9670.jpg

أردوغان الرابح.. أردوغان الخاسر

نجح رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان في الانتخابات المبكرة بالفوز بالأغلبية البرلمانية التي تتيح لحزبه “العدالة والتنمية” تشكيل حكومة منفرداً لكنه فشل في تحقيق طموحه الذي طالما راوده بتحويل نظام الحكم إلى رئاسي بفشله بالحصول على 376 مقعداً اللازمة لإقرار مثل هذا الإجراء من دون اللجوء إلى استفتاء شعبي.

نجح أردوغان بحصوله على 316 مقعداً برلمانياً في تمديد حكم حزبه 4 سنوات أضيفت إلى 13 سنة من الاستفراد بالسلطة لكنه فشل في الحصول على 330 مقعداً تمكنه من الدعوة إلى استفتاء عام لتعديل نظام الحكم وسيضطر للجوء إلى كسب ود المعارضة، التي لن تسانده بكل تأكيد، في تحقيق مراده الذي طالما سعى إليه ليظل متربعاً على كرسي الرئاسة بصلاحيات جديدة بقيت غصة في حلقه وعقبة دون تحوله إلى دكتاتور يضع يده على مقدرات تركيا بطريقة شرعية وأكثر انتهازية.

لعب أردوغان على تناقضات الحكومات الأوربية وعلى “الضيوف” السوريين لديه فأقحمهم في غياهب البحر لكسب تعاطف الرأي العام الأوربي معهم وتأييد سياسته وإغرائه باحتوائهم ولو عن طريق التوقيف القسري والخطف لوقف نزيف مسلسل الهجرة وكسر حدة تسارعه مقابل منح مالية كبيرة.

كما لعب أردوغان على مخاوف ناخبيه الأتراك فخيرهم بين حكمه المتسلط والفراغ وعدم الاستقرار وموجباته وبين تنظيم “داعش” و”إرهاب” حزب العمال الكردستاني من جهة والازدهار الموعود ووحدة البلاد والأمن الذي عجز عن توفيره لهم وعزف على وتره خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، من جهة أخرى.

ولم يخف أردوغان، بعد ثلاثة أيام من فوز حزبه بالانتخابات، رغبته في تعديل الدستور بموجب استفتاء عليه بما يمنحه صلاحيات واسعة كرئيس للجمهورية تحد من قدرة معارضيه على مساءلته.

والحال أن أردوغان يريد عبر استشارة رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو لزعماء معارضيه حول إجراء تعديلات دستورية تلويح بالفكرة أو تسجيل موقف أو من حتى باب “فض العتب” لأنه قادر، وفق تصوره، على شراء أصوات 14 برلمانياً من أحزاب المعارضة اللازمة لإجراء الاستفتاء على الدستور الذي يحوّل منصبه الشرفي إلى تنفيذي أسوة بأوباما وبوتين على الرغم من أنه دعا مرات عديدة إلى تحويل نظام الحكم في سورية إلى رئاسي شرفي لحل مشاكلها وأزمتها في الوقت الذي يبيح لنفسه ما يحرمه على غيره!.

من المؤكد أن أردوغان سيعيد سيرته الأولى بكم أفواه وسائل إعلام المعارضة لمنعها من كشف الحقائق، وخصوصاً التي ظهرت جلية خلال الانتخابات مثل شراء الأصوات الانتخابية، وهو ما كانت تتخوف منه أحزاب المعارضة، واللجوء إلى استخدام العنف خلال الحملة الانتخابية على اعتبار أن غاية تحقيق طموحاته تبررها وسائله غير المشروعة ومنها الاعتداء على متظاهري ديار بكر الذين اتهموه بالتزوير وإغلاق قناة تلفزيونية واعتقال صحفيين والاعتداء على آخرين.

سياسياً، الهدنة مع “الكردستاني” انهارت نهائياً ومن المؤكد أن أردوغان وبعد إقصاء أي شريك محتمل له في حكومته سيواصل انتهاج سياسته الخارجية ذاتها عبر غوصه في مستنقع الأزمة السورية عبر دعم إرهاب المتطرفين والتكفيريين، الأمر الذي سينعكس سلباً على الوضع الأمني داخل تركيا وينسف الوعود التي قطعها أمام ناخبيه، أي أن تركيا لن تنعم بالسلام ما دام أردوغان و”العدالة والتنمية” في سدة السلطة.

وثمة قضية لا زالت تؤرق أردوغان وهي تهيئة الظروف الملائمة لاسترجاع نجله الأكبر بلال إلى تركيا من إيطاليا وهو المتهم مع وزراء بجرم اختلاس أموال في قضية فساد كبرى كشفت في كانون الأول من العام ما قبل الماضي وأغلق والده عندما كان رئيساً للحكومة التحقيقات بشأنها إلا أنها هزت تركيا التي غادرها بعد هزيمة أرودغان في انتخابات حزيران الماضي بذريعة إكمال دراسته في معهد جون هوبكينز للدراسات الدولية العليا في بولونيا الايطالية ومعه أموال طائلة تعود للعائلة لتشغيلها علماً أن الشركة التي يمتلكها بلال استحوذت على أكثر عروض ومناقصات الدولة التركية بطريق الوساطة والتجاوزات، الأمر الذي يثير حفيظة المعارضين والشعب التركي بشكل عام.

خيب أردوغان دراسات استطلاعات الرأي التي ذهبت إلى أن حزبه لن يتمكن من حصد أصوات تخوله تشكيل حكومة منفردة، وكذلك سيخيب ظن الناخبين الذين صوتوا له بالنهوض من كبوة الاقتصاد وكبح تراجع قيمة الليرة التركية، التي تحسنت بشكل مؤقت مع إعلان نتائج الانتخابات، والتطلع نحو تحقيق استحقاقات السلام مع جواره الملتهب والذي يمعن في تزكية نيران حرائقه التي ستمتد لا بد إلى الداخل التركي ما لم يراجع الرئيس التركي سياسته الخارجية ويوقف تدفق الإرهابيين إلى سورية للمساهمة في صنع السلام في بلد أنهكته الحرب وأصبح مصدر قلق يهدد المنطقة والعالم.

بقلم: ليون زكي، رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني.

scroll to top