4677.jpg

ليون زكي: أرمن حلب بين التهجير والإصرار على البقاء

تحدث رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني ليون زكي في العدد الخاص لجريدة “أزتاك” الناطقة بالأرمنية (والتي صدرت ولأول مرة باللغة العربية) عن حال أرمن حلب ومعاناتهم من الحرب الدائرة في المدينة الأخطر للعيش فيها عالمياً، وذلك بمناسبة مرور مئة عام على الإبادة الأرمنية على يد العثمانيين سنة ١٩١٥.

وشدد زكي على ان حلب عانت كثيراً من ويلات الحرب الهمجية وسيطرة المسلحين المحسوبين والمرتهنين لقرار وأجندة الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان على أحياء فيها يشكل السوريون الأرمن غالبية سكان بعضها مثل الميدان وأقلية كما في الشيخ مقصود وبستان الباشا.

وأوضح بأن الأحداث المأساوية فرضت نفسها بقوة على أرمن حلب الذين يقيم معظمهم في حي الميدان، الذي يشكل خط تماس مع بستان الباشا حيث مركز ثقل فصائل معارضة مسلحة “تشير اسماؤها إلى أنها تركية الهوى والولاء مثل ألوية (السلطان مراد) و(السلطان عبد الحميد) و(محمد الفاتح) و(السلاجقة) وغيرها والتي يشكل التركمان العمود الفقري لجلها.

وقال: “الأرمن شعروا وتيقنوا ومنذ بداية عهدهم بمعركة حلب أنهم مستهدفون بشكل خاص، واضطروا للنزوح بشكل جماعي إلى الأحياء المجاورة أثناء اجتياح معظم حي الميدان من المسلحين قبل أن يعودوا إليه مع استعادة الجيش العربي السوري بسط سيطرته عليه، لكن القذائف المتفجرة من قذائف الهاون واسطوانات الغاز المنزلية الملغومة التي يطلقها (مدفع جهنم) والصواريخ محلية الصنع والتي لا تتوقف عن الانهمار حولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق، دفعت بحوالي ثلثي عددهم، الذي كان يقدر قبل الأزمة ٦٥ ألف نسمة، إلى الرحيل عن المدينة وقصدوا مدن سورية أخرى مثل دمشق واللاذقية وطرطوس، ومنهم من قصدوا لبنان ومن هناك توزع أغلبهم بين أرمينيا ودول أخرى، وما زال العدد في تزايد مع كل تصعيد عسكري أو مع اشتداد القصف بالقذائف التي لاحقتهم إلى حيي السليمانية والعزيزية حيث فضلوا السكن من جديد.

وشهد ليل ١١ الجاري الدامي تصعيداً عير مسبوق في إطلاق قذائف وصواريخ الإرهاب على حي السليمانية من الجماعات المسلحة، في توقيت متعمد بمناسبة الجمعة العظيمة التي تحول إلى الجمعة الحزينة، وغدا الفصح المجيد موعداً لتقبل العزاء بالعشرات من الشهداء عدا عن عشرات من الجرحى وتدمير هائل من المساكن والممتلكات، وبأوامر مباشرة من أردوغان وعصابته، لفرض موجة تهجير جديدة على المسيحيين عامة والأرمن خاصة من الحي الذي أصبح منطقة منكوبة، لكن ذلك لم ولن يزيدهم إلا إصراراً على التمسك بأرضهم في ظل الدعم الحكومي والتعاطف الشعبي معهم واللحمة الوطنية التي تليق بالحدث.

وذكر ليون زكي في تقريره أن عدد شهداء حلب لوحدها من السوريين الأرمن جراء القذائف والخطف والقتل ناهز ٣٠٠ شهيداً “سقطوا دفاعاً عن بقائهم وإصرارهم على التمسك بمساكنهم وورشهم ومحالهم التجارية ولقمة عيشهم دافعهم إلى ذلك حبهم وعطاؤهم وتفانيهم في خدمة مدينتهم وبلدهم سورية الذي احتضنهم في تغريبتهم الأولى عام ١٩١٥ على يد الأتراك العثمانيين الذين تكفل حفيدهم أردوغان بالتغريبة الثانية التي بلغت ذروة معاناتها مع حلول مئة عام على ذكرى الإبادة الجماعية الأرمنية“.

