9194.jpg

متحف آرام بيزيكيان لأيتام الإبادة

متحف آرام بيزيكيان لأيتام الإبادة الأرمنية

منذ عشرة أعوام طرح كاثوليكوس الأرمن الارثوذكس آرام الاول كيشيشيان فكرة انشاء متحف يحكي تاريخ الشعب الأرمني، ويوثق ابادته في تركيا عام 1915. واليوم تحقق الحلم بعد 3 سنوات من العمل، وصار “متحف آرام بزيكيان لأيتام الابادة الارمنية” حقيقة واقعة في ميتم “عش العصافير” في جبيل.

أراد أليكو بازيكيان تكريم جده وآلاف الايتام الذين عاشوا مأساة المذابح والتهجير وترعرعوا في هذا الميتم، فتبرع بانشاء متحف على اسمه، وتولى المهندس المعماري فيكين ترخنيان الاشراف والتنفيذ، ووضع شقيقه المهندس والمصمم الداخلي رافي سينوغرافيا المكان، بعدما اجريا بحوثا معمقة عن مجازر الارمن وقصصهم ومآسي الجوع والموت، التي عانوها، ورحلات العذاب من تركيا الى لبنان، وعايشا مآسيهم، فجسداها في المتحف حيث لكل تفصيل رمز وعبرة .

يقوم المتحف على مساحة 400 متر مربع من اصل 2000 متر تشكل كامل المساحة، والبقية حدائق واخضرار، وبينهما مدفن ماري جاكبسون والايتام الذين كانوا ينادونها “ماما” والذي يشكل همزة وصل بين الداخل والساحة الخارجية، حيث عاشوا في العراء وعلى الرمل قرب البحر. وعلى وقع موسيقى الكنيسة الارمنية وأصوات الاولاد وضحكاتهم وصلواتهم وأغنياتهم وموج البحر، تلج الى المتحف على دعسات اقدامهم الحافية التي ترمز الى الأثر الذي تركوه محفورا في الارض. وعلى جانب الممر تماثيل تجسد صورة أخذت في عام 1923 تصور ايتاما جاثمين على الارض جائعين، وأمامهم صحون من تنك، وماري توزع الاكل عليهم. وفي الاعلى مجسم معدني يكلل المدخل وكأنه يدها التي تحمي الاولاد.

الابادة والتخطيط

البداية من قسم الابادة، وفيه عناصر تهيئة الاتراك للمجازر في حق الارمن. وتظهر بالصور والوثائقيات الحياة اليومية للأرمن في قراهم التركية، وكيف كانوا يعيشون قبل الابادة بأمان وسلام. وتعرض وثائق عن الارزاق والاملاك، وصور عن المدارس والجامعات ومشاهد من انخراطهم في المجتمع التركي من النواحي الدينية والثقافية والاقتصادية. وفجأة، يظهر التحضير والتخطيط للمجازر عبر حائط مكسور وصفحات سوداء تروي التسلسل الزمني للابادة، وصور تتضمن ابشع المشاهد عن المجازر. وفي الجهة اليمنى احدث خريطة تبين كل بلدة حصلت فيها مجزرة وتورد بالارقام عدد الضحايا والشهداء، وترسم طريق الهجرة المنظمة والمخططة نحو دير الزور. وفي الوسط رمز الكنيسة الارمنية، الجرس، لكنه مكسور ومن دون “كلة”، وحبل متدل، ما يرمز الى محاولة اسكات صوت الكنيسة الارمنية. ويتصدر القاعة “حائط النخبة” وعليه صور 600 شخصية سياسية وادبية ودينية من نخبة المجتمع الارمني الذين اعدموا يوم 24 نيسان 1915.

العبور الى الحياة

ومن هناك الى جسر العبور من الموت الى الحياة للذين نجوا من المجازر ووصلوا الى لبنان، لتصل الى القسم الثاني الذي يتعلق بالايتام حيث تطالعنا هويات جديدة لحياة جديدة ، وتظهر ارجل الايتام الحافية تتقمص هذه الهويات، واعمدة تحمل صور الاطفال تمثل الاساس لبناء الجيل الجديد الذي سيشكل خميرة الاجيال المقبلة التي ستبرع بالمهن والحرف اليدوية. وهنا ايضا خريطة لتوزيع مياتم الارمن وانتشارها في منطقة الشرق الاوسط، وعلى شاشة كبيرة تتوالى صور الايتام وظلالهم مع ترداد اسمائهم، وعلى الحائط صور تروي قصة انشاء الميتم في جبيل وحياة الاولاد اليومية.
وفي الصدر سجادة حاكها ايتام غزير في عام 1925 واهدوها الى عصبة “New East Relief” التي اسست ميتم جبيل، وأغراض استعملها الايتام من كتب وأناجيل وادوات حياكة وحرفية وميداليات وهويات وحاجات اخرى، ولائحة باسماء 1560 يتيما عاشوا هناك بين 1920 و1925 . اضافة الى صور تروي مشاركة اللبنانيين في المعاناة من خلال المجاعة التي سببها الاتراك، فمات اللبنانيون من الجوع والارمن بالذبح.

النهضة والعدالة

القسم الثالث يحكي النهضة الارمنية وتجاوز المذبحة، حيث تحولت الخيم بيوتا خشبية، ثم كنائس، ثم باطوناً، ثم بلدات صغيرة مثل برج حمود، ما يظهر التطور المدني الارمني. وفي الوسط مجسم زجاجي يحتوي على ادوات ترمز الى المهن التي عملوا فيها وطوروها، ما جعلهم منتجين ومساهمين في بناء المجتمع اللبناني، وتميزوا في حقول التصوير وصناعة الاحذية والنحاسيات والخياطة والتطريز والموسيقى.

وللوصول الى قسم المطالبة بالعدالة لا بد من المرور في ممشى البطاركة الذين واكبوا الشعب الارمني منذ البداية في ايامه الصعبة ومسيرته المأسوية. وهنا صورة ضخمة في الذكرى الخمسين للمجازر الارمنية تظهر تجمعاً كبيراً يملأ الملعب البلدي في جونية، وصورة اخرى تجسد التظاهرة الكبرى التي جرت هذه السنة في الذكرى المئوية. وعلى حائط جانبي صور عن النصب التذكارية في العالم من اميركا وأوروبا وأوستراليا وأرمينيا غيرها. وينتهي المشوار بغرفة ماري جاكبسون حيث طاولتها وكرسيها وميدالياتها وادواتها وصورة كبيرة تجمعها بالاولاد استوحي منها اسم “عش العصافير”.

ويضم المتحف وثائقيات عن المجازر الارمنية، ومنها وثائقي يتضمن شهادات حية لرؤساء جمهورية ورجال دين من مختلف انحاء العالم يعترفون بحقيقة الابادة. وهو مجهز بشاشات على اللمس وسماعات وتسهيلات للمعوقين. وجمعت أغراضه من تقديمات الأرمن المنتشرين في الشتات وانحاء العالم.

بقلم: مي عبود ابي عقل
[email protected]
Twitter: @mayabiakl

scroll to top