20109.jpg

الأرمن "جالية".. بقلم: جاك كجه جيان

الأرمن “جالية”.. بقلم: جاك كجه جيان

الأرمن “جالية” مسالمة، مسكينة لا تتدخل في شؤون الاخرين لجأوا الى لبنان بعد الابادة التي تعرضوا اليها على يد الاتراك. شعب مجتهد يمتاز في الاعمال الصناعية والحرافية ويؤدونهم بمهارة.

في معظم الاوقات هكذا يكون التعريف عن الأرمن من قبل بعض اللبنانيين، شركائهم في الوطن. لكن مع ظهور وتطور مواقع التواصل الاجتماعي، لقد لفت نظري مطالب وعبارات البعض بـ”سحب الجنسية” و”ترحيل الأرمن الى أرمينيا” و”اللاجئين الأرمن” وغيرها من العبارات النابية والعنصرية والتهميشية.

لا احد يميز ان جذور اللبنانيين الأرمن تعود الى مدن وأرياف منطقة كيليكيا (على الرغم ان هذه المعلومات موجودة في كتب التاريخ و من ضمن المنهج التربوي اللبناني) هذه المنطقة كانت محرّرة من الحكم العثماني المجرم في عام 1918 العام عينه عندما تحرّرت سوريا ولبنان. هذه المنطقة كانت مثل لبنان وسوريا تخضع للانتداب الفرنسي، لكن في العام 1921 قامت السلطات الفرنسية احدى صفقات القرن حيث تنازلت عن المنطقة لأجل الحصول على حقوق مناجم النحاس والكروم هوالحديد لمدّة 99 سنة تنتهي في عام 2020.

من الجدير بالذكر ان هذه الصفقة كانت بين السلطات الفرنسية وكمال اتاتورك وليس السلطات التركية، مخالفة واضحة للقانون الدولي واتفاقية غير شرعيّة، لكن كما يقولون “القوي هو صاحب الحق”

لا احد يعير الانتباه ان الشعب الأرمنيّ هو من احد شعوب المنطقة الاصلية، وان علاقة الأرمن بالمنطقة تعود الى ما قبل الميلاد. ففي القرن الاول قبل الميلاد وصل حدود المملكة الأرمنيّة الى عكا ومشارف مصر، وبقيادة الملك ديكران برز دور لبنان كمركز للحوار والتجارة واصبح لبنان صلة الوصل بين الشرق والغرب.

ولا بد ان نتحدث عن الدور الأرمنيّ المرموق في عصر النهضة العربية. فأول إجتماع لمناصري النهضة حصل في منزل شخص أرمني، وكان رزق الله حسون(حسونيان) وأديب اسحق (زالماتيان) وكريكور وارتابيد من رؤاد النهضة بالاضافة الى بطرس البستاني وغيره من الشخصيات اللبنانية. وبفضل جهود الأرمن آنذاك ايقظت النهضة الهوية العربية واصبحت فكرة التحرّر من الحكم العثماني قضيّة وجوديّة وتاريخيّة لسائر اللبنانيين والعرب.

فبعد النهضة العربية دخلت المنطقة حقبة الحرب، في هذا السياق لا بد من ان نتحدث عن الفيلق الأرمنيّ الذي قاتل تحت قيادة الجنرال ألانبي.قاتل هذا الفيلق الجيش العثماني ببسالة في معركة عرعرة، وفي 18 سيبتمبر 1918 حرر فلسطين المحتلة من حكم الظالم ووصل الى عاصمة الثقافة بيروت، وبذلك مهّد الطريق نحو الاستقلال.

ففي ايام الانتداب، تحديداً بعد معاهدة سيفر وإعلان دولة لبنان الكبير(عام 1920) تبلور مفهوم الجنسية في الدول التي كانت تخضع للحكم العثماني، ومع قدوم معاهدة لوزان بعد ثلاثة سنوات عزز هذا المفهوم. صدرقانون رقم 2825 في 30/08/1924 وبموجبه ولدت الجنسية اللبنانية حيث نالت جميع الشعوب من ضمن حدود لبنان آنذاك بالجنسية اللبنانية بما فيها الشعب الأرمنيّ، ثم مع تنظيم الهيكلية السياسية وانطلاقة الحياة البرلمانية، دخل عبد الله اسحق المجلس عام 1929 كأول نائب من اصول أرمنية.

من المعيب ان ننسى دور الأرمن الفعال اثناء الصراع في سبيل الاستقلال، خاصةً دور حزب الطاشناق الذي كان حاضرا في المنطقة منذ 1904 وواكب جميع تطوراتها.عام 1938 عقد حزب الطاشناق اجتماعه العام الثالثة عشر في العاصمة المصرية، القاهرة. فتبنى الحزب الى جانب بنود اخرى، هذا البند: “على حزب الطاشناق مساندة جميع حركات وتيارات التحرر وبزل جميع الجهود لأجل تحقيق الاستقلال في سوريا ولبنان”.

في النهاية الأرمن ليسوا “جالية”، ووجودهم في لبنان ليس مرهونا فقط بالمجازر المرتكبة بحقهم والتهجير القسري الذي رافق المجازر. الأرمن هم من سكان الارض، وسكنوا المنطقة منذ مئات السنين وفي بعض المناطق يمكننا القول لآلاف السنين، هم جزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني، الذي غني بتنوعه. الأرمن لبنانيين مثلهم مثل غير الطوائف.

كفى عنصرية في بلد العيش المشترك !

كفى عبارات نابية في بلد القداسة !

كفى عبارات لا تليق بنا في بلد الثقافة !

كفى تهميشاً لطائفةٍ لم يرى لبنان منه سوى الخير !

المصدر: ملحق آزتاك العربي

scroll to top