3158.jpg

حلب في أرمينيا: عائدون حتماً

يقف جورج كشغريان خلف بسطته الصغيرة في سوق «فرنيساج» منتظراً المزيد من الزبائن. تبدو عليه ملامح «الثقة بالنفس» و»الشطارة» التي تروّج عن التاجر الحلبي. «يفاوض» زبائن عدة في الوقت نفسه، ليؤكد أنّ بضاعته لا تشبه مثيلاتها في السوق. بعد «المفاصلة» غير المنتجة يحسب الثلاثيني المبلغ المطلوب من الزبون. يلفظ الرقم «المُنزل». تدفع المرأة ثمن حليها المصنوعة من الفضّة بنوع من الرضى.

السلع الصغيرة بين يدي ابن حيّ العزيزية تبدو كالعيّنات. ترك عمله بأواني الفضة والقطع الثقيلة ليحطّ بين عشرات الأرمن منافساً في أشهر أسواق العاصمة. «انشاالله منرجع» إلى «حيّنا الذي لا يزال مع الدولة»، يقول. بائع الفضة اعتاد المِحن، أو على الأقلّ السماع بها. أخبره والده ما نقل له الأجداد عن مجزرة 1915. اليوم في حلب «أكلنا كفّ مرتّب». لا يسمّي الرجل الثلاثيني أيّ أعداء. يعلم أنّه سيعود إلى متجره الكبير وإلى بيته القريب منه. على مقربة من جورج يقف حلبي آخر خلف بسطة مماثلة. ابن حيّ الفيلات اقترب من اتمام سنته الثالثة هنا. تبخّرت عن وجهه ملامح «النكبات». «نعمل لنعيش»، يختصر باسماً.

يعيش 12000 سوري في أرمينيا، معظمهم من «الشهباء». المساعدة الرئيسية كانت بفضل وجودهم في «البلد الأم». قدّمت الدولة نسبة ضرائب تشجيعية على استثماراتهم. لوحات سيارات سورية (حلب) تلاحظ في الشوارع. «من يخالف منهم في بعض قواعد المرور لا يحصل على جزاء»، يقول أحد الأرمينيين، لافتاً إلى سياسة غض النظر عن الوافدين من الجحيم السورية. بعض الأكشاك على لائحة مبيعاتها عنوان وحيد: سندويشات حلبية. في احدها يقف انترانيك ليبيع «الجبنة بالنعناع» و»قاورما» و»اقراص نعناع عجل»…

يعد الخميسينيّ عمله مؤقتاً، فهو «حتماً راجع». خلف الكشك الصغير على الطريق العام، تدير زوجته هاسميك مطعماً من خمس طاولات.

يرتاد أرمن لبنانيون وسوريون هذا المكان، حيث «تجتمع لذة الطعام مع الأسعار المقبولة». الزوجة التي هربت من حيّ الجلاء ترى في محطتها الحالية نهاية المأساة: «نحن هنا في وطننا». تبدو كأنها خاضت هذا النقاش مراراً مع زوجها لتختم جازمةً بهذه العبارة.

في التغريبة الأرمنية لبنان دائم الحضور، لكن في يريفان لا يبدو الضجيج اللبناني مرتفعاً بالنسبة إلى أرمن الشتات. 800 عائلة مسجّلة في البلد الأوروبي، لكن معظمها لديه بيتان وهويتان. يزورون أرمينيا في فترة السياحة أو لغرض الاستثمار، حيث تحتلّ المطاعم المرتبة الأولى. وبرغم «الصيت»، لا يتعدى التبادل التجاري مع لبنان عشرة ملايين دولار، فيما الاستثمارات الفردية تفوق هذا الرقم بأضعاف. في أرمينيا، مثلاً، يبلغ التبادل التجاري مع إيران نحو 300 مليون دولار سنوياً.

يختلط في يريفان الهمّ السوري بمسألة الإبادة، إلى الحرب «الباردة» مع أذربيجان حول اقليم ناغورني كاراباخ. الهموم المزروعة في كلّ زاوية، حيث تجري الاستعدادات لاحياء الذكرى المئة للإبادة الأرمنية، يجمعها جواب واحد: سياسة تركيا رأس المصيبة.

بقلم: إيلي حنا | نقلا عن موقع الخبر

scroll to top