11260.jpg

الأرمن خارج خرائط التقسيم.. بقلم: سالم زهران

الأرمن خارج خرائط التقسيم.. بقلم: سالم زهران

ما إن أطل المسمى “الربيع العربي” برأسه، وبالتزامن مع انتقاله السريع إلى مرحلة “تقطيع الرؤوس” بدأت تظهر خرائط جديدة للعالم العربي والمنطقة على شاشات بعض الفضائيات المُنظرة للمشروع التقسيمي في ملاقاة لما كان يجري في الميدان من حملات إبادة وتهجير على خلفيات مناطقية ومذهبية وإثنية واضحة المعالم، وفي إحدى تجلياتها ما حصل “للأزيديين” الذين تعرضوا لما يشبه “الإبادة” وسط حفلات “الجنون الداعشي” من سبي للنساء ومصادرة للأملاك بذريعة تطبيق شريعة “الدولة الإسلامية” وخليفها أبو بكر البغدادي المبايع بدماء الأبرياء.

سريعاً تمترست بعض الكتل المذهبية والأثنية خلف “دشمها” معلنة الحرب على باقي المكونات، فيما وجدت شرائح أخرى في البحر طريقاً للهروب من الغرق في مستنقع التقاتل. غير أن مكونات أخرى لم تجد سبيلاً للنجاة إلا عبر “التقية” والبوح بما لا تؤمن دراً من الخيارين الأمرين الموت أو التهجير كما حصل في بعض قرى ريف إدلب. وبالرغم من تسمية المنتحل صفة الربيع “بالعربي”، إلا أن الناطق والمعبر عنه جاء تركياً ،فرفعت صور “الخليفة الجديد” رجب طيب أروغان في شوارع القاهرة عشية دخول الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي قصر الاتحادية، فيما ازدحمت الفنادق التركية بقيادات المعارضة السورية التي فاوضت العالم كله على الملفات الشائكة على هامش الحرب السورية، كما فاوضت الأجهزة اللبنانية على مختطفين لبنانيين من عسكريين ومدنيين اختطفوا في عرسال اللبنانية على يد المجموعات المسلحة، بإشراف وحضور الاستخبارات التركية الراعي الرسمي لشتى المجموعات المسلحة من “النصرة” فرع القاعدة في بلاد الشام إلى “أحرار الشام” وسواها، بينما لم تجرؤ على إخراج “الأبوة” لداعش إلى العلن وإن كان ذلك غير خافٍ على من يعنيهم الأمر بشأن تلك العلاقة السرية التي عبّر عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرة في اتهامات صريحة لأردوغان بدعمه لداعش وأخواته.

ومع مشاهد المجازر الداعشية تعود إلى الذاكرة صور الإبادة الأرمنية التي ارتكبها أجداد أروغان بشعب أعزل عشية تقسيم النفوذ ورسم الخرائط الجديدة خلال وبعد الحرب العالمية الأولى. مسجلة ما يقارب مليون ونصف المليون نسمة على قيود الذبح. زمن المجازر على مائدة المسمى “الربيع العربي” والخرائط الجديدة التي ظهرت، دفع ببعض المجموعات والمكونات إلى التقوقع على قياس الخرائط الجديدة، فيما ظهرت حالات فردية وشرائح اجتماعية من طينة الأشداء، أبت التمترس خلف ستار المذهبية والتقسيم دون التخلي عن الانتماء والهوية سواء الوطنية أو العقائدية. لعل شريحة الأرمن الأكثر تجسيداً لعينة “الأشداء – العصاة” على التقسيم والتقوقع في الخرائط الكيانية الجديدة رغم هول المجازر الحالية وما لها من جذور في الذاكرة الجماعية لزمن المحرقة الأرمنية.

أرمن سورية انخرطوا في مشروع الدولة في مواجهة العصابات المسلحة من “كسب” التي أعيدت إلى كنف الحكومة السورية مؤخراً ومعها مهجريها الذين وفدوا إلى اللاذقية، وصولاً إلى حلب حيث صمد الأرمن رغم ظروف الحياة الصعبة إلى حدّ الاستحالة، أما من تسرب خارج الحدود فذهب ومفتاح بيته في جيبه ليقينه بالعودة إلى الديار التي تفاعل مع محيطه فيها متعالياً على الطائفية وأمراضها. وعليه يبدو أن الشعب الذي اختبر الإبادة الأولى عشية رسم خرائط دول و كيانات المنطقة، ظهر مرة جديدة عصياً على خرائط التقسيم في زمن الإبادة الداعشية التي خطط وحشد لها أحفاد مرتكبو الجريمة الأولى.

وأمام هكذا نموذج فلا يمكن للإجرام مهما تمادى أن يكسر إرادة الحياة التي لو تجسدت “قوس قزح” لكان “الأرمن” أحد أجمل خيوط ألوانه.

بقلم: سالم زهران | الجمهورية

scroll to top