3839.jpg

المصلوبات… بقلم آرا سوفاليان

تقرر توريط السلطنة العثمانية وزجها في آتون الحرب العالمية الاولى مع دول المحور بزعامة المانيا بيسمارك، واكتشف الألمان وبشكل متأخر أن السلطنة العثمانية تحتاج لمن يعينها ولا يعوّل عليها ولا على جيشها الفاسد وضباطه الذين اخترقوا النظام وأسس الطاعة والتسلسل العسكري والانضباط أو ما يعرف بالهيكل التنظيمي العسكري واحترام القادة، وقد تم تنحية الضباط الأكفاء وتعيين الضباط العديمي الكفاءة في المناصب العليا فمثلاً كان الركن الفاعل في السلطنة بعد تنحية السلطان وحجره هو طلعت باشا وطلعت باشا كان مأمور بريد وبائع طوابع، وبائع الطوابع هذا صار يمثل السلطنة ويصافح امبراطور ألمانيا العظمى عند زيارة الأخير للسلطنة، والفقه العسكري والانضباط هو فلسفة الشعب الالماني وجيشه من وراءه، وبالتالي فإن الضباط الألمان لم يعجبوا يوماً بضابط واحد من ضباط السلطنة ولم يوكلوااليه ولا اليهم أي مهمة ذات شأن، وبالطبع تم الاستهانة بنصائح أعضاء مجلس المبعوثان (البرلمان التركي) والوزراء من الأرمن الذين رفضوا انضمام السلطنة العثمانية للحرب لأن الجيش فاسد وغير جاهز ويشبه رجل القش المستخدم لطرد الطيور التي ما ان تكتشف حقيقتة حتى تقف على رأسه ويديه وكتفيه وتزرق عليه، وحذروا بأن النتائج ستكون وخيمة، حيث سيضيع الجزء الأوروبي من السلطنة وسينزح ساكنوه صوب الشرق وستتقكك السلطنة ويقتسم الأعداء أراضيها، ولكن بائع الطوابع أصر على دخول الحرب الى جانب المحور وارسل قادة الارمن واعضاء البرلمان في سوقية همجية في 24 ابريل نيسان حيت تم سحق جماجمهم في الطريق، ودخل الهواة الحرب الى جانب المانيا وضاعت معظم أراضي السلطنة ووصلت افواج المهاجرين الى ما بعد العاصمة استنبول بكثير، وترتب على المهرّجين واجبات وضرورات أملتها الظروف المستجدة..

وكان لا بد من اختلاق حجج وأكاذيب لترجيل الأرمن وتوطين الأتراك القادمين من الغرب، اتهموا الارمن بأنهم تحالفوا مع قيصر روسيا ضد السلطنة مع العلم بأن كل الأرمن الذين في السلطنة تفصل بينهم وبين قيصر روسيا وجيوشه مسافات شاسعة، وينتشر ثلث جيش السلطنة على كامل الحدود في مواجهة قيصر روسيا ومن معه مما يجعل وصول ارمني واحد واختراقه للحدود وانضمامه الى جيش القيصر بحاجة لمعجزة.

اما شباب الارمن فلقد التحقوا بالجيش من عمر الثامنة عشر وحتى الخمسين، وتم تجريدهم من السلاح واقتيدوا الى كتائب السخرة وطلب منهم حفر خنادق دفاعية فحفروا دون ان يعلموا بأن هذه الخنادق ستكون قبورهم…فلقد سارع رفاقهم بإطلاق النار عليهم من الخلف ثم رميهم في هذه الحفر.

وتم تحريك السوقيات بإتجاه صحراء دير الزور وكانت هذه السوقيات تحوي النساء والأطفال والشيوخ…وعلى الطريق كان الاكراد يشترون السوقية من الحراس الأتراك الذين يغادرون المكان بمجرد وصولهم، فيتم خطف الفتيات الصغيرات واغتصابهن واغتصاب امهاتهن في حفلة يقودها الشياطين ويتم بقر بطون الحوامل في رهانات جماعية على جنس الجنين ويتم التفتيش عن الذهب في أمعاء القتلى.

وهذه الصورة هي غيض من فيض حيث تم تجهيز هذه الصلبان في مكان ما من صحراء دير الزور السورية بإنتظار وصول الهياكل العظمية من نساء الأرمن وبمجرّد وصولهن الى المكان تم فرزهن على الصلبان وسمّرت ايديهن وأرجلهن ورفعت الصلبان بما تحمل، ولا بد من أنه لم يسمع صوت لتلك الهياكل العظمية بسبب تلاشي القوى الى درجة مقاربة للموت فلا صياح ولا بكاء ولا عويل إلا من بعض الأطفال، وكل طفل وقف تحت صليب أمه يأمل أن تترجل وتصحبه الى البيت، ولكن الأموات لا يترجّلون.

وجاء من العرب من حمل الأطفال على ظهور الدواب وذهب بهم الى مجاهل الصحراء.

ومرّ من هناك ضابط ألماني يحمل كاميرا وألتقط صورتين وبعد التظهير أهدى الصورتين للفاتيكان ولأسباب تتعلق بوجوب مرور سنين كافية يموت خلالها كل الشرفاء والقديسون الذين شاركوا في الابادة وبعد انقضاء هذه الفترة يتم الافراج عن هذه الصور…فلقد انقضت المدة ومات الشرفاء والقديسون وتم الافراج عن هذه الصور.

هذه الصورة رأيتها لأول مرة منذ بضعة سنوات فأصابتني في مقتل ودارت في ذهني الأسئلة الآتية:
من الذي يقدر على القيام بهذا العمل، الأم على الصليب والطفل في الاسفل ينتظر نزولها، من الذي يقدر على صلب هيكل عظمي لإمرأة ؟؟؟ انظروا الى المصلوبة على يمين الصورة لاحظوا سترون هيكل عظمي عليه بعض الجلد، من الذي أعطى الامر وهل يوجد عسكري أو ضابط على وجه الارض يسمح شرفه العسكري القيام بهذا الفعل؟ هل يوجد في الكون ضابط او عسكري يقبل بأن يكون عدوه جيش من النسوة والأطفال، من الذي جهّز الصلبان ورفعها؟ من هم هؤلاء الأندال الذين قاموا بأعمال لا يقبل بها أقل الرجال شأناً، كانت حفلة مجون نتائجها كارثية ولا يقدر عليها ولا حتى الأبالسة.

بعد النظر والتمعن ملياً في هذه الصورة أجد العذر للبعض الذين يعتبرون الاعتذار والتعويض والقبول بهما هو أشد ضرراً من المجازر بحد ذاتها، لأنه الاستهانة العظمى بحقوق مليون ونصف ارمني تم قتلهم وصلبهم على نحو مماثل لما تبينه هذه الصورة…في ذكرى المئوية الأولى ليكن شعارنا ” لقد حدثت المجزرة اليوم ”

آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
09 04 2015

scroll to top