطقة أنطاكيا نحو الغابات والوديان، ثم أحرقت هذه الغابات المكتظة بالأرمن. وكانت الحصيلة النهائية لهذه المذابح مقتل 10 آلاف أرمني وتدمير 74 قرية أرمنية في صاصون.

وفي 16 تشرين الأول من العام 1895 شن الجيش التركي هجوما على منطقة أورفا في يتيسيا، ورغم المقاومة العنيفة التي اصطدمت به، تمكن الجيش من ذبح حوالي 10 آلاف أرمني. وفي اليوم ذاته ذبح حوالي خمسة آلاف أرمني في شابين كاراهيسار. وتكرر المشهد ذاته في 21 تشرين الأول في منطقة أرزينغان في ولاية ارضروم، وفي 25 تشرين الأول في بتليس. وفي 16 آذار سنة 1897 أكد تقرير القنصلية البريطانية على مجازر أورفة وحلب التي نفذتها الفرق الحميدية في 27-28 تشرين الأول سنة 1895. وأرسلت القنصلية الفرنسية رسالة إلى السفارة الفرنسية في إسطنبول، حيث ترجح عدد القتلى الذين وقعوا في دياربكر إلى خمسة آلاف. لكن في الحقيقة كان العدد قد وصل إلى 30 ألفا مع تدمير 119 قرية. وفي 10 تشرين الثاني، واصلت القوات الحميدية هجماتها المتكررة على مدينة فان ، هذا بالإضافة إلى تدمير مدينة عنتاب ومقتل حوالي 1500 أرمني في 15-17 تشرين الثاني.

وفي 18 تشرين الثاني، وقعت مجازر مرعش. أما في نوردوز، هايوتس تسور، غافاش، كارشيفان فسقط الأرمن ذبحاً أو حرقاً. وفي 28 كانون الأول، ذبح حوالي 8000 أرمني في أورفة. ومرة جديدة أكدت القنصلية البريطانية والفرنسية عدد القتلى.
وهكذا بلغ مجموع ضحايا سنة 1895 إلى 300000 دون ذكر هؤلاء الذين أجبروا على التتريك أو الهجرة القصرية والذين يصل عددهم إلى 250000. وبقيت المذابح تسير على نفس الطريقة و الدماء تسيل بذات الحقد حتى الحرب العالمية الأولى و يومها كانت البطريركية الأرمنية في إسطنبول تقدر عدد الأرمن الساكنين في تركيا بـ 2.100.000 نسمة.

في تموز سنة 1914، إندلعت الحرب العالمية الأولى وحافظ الأرمن على حيادهم حرصا على مبدأ عدم الخيانة للإمبراطورية العثمانية، وتجنبا للقتال مع أخوانهم الساكنين في أرمينيا الروسية المنضمين إلى الجيش الروسي. ولكن، وبالرغم من هذه الحيادية، فقد تحول وجود بعض الأرمن في الجيش الروسي إلى ذريعة كبيرة عند الأتراك لما سيفعلونه لاحقا للقضاء على الشعب الأرمني.

في كانون الأول سنة 1915، تلقى أنور باشا خسارة فادحة في معركته ضد الروس وقد شكلت هذه الخسارة فشلا كبيرا للأحلام الطورانية، وكالعادة حمّلت السلطات التركية الأرمن مسؤلية ما حصل. هكذا تمّ جمع الشبان الأرمن في فرق عسكرية تركية، وتحت ذريعة عدم قيامهم بواجبهم الوطني قُتلوا أو تم إستخدامهم كأهداف للرماية.

ويصف ترينسكي (عضو المجلس القومي الروسي) في تقريره، حالة المهجرين الأرمن ويذكر أن مع الهجمات التركية، كانت الصفوف الأرمنية المهجرة تزداد أكثر فأكثر، مضيفا أن ما حصل لم يكن هروبا من الحرب، بل ترحيلا قسريا لشعب بأكمله.
في شباط من سنة 1915، عقد وزير الحرب أنور باشا إجتماعا سريا مع 75 من أهم القادة الاتحاديين. كان الهدف من وراء هذا الاجتماع وضع الخطة النهائية للإبادة الأرمنية. وتشير الدلائل إلى أنه تم اتخاذ القرار قبل بضعة سنوات.
وأمر الثلاثي التركي (المؤلف من أنور وجمال وطلعت) جميع الحكومات المحلية بتنفيذ الإبادة الأرمنية.

في 15 نيسان، هجم الجيش التركي على منطقة فان، بينما كان الأرمن يهربون نحو الشمال تحت حماية القوات الروسية. فتم ذبح حوالي 24000 أرمني وتدمير نحو 80 قرية، بعدما اتهموا بالتعامل مع العدو الروسي.
وفي هذه المرحلة، دفع وصول أخبار المجازر وما يحصل في الولايات، الأرمن إلى اتخاذ تدابير احترازية ومراكز للمقاومة. ومرة جديدة استخدمت السلطات هذه الظاهرة كذريعة على ما كانت ستفعله لاحقا وتتهم الأرمن بالخيانة.
في 24 نيسان 1915، تم اعتقال اهم القادة الوطنيين الأرمن في اسطنبول (ويصل عددهم إلى 800 من حزبيين وأطباء ونواب ورجال فكر و رجال دين) واعدامهم إما شنقا أو من خلال قطع الرؤوس أو رميا بالرصاص. طبع ذلك اليوم ذاكرة الأرمن وأمسى تاريخا لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها.

وفي شهر أيار صدر قانون مصادرة كل الأملاك والأراضي التي تخلى عنها الأرمن هربا من ظروف الحرب. وفي 24 أيار، حذرت كل من بريطانيا وروسيا وفرنسا السلطات التركية وبشكل علني من كل ما يحصل، وحملت القادة الأتراك المسؤولية شخصيا. هذه كانت المرة الأولى التي تنبه فيها القوى العظمى الدولة التركية بأن الإجراءات المتخذة بحق الأرمن تشكل جريمة ضد الإنسانية. وظلت المجازر والبشاعة موجودة حتى داخل صفوف الجيش حيث قتل 12000 جندي أرمني في ولاية دياربكير. وتم استكمال سلسلة الترحيل وإخلاء منطقتي خاربوت وطرابيزوند من سكانها الأرمن. ولا تزال صور الوثائق التي تنص على الأمر بترحيل الأرمن موجودة في أرشيف الولايات المتحدة الأمريكية.

بقلم: ملكون ملكون
نقلا عن موقع: thevoiceofreason.de

scroll to top