3291.jpg

رحلة عذاب على دروب الأجداد.. السوريون والبحث عن الطمأنينة في يريفان

يتحسر جورج كوشريان على أيام الرغد والهناء التي كان يعيشها في حلب مع عائلته ويروي بحزن سيرة “البهدلة” و”الحرب” التي قلبت مجرى حياته مع ملايين السوريين رأساً على عقب منذ أن أندلعت الحرب الأهلية في بلادهم. انفق ثروة العمر وما جناه على أعالة العائلة في أرمينيا، ويحلم بالعودة الى حلب اذا استقرت الأحوال.

جورج ليس وحيداً، هو أحد آلاف السوريين من ابناء الطائفة الارمنية الذين غادروا أحياءهم ومنازلهم العتيقة في حلب أم دمشق ومدن الساحل السوري وغيرها طلباً للآمان في هجرة معاكسة، على دروب شقاء سلكها أجدادهم قبل مئة عام حفاة وعراة وجائعين تحوطهم خيول العسكر العثماني – التركي وتحضهم السيوف والسنابك على السير على القدر المحتوم في الموت في الصحراء السورية. سخرية القدر شاءت كما يروي اللاجئون الارمن أن يغادروا سوريا على الطريق نفسها التي سلكها أجدادهم اي عبر مدينة حلب وجوارها الى تخومها الصحراوية الشمالية ومنها الى الداخل التركي، ثم الى جمهورية جورجيا المستقلة، ومنها الى أرمينيا. وللاجئين الارمن رأي واحد: “قاتل أجدادهم هو نفسه” وان اختلفت التسمية بين العثماني والتركي الذي أوكل مهمة القتل هذه المرة الى التنظيمات الارهابية والتكفيريين في سعيه الى قتال النظام السوري”.

تتفاوت التقديرات نسبة الى عدد السوريين الارمن الذين انتقلوا الى أرمينيا. تقديرات الناشطين الأرمن تشير الى 12 ألف لاجئ، وترى تقديرات أخرى ان العدد لا يتجاوز عشرة آلاف، يحصلون على الجنسية الارمنية فور وصولهم سواء أكانوا سوريين أم لبنانيين بعد تقديم المستندات اللازمة من أوراق واثباتات تؤكد انتماءهم الى السلطات الارمنية التي تسمح قوانينها بأزدواجية الجنسية وتعمل على استيعاب المزيد من الأرمن في بلاد تتدنى نسبة سكانها الى ثلاثة ملايين نسمة مقارنة بمساحتها (30 ألف كيلومتر مربع). ويقسّم اللاجئون السوريون الارمن فئتين، الاولى ميسورة، وهي قليلة العدد بطبيعة الحال تشتري منازل وعقارات واراضي وتؤسس استثمارات وحياة جديدة، وأخرى متواضعة الحال تعمل على تدبر أمرها وشراء منزل في الحد الأدنى وافتتاح مطاعم شرق اوسطية او متاجر ومصانع صغيرة بما بتناسب مع امكاناتها. وفي رأي السفير اللبناني في أرمينيا جان معكرون فإن شعوراً قومياً الى جانب الاحساس بالامان والطمأنينة حرك هؤلاء اللاجئين ودفعهم نحو أرمينيا والبقاء فيها، كما يحرك مجموعة لا بأس بها من اللبنانيين الارمن (حوالي 800 عائلة) ويدفعهم الى الاقامة في أرمينيا وارساء تبادل تجاري مع بيروت تبلغ قيمته حوالي ستة ملايين دولار أميركي في الصناعات الخشبية والكحول والأحذية وأخيراً الزراعة.

غالبية اللاجئين السوريين الأرمن في حلب، لم يعرفوا بلادهم الأم سابقاً، وهم ابناء الجيل الثالث والرابع والخامس من ضحايا الإبادة الارمنية العام 1915، وما كانوا يفكرون بالعودة الى أرمينيا الحالية، ذلك أن اجدادهم تهجروا من أرمينيا الغربية التي اصبحت مناطق تركيا الشرقية اليوم أو ديار بكر.

إيفا المهجرة من حي العزيزية في حلب، عاشت مع عائلتها حياة عادية في سوريا، الى أن بدأت قذائف الهاون والصواريخ تنهال على الحي الارمني بسبب وبلا سبب، وخطف عدد من الشباب والشابات الارمن رغم عدم انخراطهم في القتال، فكان لا بد من اتخاذ القرار الصعب، ونزح قسم من سكان الحي الى العاصمة السورية واللاذقية، وآخرون في اتجاه لبنان، في حين انتقل قسم آخر الى تركيا ومنها الى جورجيا فارمينيا. “كانت الهجرة الحل الأصعب، والأجدى على ما تقول، وتضيف انها لا تنوي العودة أبداً لأنها تشعر بالأمان مع أفراد عائلتها في يريفان، في حين يعارض زوجها هاروت الأمر ويشدد على أنه سيعود الى حلب مهما كلف الأمر. وهذا ليس موقفه وحده، فقد سبقته عائلات أرمنية كثيرة في رحلة العودة الى سوريا، غالبيتها اقامت في دمشق أو اللاذقية.

بقلم: بيار عطاالله
[email protected]
نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية

scroll to top