أنور-باشا.jpg

أثنى على خونة أنقذوه.. أنور باشا أباد الأرمن وجنوده أيضاً

إنه عنوان مقال للكاتب انغين ارتشن نشرته صحيفة الصباح التركية مؤخراً، يصف فيه ما جرى في معركة ساريغاميش التي جرت في الفترة الممتدة بين 21 كانون الأول 1914 وحتى نهاية كانون الثاني 1915، حيث هزمت القوات الروسية في القفقاس قوات الجيش العثماني الثالث هزيمة نكراء، فقد خسر الجيش الثالث 85% من قواته البالغة عددها 100000 عسكري.

ويضيف: إن الكثير يعتقد أن عشرات الألوف الذين قتلوا قضوا بنيران الأعداء الروس كما يقول العرف والمنطق العسكري، المؤسف أنهم قتلوا من البرد والجوع والمرض وكان قاتلهم الحقيقي والمسؤول المباشر عن إبادتهم أنور باشا وزير الحربية عندما تولى قيادة هذا الجيش بنفسه وأصدر أوامره بالهجوم على المواقع الروسية في درجات حرارة تصل إلى 30 ما دون الصفر، ولجيش غير مجهز بأي تجهيزات لوجستية لخوض معركة في هذه الظروف القاسية من تضاريس جبلية صعبة وطرق مواصلات شبه معدومة، ولم تكن هذه المعركة ذات طابع دفاعي إنما كانت تعتبر إحدى مغامرات أنور الطائشة حيث كان يحلم بالوصول إلى الهند وإقامة إمبراطورية طورانية كبرى عبر اختراق جبهة القفقاس عند نقطة ساريغاميش، والمعلوم أن إقامة هذه الإمبراطورية كان يعتبر الهدف الإستراتيجي لحزب الاتحاد والترقي التركي، حزب طلعت وجمال وأنور، ويستطرد انغين ارتشن مستغرباً كيف أن كتب التاريخ التركي تصف هذا الفشل العسكري توصيفاً كاذباً وتقول عنها: إنها كانت معركة للتصدي لهجوم روسي غادر ومفاجئ في لحظة غير متوقعة.

هذا التوصيف لمعركة ساريغاميش كمعركة دفاعية لا يزال يؤيده اليوم الفاشيون والشوفينيون الأتراك الذين يمجدون أنور وأمثاله، ويصف الكاتب كيف أن أحد الكتاب الأتراك يستغرب في مقال له كيف أنه لا أحد يزور قبر أنور وطلعت في مقبرة شيشلي في اسطنبول، في حين يتدفق الآلاف لزيارة قبر أتاتورك في أنقرة، ويستنتج أنه من الصعب على المرء اليوم أن يصدق أكاذيب أنور وأمثاله. إذا أردنا أن نقيم أنور كوزير للحربية وقدراته العسكرية فلا بد لنا أن نستعين بآراء الضباط الذين عملوا معه ومنهم الجنرال الألماني ليمان فون سانددز الذي كان يشغل منصب المفتش العام للجيش العثماني حيث كان يعتبره مغفلاً في الشؤون العسكرية ويقول عنه بأنه يتمتع بصفات المغامر ولم يكن يتمتع بصفات الجنرال ومع أنه كان فطناً وماكراً إلا أنه لم يكن قائداً عسكرياً كفؤاً، أما مصطفى كمال فلقد كان يكيل اللعنات والشتائم لأنور عندما خدم في هذا الجيش عام 1916-1917 بعد هزيمته، وكان يعتبر أنور سبب دمار هذا الجيش الذي كان يضم زهرة شبان الأناضول وخيرة أبنائها المقاتلين الأشداء بسبب أحلامه الطورانية، ويصف أحد ضباط القيادة الألمان الملحقين في القيادة العثمانية هزيمة الجيش الثالث بأنه أصيب بكارثة لا توازيها في سرعة شموليتها كارثة أخرى في التاريخ العسكري، والجدير ذكره أن آلاف المجندين العثمانيين من الشعوب العثمانية من عرب وترك وأرمن وأكراد استشهدوا وأسروا من الروس حتى إن أنور نفسه كاد يأسر وقد أنقذه من الأسر بعض المجندين الأرمن، وهو الأمر الذي دفعه إلى الثناء عليهم رسمياً في أول شباط 1915، وعندما عاد أنور إلى اسطنبول بدأ بتبرير إخفاقه العسكري بإلقاء اللوم على الآخرين، قائلاً: إن الروس هم الذين شنوا عدواناً مفاجئاً على الأراضي العثمانية، وإن خيانة الأرمن للدولة العثمانية هي التي أدت إلى هذه الهزيمة، هذه الأكذوبة كانت الشرارة الأولى للبدء بأكبر عملية تطهير عرقي عرفها التاريخ وهي الإبادة الأرمنية، ولا يزال الكثيرون يصرون على أكذوبة الخيانة الأرمنية للدولة العثمانية حتى يومنا هذا، بالأمس تطرق الكاتب التركي تانر اكتشام إلى هذا الموضوع نافياً هذه الأكذوبة في مقالة له نشرت في صحيفة الطرف التركية حيث يصف فيه حال الأسرى من الجنود الأرمن العثمانيين الذين أسروا من الجيش الروسي ونفوا داخل معسكرات أسر في سيبيريا ويقول بأنه كان 129 أسير حرب أرمنياً ضمن معسكر واحد، ومن خلال نشر رسالتين كتبتا في تلك الفترة من أسرى أرمن عثمانيين حيث تظهر من خلال الأسطر المكتوبة مدى معاناة الأسرى من البرد وظروف الأسر القاسية.

نهاية هنالك سؤال يطرح نفسه دوماً، ما هذا الأنور الذي يثني على خونة أنقذوه وكيف يؤسر العميل والخائن من الروس، أسئلة كثيرة تظهر مدى التناقض والكذب لدى هذا الأنور الأرعن، لا أدري ماذا أقول عنه أهو أنور أم أتور، أم أظلم؟!

بقلم: سركيس بورنزسيان | نقلا عن صحيفة الوطن السورية

scroll to top