9311.jpg

كنيسة الصليب المقدس في فان.. بقلم: آرا سوفاليان

تعود تسمية مقاطعة فان الى بحيرة فان وهي بحيرة ماء زلال كانت موجودة منذ البدء، وعاش الارمن على ضفاف هذه البحيرة ثلاثة آلاف سنة قبل المسيح والفيّ سنة بعده، الى أن جاء الأتراك الحاليين قبل 400 سنة ليروعوا اهل فان ويحيلوا فان وما حولها الى خراب ويدّعون ملكيتها كما فعلت اسرائيل بالجولان والقنيطرة أكبر شاهد، وعاد أهل فان لإعمار مدينة فان وحرثوا أراضيها وأصلحوها وعاد الخير الى مدينة الخير بفضل اصحابها الفعليين (ولا يحنًّ على العود غير قشره…وهذا ما يقوله صانعوا الأعواد…وأعظم صانعي الأعواد هم من الأرمن)

وعادت زوارق الرهبان بمجاديفها لتجوب ارجاء البحيرة ذاهبة الى دير الصليب المقدس الذي يتوسطها وهي تحمل ارزاق الدير من الضفاف وتحمل الصيد الوفير من اسماك الطارخ التي تعيش في هذه البحيرة الحلوة.

وعاد مصاصوا الدماء الى فان بعد ان عاد الخير اليها بجهود اصحابها، عادوا يريدون حصتهم وادعوا ان لهم حق شرعي في المدينة واهلها…وسكت الأرمن على الظلم سنين طويلة وحدثت المواجهة الكبرى في العام 1915 …واستبسل أهل فان في الدفاع عن مدينتهم خلف المتاريس وخلف الأسوار وصمدوا صمود الأبطال وأهل فان هم من القلائل الذين اعجبوا بنصائح الكنيسة التي تدعوا الى عدم المقاومة والصلاة والتضرّع الى الله تعالى لعله يزيل الغمّة…أعجبوا بنصائح الكنيسة ونفّذوها حرفياً ولكن بالسلاح والذخائر والمجابهة والمواجهة حتى الرمق الأخير…ونفذت ذخائرهم وتأخر الجيش الروسي في الوصول لنجدتهم ووصل ليرى ان جثث القتلى من الأرمن تجاوزت ارتفاع الاسوار…وأن فان تحولت الى مدينة محترقة محروقة منكوبة، لا يسمع في ارجائها إلا إصوات الحرائق وسعير النار ولا يرى في سمائها سوى الدخان لأسود.

ولم يبق في فان أرمني واحد، لقد قتل الجميع، واستطاع البعض كسر الحصار، والهروب بإتجاه الشرق ووصلوا ارمينيا الشرقية، وانخرطوا في جيشها الفتي وصنعوا مأثرة النصر والاستقلال مع الآخرين… وفي 13 تشرين الثاني 1920 صدر القرار التحكيمي للرئيس الأميركي وودرو ويلسون وبموجبه أصبحت مساحة ارمينيا 160 ألف كيلو متر مربع وبإستعادة الأقضية السبع (كارس وآرداهان وفان وموش وارزروم وارزنغان وطرابزون) صار لأرمينيا منفذ على البحر الأسود…ولكن حسابات ويلسون ومعه من معه من الباحثين عن الحرية والعدل لم تعجب أؤلئك المتحكمين الفعليين بالارض وما عليها…فأظهروا اتاتورك وسرجوا له ولبطانته السروج وجعلوا له جيش ومؤيدين وامكانات ودفعوه ليحارب ويتوسع بإتجاه الشرق ويقلب الطاولة على رأس ويلسون ومن معه وجمهورية أرمنية الفتية التي دفنت في المهد، ليقوموا في خطوة لاحقة بعزل ويلسون عن سدة الرئاسة ومعه كل بطانته ومؤيديه في البيت الأبيض وأهمهم، أشرف يهودي على وجه الارض وهو السير هنري مورغنتاو سفير الولايات المتحدة الاميركية في الدولة العثمانية آنذاك وموجه ومستشار الرئيس وودرو ويلسون…ومات الجميع مهمّشين في الظلال.