وأوضح زكي بأن لمطرانيتي الأرمن وكنائسهم نصيب من أعمال الإرهاب الممنهج بحقهم عبر القذائف المتفجرة “التي أصابت مطرانية الأرمن الأرثوذكس، والتي تعد من أقدم كنائس حلب، ومطرانية الأرمن الكاثوليك بالإضافة إلى مطرانية السريان الأرثوذكس وكاتدرائية أم المعونات ولم تستثن أي من دور العبادة في عاصمة الشمال السوري ولا تزال تزهق أرواح المدنيين الأبرياء الذين وصل عدد من سقط بالقذائف العشوائية إلى أكثر من ٢٨٠٠ شهيداً و٤٠ بالمئة منهم من الأكفال عدا عن نحو ٣٠ ألف جريح و٣ ألاف معاق”.

وبين أن الداخل إلى حي الميدان يدرك حجم المعاناة التي يعيشها السكان الذين آثروا البقاء فيه على الرغم من مخاطر القذائف “فها هنا شقق سكنية مدمرة بالكامل إلى جانب أخرى محروقة وهناك محال تجارية وورش تصليح السيارات كانت تنبض قبل ذلك بالحياة ويؤمها سكان المدينة المؤمنين بإتقان الحرفيين الأرمن وتفانيهم في أعمالهم وخدمة الزبائن”.
ونوه إلى أنه لا يمكن الاقتراب من خط التماس مع بستان الباشا “حيث الحواجز والمتاريس وعمليات القنص والاشتباكات المتواصلة وعمليات الكر والفر والقذائف وربما الأنفاق المعدة للتفجير والتي أودى أحدها بأربع أبنية سكنية بشكل كامل”.

وعن حيي الشيخ مقصود، الذي كان يضم عائلات أرمنية، وبستان الباشا الذي يحوي على الكثير من الورش العائدة لهم قال: “جرى استباحتهما بشكل كامل من المسلحين ولم يتبق من ممتلكاتهم ما يمكن الإفادة منه وجرى تسوية الكثير من الأبنية فيهما بالأرض والتعتيم على حجم الكارثة التي لحقت بالسكان ومساكنهم ومصادر رزقهم بينما نالت معاملهم ومؤسساتهم التجارية في المناطق الصناعية ما نالت تشهد على ذلك الراموسة والليرمون والشيخ نجار والشقيف”.

وتطرق ليون زكي إلى مساهمة الحلبيين الأرمن في الحياة الاقتصادية “حيث حازت سجلات غرفة تجارة حلب على أسماء ألف تاجر أرمني ونيّف مسجلين فيها قبل الحرب مصدر عز لكل أرمني وعلاقة حلب الاقتصادية والاجتماعية مع جمهورية أرمينيا وتأمينها جسر الوصل مع سورية مدعاة فخر لنا جميعا، وهي التي أنجبت رؤساء ووزراء ومسؤولين أرمن كثر لعبوا دوراً كبيراً في نهضة أرمينيا”.

وأكد أن الأرمن المقيمين في حلب ما زالوا متكافلين مع بعضهم بعضاً ومتعاضدين مع بقية أطياف وشرائح المجتمع في مصابهم الجلل “كسابق عهدهم في السراء والضراء أخوة متحابين في الوطن والعيش والمصير المشترك بين أن طول انتظار شمس الأمل والأمن والسلام حوّل مخاوفهم من ضياع فسحة وكوة الفرج للخروج من النفق المظلم إلى هواجس
تهدد مصيرهم ومستقبلهم كونهم الحلقة الأضعف مع باقي المسيحيين في الصراع لاستهدافهم من المتشددين التكفيريين ولا سيما (داعش) و(النصرة)”.

وأشار إلى أنه في مقابل مساعي مجلس الأعمال السوري الأرميني لمساعدة السوريين الأرمن في سورية وحلب “تنصب جهودنا أيضاً على التحفيف عن المهجرين منهم في أرمينيا التي قدمت أكثر من طائرة مساعدات لأرمن الداخل السوري”.