أما الاتحاد السوفياتي فقد شعر بأن الخطة الجديدة ستؤدي الى ضياع حصته مما بقي من الكعكة الجديدة فسارع بالتعاون مع الشيوعيين الأرمن الى احتلال ما تبقى من ارمينيا وضمّه الى الاتحاد السوفياتي تحت مسمّى جمهورية ارمينيا السوفياتية، والحمد لله أنه فعل ذلك.

وبالعودة الى فان وما حدث في فان، وفيها آني عاصمة أرمينيا قبل يريفان، وآني مدينة الألف كنيسة، وكنت أعتقد أن في هذا مبالغة، فكيف يبني أرمن آني ألف كنيسة في العاصمة آني، وأرمن دمشق لم يبنوا ولا أي كنيسة أرمنية في دمشق بعد النزوح!!!

ففي دمشق ثلاث كنائس ارمنية لا غير، الأولى كنيسة القديس سركيس للأرمن الأرثوذوكس وتقع بجانب الباب الشرقي لمدينة دمشق…جاء الأرمن بعد الابادة في العام 1915 ورأوا الكنيسة التي بنيت منذ الحروب الصليبية جاهزة وفي انتظارهم فالتجؤوا اليها، فهم لم يبنوها بالمطلق وبناها ارمن الحروب الصليبة وقبل وصول ارمن الكارثة الكبرى 1915 وبكثير…والكنيسة الثانية هي كنيسة الأرمن الكاثوليك في باب توما جادة البكري، واسمها كنيسة سلطانة لعالم (المقصود صفة للسيدة العذراء والدة يسوع الانسان) وهذه الكنيسة لم يبنيها الارمن بل اشتروها بحرّ مالهم من طائفة الروم الملكيين الكاثوليك بشرط عدم تغيير اسمها، وقد فعل الأرمن ذلك…أما الكنيسة الثالثة فهي كنيسة جماعية بروتيستانتية يحتلّ فيها الارمن جزء من القدّاس أو يتم فيها عمل قداس مخصص للأرمن البروتيستانت يتلى باللغة الارمنية…وهذه الكنيسة الثالثة لم يبنيها الارمن.

تبين بحسب سجلات البابوية الارمنية الشرقية المقدسة الاتشميادزين ان هناك ألف كنيسة في مدينة آني بنيت بأياد أرمنية بألف اسم مختلف وهدمت كلها بأياد تركية وتمت تسوية ما بقي منها بالارض في العهد الكمالي وباستخدام الديناميت، عدا واحدة هي الاعجوبة رقم ثمانية من عجائب الدنيا السبع!!! حيث لا نعرف السبب في انه لم يتم التعرض لها لا بالديناميت ولا بغيره ولم تقتلع حجرة من حجارتها…هذه المسألة غير مفهومة.

وتم في الآونة لأخيرة اعادة ترميمها وتأهيلها وتم افتتاحها في قداس احتفالي مهيب وذهب المحتفلون لأرمن الى البلاد لتي جاؤوا منها بعد نهاية الاحتفال وبعد ان أنفقوا ثروة ذهبت كلها كعائدات سياحية للدولة المحتلة للكنيسة ولمدينة فان وكل ارمينيا الغربية…ومن حيث النتيجة فهذا أفضل الحلول بالمقارنة مع الذي حدث في آني أو طورا بورا أو معبد بل في تدمر.

وبالنتيجة: تحولت كنيسة الصليب المقدس في فان من كنيسة تحت الاحتلال الى مصدر هام للعائدات السياحية مع بقائها كنيسة تحت الاحتلال… ولأن مقولة (لا يحنًّ على العود غير قشره…وهذا ما يقوله صانعوا الأعواد…وأعظم صانعي الأعواد هم من الأرمن) صحيحة.

ولطالما ان المدخولات السياحية هي بيت القصيد، فهي لكم ولكن اعطونا العود ليحنّ عليه قشره بمعنى اعطونا كل الكنائس الارمنية لنعيد ترميمها وتأهيلها، ولتكن لكم مدخولاتها السياحية حتى يبدّل الله من حالٍ الى حالِ.

آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
18/09/2015

scroll to top