وأوضح أن زياراته إلى يرڤان، بصفته رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني وعضو مكتب اتحاد غرف التجارة السورية “لم تنقطع لهذه الغاية منذ بداية دخول المسلحين إلى حلب مطلع تموز ٢٠١٢ وبدء موسم هجرة السوريين الأرمن بشكل عام والحلبيين منهم الذين يشكلون غالية المهجرين بشكل خاص إلى العاصمة الأرمنية بهدف الاطلاع على أوضاعهم وتحسينها”.

وأضاف :”لمست تجاوباً كبيراً من المسؤولين الأرمنيين للاقتراحات والطروحات التي قدمتها لهذه الغاية. وخلال كل زيارة اجتمع مع وزيرة المهجر الدكتورة هرانوش هاكوبيان وسعادة السفير فوق العادة ليفون سركيسيان ونناقش سبل دعم السوريين الأرمن المهجرين”.

وشدد في تقريره الصحفي على أن الحكومة الأرمنية لم تبخل بتقديم كل ما من شأنه “توفير سبل العيش الكريم لأبنائنا على الصعيد الطبي والتعليمي والسكني حيث جرى تخصيص أرض بمساحة ٤٨ ألف متر لبدء العمل بالبنية التحتية اللازمة لبناء مساكن لهم من تبرعات الأفراد من داخل وخارج أرمينيا وبسعر التكلفة فقط ووفق دفعات ميسرة جداً يعادل مجموعها إيجار الشقة لبضع سنوات”.

وتابع :”التقيت مع اتحاد غرف التجارة والصناعة الأرمنية واستعرضنا جهوده الرامية إلى تخصيص أرض لإشادة سوق للصاغة وآخر لصيانة وسائط النقل تخص السوريين الأرمن لأن معظم مهجريهم من حلب كانوا يزاولون المهنتين في حي الميدان ومنطقة الراموسة الصناعية وهما خطي تماس في المدينة راهناً”، ولفت إلى توفير المناهج السورية الرسمية للطلاب النازحين في يريفان.

وللتدليل على أهمية ومكانة حلب في وجدان الشعب الأرمني، وهي المدونة في سجلات تاريخهم منذ أكثر من ألفي عام إبان حكم الملك ديكران الثاني فيها، قال ليون زكي: “تعمد الرئيس الأرمني سيرج سركسيان زيارتها والالتقاء بفعالياتها الاقتصادية والدينية والثقافية والاجتماعية على اعتبار أنها المحطة الأولى التي استقبلت المهاجرين الناجين من المجزرة العثمانية وفيها انتقلوا من بيوت التنك إلى الأبنية والمعامل ولم يغادروها إلى مدن سورية أخرى باستثناء هجراتهم إلى الولايات المتحدة ودول أوربية ولأسباب اقتصادية بحتة”.
وأعرب زكي عن أمله الكبير في أن يعم السلام والاستقرار في مدينة حلب، وفي جميع ربوع سورية “لنعيد بناءها من جديد وأفضل مما كانت عليه، لأنها موطننا الأساسي حيث رفض رجال أعمالها من أيناء الشعب الأرمني استثمار أموالهم في الدول التي هجّروا إليها، على الرغم من المغريات التي قدمت إليهم، ولا زالت أعينهم معلقة على أحيائهم ومصادر رزقهم فيها”.

وختم حديثه للصحيفة بالقول: “نعوّل على أخوتنا المسلمين بالتخلص من الفكر الوهابي المتشدد الغريب والطارئ عليهم لنعيد لحمة التسامح والإخاء والمحبة والعيش المشترك لأن الإسلام بريء من أعمال التكفيريين والوطن يتسع للجميع، ونحن لسنا عابري سبيل في هذه الأرض التي وهبتنا الحياة ومنحناها أعز ما نملك وسيظل صمود أرمن حلب والمسيحيين عامة وسام استحقاق يعلق على صدور جميع أبناء الأمة العريقة مهما بلغت التضحيات الجسيمة وحجم الدمار ونزيف الدماء… وإن للباطل جولة فقط”.

بقلم: ليون زكي

scroll to top